المطربتان: فايزة أحمد و وردة الجزائرية

المطربتان: فايزة أحمد و وردة الجزائرية

فايزة أحمد ووردة الجزائرية : بين..بين

بين الهمس والقوة

بقلم ذ: عبد المجيد شكير

رغم أن الأولى من سوريا، والثانية من الجزائر، فقد اجتمعتا في القاهرة، مدفوعتين بطموحهما الفني الجارف، الأولى حطت الرحال في قبلة الفن العربي منذ منتصف الخمسينيات، والثانية استقرت فيها منذ بداية السبعينيات، إنهما المطربتان فايزة أحمد ووردة

كان محمد الموجي أول من احتضن صوت فايزة عند قدومها، فلحن لها أغنيات صنعتها كنجمة جديدة في الغناء (أنا قلبي ليك ميال ـ يامه القمر على الباب…) وبعد أن ذاعت شهرتها، أقبل عليها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بمجموعة ألحان، في طليعتها أغنية الأم الشهيرة (ست الحبايب) وأيضا (خاف الله ـ تهجرني بحكاية ـ بريئة ـ تراهني ـ بصراحة…) وانهال عليها المديح والثناء، فكوكب الشرق صرحت بأن صوتها هو أحب الأصوات التي تفضل أن تسمعها، ورياض السنباطي أكد أنها أحسن من ينطق حرف الحاء وهي تغني، وأما عبد الوهاب فشبه صوتها بالكريسطال، وأحسن لقب أطلق عليها هو (كروان الشرق) واستمرت رحلتها الفنية مؤكدة أنها مطربة من الدرجة الأولى بامتياز (بعيدا عن أم كلثوم بطبيعة الحال.( وأما وردة فجاء بها بليغ إلى القاهرة، لكي يخلق منها نجمة لمشروعه الموسيقي التجديدي، والقائم على توظيف الفولكلور وإخراجه في حلة عصرية، وتدفقت ألحانه على حنجرتها، فشدت الأسماع بقوة صوتها، ومساحته العريضة (خليك هنا ـ العيون السود ـ اسمعوني ـ وحشتوني ـ أنا عايزة معجزة ـ لو سألوك ـ حكايتي مع الزمان ـ أولاد الحلال ـ دندنة ـ طب ونا مالي ـ على الربابة ـ أحضنوا ـ الأيام ـ من بين ألوف…)، وتهافت عليها الملحنون، فكان أن صعدت صعودا صاروخيا إلى القمة، وغدت عملاقة وأسطورة في الغناء

وكان طبيعيا أن يشتد التنافس بينهما حول لقب المطربة الأولى، أو من هي المرشحة الأولى لخلافة كوكب الشرق؟ وتدخل بينهما أصحاب السوء، ينسب لكل واحدة كلاما فيه اتهام للأخرى، أو انتقاص من قيمتها، فساءت علاقتهما وتوترت

