الفنان نوري: ما يزيد عن ثلاثة عقود في عالم الطرب
الأغنية المغربية : الفن الأصيل يحتاج الرعاية والتمويل
الفنان نوري مغن وملحن استطاع دخول بيوت معظم المغاربة، من خلال الوصلات الإعلانية والموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات المغربية . ويسعدنا في جريدة ألوان ان نستضيفه حتى نقربه إلى أكبر عدد ممكن من القراء والمتتبعين ، وذلك من خلال حديثه عن التجربة الطويلة التي تميزه في ميدان الطرب والتلحين بصفة عامة ، وخلالها يحدوه الطموح والحلم في مساعدة الشباب على النجاح وتحقيق الشهرة الفنية وتعريفا بنفسه يقول بأن اسمه الحقيقي هو ” نور الدين العرابي” وأن تجربته الأولى كانت بمدينة باريس في ثمانينيات القرن الماضي ، عندما أصدر ألبومه الأول الذي تضمن 7 قطع غنائية ، أنتجتها شركة ” سان سوند سيستيم ” ، وهو ابن السابعة عشر من عمره ، وسمي ذلك الألبوم ب نوري كناوة عام 1988 ” ومنه التصق به ” نوري ” كاسم فني . ومنذ ذلك الحين – يقول – وأنا أشتغل بالتلحين الموسيقي ، وقد كان لي حظ وشرف تلحين الموسيقى التي تسبق الأخبار بالتلفزة المغربية ، ومن تمت كانت الانطلاقة نحو الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات والوصلات الدعائية ، وكانت البداية مع الفنان سعيد الناصري في فيلم ” البانضية ” ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل صرت مشرفا موسيقيا على كل ما يمكن أن يقدمه من أعمال فنية
وعندما طلبنا من الفنان نوري أن يحدثنا عن تجربته الطويلة في ميدان الغناء والتلحين ، أجاب قائلا: دخلت المسار الفني منذ سنة 1985 ، والكثير من الشباب والمهتمين يحفظون ما أغنيه دون أن يعرفوني كشخص . أنجزت ألبومي الثاني بالدار البيضاء سنة 1991، وضم 6 قطع موسيقية ، وقد تطلب مني الاشتغال لإصداره ما يقارب 8 سنوات كاملة . وفي نفس الوقت أحييت الكثير من السهرات
داخل وخارج المغرب ضمن جولات فنية في كل بقاع أوروبا وآسيا ، لدرجة أن عدد المتتبعين لكل سهرة من سهراتي دوما ما كان يفاجئني بكثرته ، بل وغالبا ما كان يطلب مني أن لا أغادر الخشبة لكوني أشد الي كل المتتبعين وأتجاوز – دوما – الوقت المخصص لي ، واذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن آخر ” كونشيرتو ” لي كان في حفل موازيين بالمغرب خلال سنة .2013
لقد كنت وما أزال أشتغل بكل ما أملكه من أحاسيس ، وغالبا ما أغني إبداعاتي وأعمالي الشخصية بالأساس، وللتاريخ أقر أني جد محظوظ لأني عشت مراحل المجال الفني لعقود عايشت فيه تطورات عدة، ، واستفدت من مختلف التحولات التي عرفتها وتعرفها الساحة الفنية حتى المرحلة الحالية ، فالأغاني القديمة كانت تكتب كلماتها من الأعماق وبصدق وتلقائية تامة وإخلاص كلي للنص المكتوب سواء كان زجلا أم قصيدة، ، لدرجة أن الأغنية تستغرق ما يقارب الشهر الكامل إن لم يكن أكثر من أجل تلحينها وإعدادها للإذاعة، وذلك بعد أن تعرض على اللجان المختصة للقراءة والتقويم والموافقة عليها قبل السماح لها بالمرور إلى آذان المستمعين ، ولذلك وجب علينا أن نعتبرها من الخالدات لأنها أُنْتِجَت بنوع من الدقة والتأني، وأنشدتها و غنتها أصوات رصينة تشد إليها المستمع ، وكان قوامها وسر نجاحها قاعدة ثلاثية تقوم على الكلمات أولا، والتلحين ثانيا ، والأداء ثالثا . وهو عكس الوضعية الحالية التي يعرفها الإنتاج الفني الذي يعتمد على السرعة ، ويغيب الجودة والرصانة . وهناك شيء آخر ينبغي الإشارة إليه هو أن النقلة الفنية ما بين القديم والحديث لم تكن بالشكل الجيد ، خاصة بعدما دخل ما يعرف اليوم ب. “الدجيدجي” أو أغاني الحساء كما أسميها ، فهي تفتقد إلى كل المقومات الفنية للمعاني الرصينة ، ولا تعدو أن تكون عبارة عن ربط وتجميع بين الكلمات دون إعطاء أي أهمية للمعنى أو الدلالة المتوخاة، الأمر الذي يولد متابعات مجانية ، لدرجة أن عُمر كل أغنية من هذا النوع لا يمكن أن تتعدى شهرا أو شهرين ، فتذهب مع الرياح ويزول أثرها ، الأمر الذي يجعلني أُبْعِدها عن المجال الفني الحق . ثم جاءت ضربة المقتل المتمثلة في ” الراي” الذي لا يبحث أصحابه وممتهنوه مع استثناءات قليلة إلا على: البوز
