يوم قرر الشيخ الهرم العودة إلى رحم أمه
كأنها قصة
عبد الرحمن بوطيب / المغرب
ليلة عيد ميلاده، وقد أكل من عمره ثمانين حولاً، قرر العودة إلى رحم أمه… أرحام الأمهات لا تموت بعد رحيلهن… سمع عديد مرات عن أرحام رفضت موت أجنة بعد موت أمهاتها… عاشت الأجنة… خرجت من أجداث مظلمة إلى أجداث أشد ظلمة ووحشة… ووحشية… بعض أجنة ندم على خروج لم يستشر فيه، ولم يأخذ فيه القرار
كم احتججتَ على إخراجك من رحم أمك دون إذن منك أنت المعني بأمر ليس بالضرورة هو أمرك… هكذا يقول الكبار وفقيه الدوار… الكبار من مواقعهم، وغطرسة، لا يستشيرون الصغار… لا يأخذون منهم قرارات تخص كيانهم… البغل الكبير لا يتخلى عن جر العربة ومن وما فيها وحده…. لم تسمع في حياتك، ولن تسمع في مماتك… أو في رحم أمك أن عربة جرت بغلاً كبيراً
أنت اليوم تلعب بالنار… تقذف بالبغل وراء العربة قذفاً… العربة لن تتوقف… هكذا أنت دائماً عنيد تحب قلب العالم رأساً على قاع… ذاك الهارب من جماعة حظيرة البغال بلحيته الكثة وما تبقى له من رأس ماله جرب قبلك لعبة قلب أوضاع… ضيع رأس ماله… وقيل إنه نتف لحيته الكثة وطلقته زوجته… من يومها رحل ولم يعثر له على أثر
هو، كعادته غير المعتادة، عنيد… توهم أنه سيعيد تدوير نفسه… عظماً ولحماً وشحماً وخوفاً في رحم أمه من جديد… الخوف سلاح… ذاك الأبله سيزيف خواف… حتى الصخرة منه سخرت… لماذا تهرب إلى رحم أم قديمة نائمة تحت تراب منذ عهود يا ربيب حامل صخرة وإعاقة؟ هل أنت خائف؟ لا تخف… اعترف… البغال الكبيرة كلها تعرف خوفك… اهرب إلى رحم من خوفك ووجاء
:فاصل… ولا رغبة لنا في أن نعود
….جاء في أخبار المساء التي لا يتابعها أحد أن رحم أم أقام حفلة استقبال على شرف جنين هرم هارب من خوف و… خروف من خراف الله عاد إلى
لم ينتشر الخبر في المدينة… المدينة عاهر… تنام نهاراً وهي تشخر من فوق ومن تحت لتسهر ليلاً فجره لا يتنفس… السهر حياة… ما قصر في الأعمار طول سهر… قالتها الست… ولم تسهر… أنت منذور لسهر… عازف ليل يسهر نهاره لا ينام ليله… هل خفت أن تشم جحافل الناس المتسكعين في الدروب والأسواق، وأسواق الناس سيرتك النتنة نهاراً جهاراً؟
لا بأس… تعودتََ على نتانة منك في استسلامك لبغال كبيرة تجر عربات نتنة أكلتها الأرضة… عربتك وعربة نسلك وجيران… نتن أنت في كلك… وفي بعضك السخيف… تتوهم نقاء في أعماق سريرتك المتآكلة… تتشدق بعشق بقايا رماد كتاب أحمر… وغواية عيش بين قضبان وأسلاك شائكة… كم أنت ضعيف… خائف… هرّاب… دونكيشوت رفيقك حاربتَ معه طواحين وغيلاناً من ورق… بكل وقاحة تصرخ في وجه وجهك الكالح : “التاريخ لا يرحم… لا يعيد نفسه… البقاء للأصلح”… وبينك وبين نفسك في مرحاض أنت تلعن العالم… كل العالم، ولا تنسى أن تلعن نفسك، وتبشر بثورة عبيد وقطعان قادمة
جارك الملعون معك يسهر مثلك ليفتح لك الباب وأنت عائد من رحلة سهر بين خواب ودنان نتنة… هو معك يحلم بعودة إلى رحم أمه وقد أقنعتَه بخبث أن يرمي نفسه في المقلاة… المقلاة لذيذة… سمك مقلي أنت وأهلك يجرهم بغل كبير يتبجح بأنه والد والدك النتن في عربة يحلم فيها كل محمول خواف مثلك بعودة لذيذة إلى رحم صدئ في رميم عظام نخرة
:نشرة اخبار
جارة الشيخ الهرم منذ خرجت تبحث عنه بعد اختفائه وهي تلعن نفسها وتصرخ في الدروب كل ليلة… لماذا لم أربطه من قدمين حتى لا يهرب مني…لماذا؟
عبد الرحمن بوطيب
المغرب