تزوجت فايزة من الملحن محمد سلطان، وكان آنذاك ملحنا ناشئا، ولكنه تطور بسرعة، وساهم صوت فايزة في نجاح ألحانه، حتى أصبح ندا لا يستهان به أمام الكبار، مما جعل كوكب الشرق وعبد الحليم حافظ يفكران في غناء ألحانه، وتزوجت وردة من بليغ حمدي، وكان حينها من عباقرة التلحين في العالم العربي، وهكذا لم يعد الصراع ثنائيا بين مطربتين، بل أصبح أيضا بين ملحنين يتسابقان على تقديم الأفضل، والأصح أننا أصبحنا أمام صراع بين جبهتين: فايزة مع سلطان، ووردة مع بليغ، ومن مظاهر هذا الصراع أن فايزة ووردة كانتا ترفضان الظهور في حفل واحد، أو الاجتماع معا في الجلسات الفنية ومما يحكى عن فايزة أنها دعيت مرة لكي تغني في إحدى الجلسات الفنية، ووافقت، ولكنها عندما علمت بأن وردة ستكون من الحاضرين كضيوف اعتذرت مبررة ذلك بأنها لن تكون مرتاحة وهي تغني أمام وردة، وعندما انتقد أنيس منصور صوت فايزة على صفحات الجرائد، اعتبرت الأمر عاديا لأنه من أنصار وردة وهي تحرضه على الانتقاص من قيمتي الفنية، وسبق لوردة أن صرحت بأنها ترحب بأن تغني من ألحان محمد سلطان، ولكنها تشك في أن توافق فايزة على ذلك، كما حاولت كل واحدة منهما أن تحتكر ألحان زوجها، ففايزة غنت لمحمد سلطان طوال سبع عشرة سنة وهي مدة فترة زواجهما نسبة كبيرة من ألحانه، تصل تقريبا إلى ثلاثة أرباع إنتاجه، لقد غنت له القصيدة (رسالة من امرأة ـ حبيب الأربعاء ـ أحبه كثيرا…) والزجل (آخد حبيبي ـ صعبان علينا ـ قاعد معاي ـ مال علي مال ـ يا طير الشوق ـ لقيتك فين ـ غريب يا زمان ـ أحلى طريق …) والموشح (العيون الكواحل ـ يا هلالا…) والوطنيات (بحبك يا مصر ـ سلم لي على مصر…)، لذلك سنجد أن ألحان سلطان بعيدا عن فايزة قليلة جدا، نذكر منها (يا ريتك معايا) لهاني شاكر و(الدنيا كده) لسميرة سعيد، و(قدك المياس) لمحرم فؤاد، و(أوعدك) لسعاد محمد، و(سامحتك كثير) لأصالة، واحتكرت وردة أيضا أغلب ألحان بليغ أثناء زواجهما ولكن بليغ تمرد على ذلك مرات عديدة فمنح ألحانه لغيرها (عفاف راضي ـ شادية ـ سميرة سعيد ـ عزيزة جلال ـ ميادة الحناوي..)

وحتى الزوجان الملحنان كان يعرقلان تعاون أي ملحن مع صوت زوجته، والملحن الوحيد الذي تجرأ على اختراق هذين الحصارين هو عبد الوهاب الذي لحن (لولا الملامة) لوردة، ولحن (و قدر تتهجر) لفايزة واستضاف الإعلاميان طارق حبيب ومنى جبر في إحدى حلقات برنامج (اثنين على الهوا) كلا من بليغ حمدي ومحمد سلطان، ولكن الحلقة منعت من العرض لما صدر فيها من كلمات نابية في حق بعضهما البعض

بالصدفة، ومن غير سابق موعد التقت مرة فايزة ووردة في حفلة عشاء، واستطاع محمد بديع سربيه رئيس مجلة الموعد أن يصالح بينهما، ولما انفصلت وردة عن بليغ، عادت فايزة لكي تشدو بألحان بليغ حمدي بعد طول غياب (حبيبي يا متغرب) وبعد وفاة فايزة ووفاة بليغ، وغنت وردة من ألحان محمد سلطان (شمس وبحر) في فيلم (ليه يا دنيا) والحقيقة أن فايزة أحمد ووردة مطربتان من العيار الثقيل، أسعدتا الجمهور العربي لفترات من الزمن بعيون ودرر من الألحان. عندما مرضت فايزة أحمد ورقدت في المستشفى، كانت وردة تتردد على زيارتها، بل إنها منحتها مبلغا ماليا مهما، من أجل مساعدتها على السفر إلى لندن قصد العلاج، إلى أن وافتها المنية، وظلت وردة تردد في حواراتها بأنها ندمت على الفترة التي قطعت فيها علاقتها مع فايزة، مؤكدة أنها إنسانة طيبة على عكس ما يشاع عنها، وهي اليوم تفتقدها كمطربة مقتدرة كانت تتنافس معها

قد يتساءل البعض عن موقع المطربة نجاة الصغيرة عن هذا التنافس والصراع بين فايزة ووردة، صحيح لقد شكلت نجاة ثالوثا مع هاتين الفنانتين، ولكنها كانت تربأ بنفسها عن مثل هذه المشاحنات والحسابات الضيقة، كانت واثقة من نفسها، ومن أعمالها، ومطمئنة كثيرا للرعاية الفنية التي تحظى بها من الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقد حاول كمال الطويل في فترة من الفترات أن ينسج معها ثنائيا يزاحم به ثنائي فايزة مع سلطان، وثنائي وردة مع بليغ حمدي، حيث أسند لها مجموعة من الألحان المتتابعة في فترة متقاربة (استناني ـ عيش معايا ـ حبيبي لولا السهر…) ولما فطنت بنيته ابتعدت بذكاء

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com