وعندما سألناه عن استثماره في برامج يديرها لاكتشاف الاصوات الغنائية الجديدة ، أجاب قائلا :لقد بدأت في إنتاج العديد من الأعمال للعديد من الشباب الذين لم يجدوا طريقا للظهور والتعبير عن قدراتهم ، ومواجهة الصعوبات الكثيرة التي تعترضهم أو تقف حجرة عثرة في وجوههم ، وتبقى متعتي كبيرة جدا عندما أرى هؤلاء الشباب الذين توليتهم بعنايتي وساعدتهم قد ولجوا دروب النجاح ، وبما أننا نتحدث بهذا الأمر، أريد الإشارة إلى أنني قد اقترحت على وزارة الثقافة المغربية فكرة خلق مؤسسة لصناعة النجوم ، من خلال اختيار التعامل مع اجود الملحنين وكتاب الكلمات ، غير انه وللأسف الشديد فإن هذه الفكرة لم تر النور ، الأمر الذي جعلني أنجز المشروع وحدي لمساعدة الشباب الموهوبين على إبراز طاقاتهم وتفتيق مواهبهم ، وجعلت الأمر تحديا من نفسي لمساعدة المقبلين على ولوج غمار المجال الفني ، وفاتحا الباب على مصرعيه لكل من يستحقون أن نشتغل معهم لا على مستوى الصوت فحسب ، بل حتى فيما يخص اختيار النوع والنمط الذي ينسجم معهم ، وهكذا ساهمت فكرة Stud Live في تطوير قدرات الكثير من الشباب ، بعيدا عن كل أنانية فنية ، وفتحت الآفاق أمام كل من يستحق ويستطيع خوض مغامرة الإنتاج الجيد وهو ما أفرحني ومنحي القوة والقدرة للاشتغال
أحاول انتقاء خمسين من المغنيين، أستمع لأصواتهم، أدربهم، وأختار الأغنية التي تليق بمؤهلات صوته، ثم نريه الخصائص اللازمة للتعامل مع اللحن والتسجيل والأداء الغنائي أمام الميكروفون والشاشة والجمهور، كل هذا المجهود مجاني، وحينما نسجل لهم الأغاني الخاصة بكل منهم، نترك للجمهور تقييم الصوت والفنان. الان ، وبعد سبع سنوات اقتسمت خلالها تجربتي الفنية مع العديد منهم، ومع مرور الزمن اكتسبوا الثقة في النفس فانصرف العديد من خريجي هذه المغامرة إلى الاشتغال في أوربا، ومنهم من وقع عقودا للعمل الفني بل ان منهم من استطاع احياء العديد من السهرات ،وهذا خير دليل على اني وفقت في مشروعي الفني ذلك – والحمد لله – وهو ما يعطيني الكثير من الارتياح والقدرة على العمل والاجتهاد الفني
سجل حتى الآن275 مطربا في “استود لايف” للإنتاج الفني، جمعتهم في ظرف 7 سنوات ، أصواتهم جميلة جدا ، غير أن ضرورة الحياة تدفع بالكثير منهم إلى الاشتغال في المقاهي أو المطاعم الليلية ، والتي لا تزيد عن ثلاثة أو أربع ساعات ليلية مقابل 600 أو 800 درهم في أحسن الحالات . هذا الاختيار أو يبقون متقوقعين داخل صدفياتهم ، وفي ذلك اقبار لإمكاناتهم الفنية . ولكن يا للأسف الشديد يبقى المجال امامهم مغلقا ، لأننا نفتقر إلى مؤسسة فنية بكل الشروط للرعاية والتدبير الفني بمساره السليم خدمة للفنانين وللفن وصورته داخل وخارج المغرب، كتراث أصيل نفخر به
عن فن الملحون يقول نوري: الملحون فن وتربية للناس والذوق، فهناك قصائد رائعة تتغنى بالجمال في كل مناحيه سواء عن النساء أو قصص العشق والهيام وغير ذلك بلغة منتقاة وألحان قيمة ومدروسة، بموازين موسيقية راقية، والأمثلة كثيرة في هذا المجال، نذكر قصيدة خلخال عويشة، و الزردة والحراز للحاج الحسين التولالي، وغيرها. وهنا لابد لنا من التنويه بإعلان وزارة الشباب والثقافة والتواصل، أن اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونيسكو، التي انعقدت في 6 من دجنبر 2023 في إطار دورتها 18، بجمهورية بوتسوانا، وافقت على طلب المملكة المغربية المتعلق بإدراج فن « الملحون » في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية
أما بشأن الطرب الشعبي ، فأعتبره شخصيا ثقافة قبل كل شيء. وليس بمستطاع أي كان غناؤه، ففن العيطة والمرساوي وغيره يخضع لموازين معينة، فالحاجة الحمداوية عرفت كيف تغني هذا اللون الذي أخلصت له واشتهرت بأدائه، بل عملت على أدائه مع الجوق العصري بطريقة حديثة وجميلة
وفي حديث الفنان ” نوري ” عن الساحة الفنية المغربية ، يرى – وهو الممارس – انها تعاني من الفراغ ومن احتكار ما سماه – اللوبي الفني – المكون من
7 إلى 10 اسماء ، تهيمن على الساحة الفنية ، وتتواجد في معظم السهرات والمهرجانات وحتى في السفريات الفنية إلى الخارج ، علما على أنهم لا يمثلون الفن المغربي على الإطلاق، لأن هناك العديد من الاصوات الجيدة والطربية، غير أن الأبواب تبقى دوما مغلقة أمامهم، وعندما يطلب الاجانب فنانين من المغرب لأحياء السهرات ، فلن تمنح الفرصة إلا لبعض الأسماء فقط : (الداودي والداودية وحاتم عمور وسلمى رشيد وأسماء المنور …) وكأن الساحة الفنية عندنا عاقرة ، وهذا في عمقه مشكل كبير جدا، فيكفي ان نعلم أن عندنا حوالي 6 الاف مطرب مسجلين في المكتب المغربي لحقوق المؤلف والمبدع وانا واحد منهم