أصدقاء المغرب: بيرت فلينت

أصدقاء المغرب: بيرت فلينت
تصوير ألوان
                                بيرت فلينت

دفاعا عن الفن القروي

بقلم: أحمد قابيل

 استقروا في مدينة مراكش وساهموا في التعريف بها وفي إعطائها جانبا من إشعاعها، نذكر الرسام ماجوريل الذي منحها حديقة جميلة ومتحفا للفنون الإسلامية، ونذكر خوان غويتيسولو الكاتب الإسباني المرموق الذي ساهم في التعريف بساحة جامع الفنا إلى أن استصدر من اليونيسكيو توصيتها بتصنيف الساحة من التراث الشفوي الإنساني، ونذكر أيضا المثقف الهولندي بيرت فلينت Bert Flint الذي أعطاها متحفا متخصصا في الفن القروي الأمازيغي، نجد ذكره في كل الكتب السياحية الخاصة بمدينة مراكش وبكل اللغات . بدأ اهتمام بيرت فلينت بالعالم العربي الإسلامي حينما كان في مدينته أوتريخت يدرس مبادئ اللغة العربية، فقد تخصص في الأدب الإسباني، وكان يريد التعرف على ذلك الأدب الإسباني الآخر المكتوب باللغة العربية، والذي ازدهر في الأندلس أيام الحكم الإسلامي، وحين جاء إلى مدريد لزيادة تمكنه من لغته الإسبانية، أخذ يتعرف على هذا التراث الأندلسي العربي، وهناك التقى بابن الخليفة السلطاني بتطوان الذي عرض عليه المجيء إلى المغرب للاقتراب أكثر من الثقافة الإسلامية ومن الأدب الأندلسي الذي يريد التعمق فيه . جاء بيرت فلينت إلى المغرب سنة 1957 وتم تعيينه أستاذا للغة الإسبانية بمراكش، وسكن في منزل بالمدينة القديمة، وكان من حسن حظه أن التقى بأستاذ أفاده كثيرا في الاقتراب من الأدب الأندلسي، فالمغاربة، كما يقول بيرت فلينت، مازالت لديهم نوستالجيا الأندلس الفردوس المفقود، والأندلس بالنسبة إليهم هي النموذج الأرقى في الحضارة وفن الحياة، في الأدب، في الشعر، في الموسيقى، في المعمار، في اللباس، وفي فن الطبخ إلخ ولكن ألا يمكن أن يصبح الاقتداء بهذا النموذج المثالي عائقا لكل إبداع، ولكل تجديد؟

                        تصوير ألوان

يبدأ بيرت فلينت بعد ذلك بالاهتمام بالفن الإسباني¬ الإسلامي Hispano-musulman فهو ميدان بكر، لم تكتب عنه أشياء كثيرة، ويسافر من أجل البحث عن جذور هذا الفن إلى كل من إيران والعراق ومصر . لكن في أرض الرافدين ووادي النيل ، يلاحظ ارتباط الثقافة في هذين البلدين بالزراعة والقرية ، إنها ثقافات زراعية بخلاف الثقافة الإغريقية التي نشأت في وسط يعيش على التجارة . إن القرية كانت مصدر الثراء والخصوبة والقوة .

يعود بيرت فلينت إلى المغرب، وهذه المرة إلى مدينة الدارالبيضاء لتدريس مادة الفنون الشعبية بالمغرب بمدرسة الفنون الجميلة أيام كان يديرها الفنان فريد بلكاهية في الستينيات، وهنا يلتقى بمجموعة من الفنانين أمثال شبعة والمليحي، وبمجموعة من المثقفين الذين يكتبون في مجلة أنفاس، التي كان يديرها الشاعر عبد اللطيف اللعبي، ويعمق النقاش معهم في اهتمامه الجديد وهو الفن القروي المرتبط بالأرض وبالزراعة، وهو الفن الذي لا يهتم به أحد، و حتى إن اهتم به فذلك من باب الاهتمام بأشياء تعود لماض متخلف بدائي، يجب التخلي عنه أو الخجل منه . إن الموسيقى السائدة في المغرب هي الموسيقى الأندلسية ، وكأنها هي الموسيقى الوطنية بامتياز، أما ما عداها فمجرد موسيقى محلية أو فولكلور، والواقع أن الثقافة الأندلسية سائدة ، لأنها فقط ثقافة الطبقة الحاكمة، فبالنسبة للإنسان السوسي فإن الموسيقى الأندلسية ليست هي الموسيقى الوطنية وإنما هي موسيقى فاسية فقط ولا يجب أن تهمش باقي أنواع الموسيقى في كل المناطق . نفس الشيء يمكن قوله عن المعمار وفن البناء، فلماذا علينا أن نبني دائما المساجد على النمط الحضري الأندلسي، مع أن لكل منطقة معمارها الخاص الذي لا يجب إهماله حتى لا يندثر ويزول إلى الأبد؟ ولماذا يجب أن نبني المساكن دائما بنفس الطريقة التي تبنى بها في مدينة الدارالبيضاء، مع أن لكل منطقة طريقة بنائها المنسجمة مع تضاريسها ومناخها؟ لماذا نفرط في التنوع الثقافي الموجود في مناطق المغرب المختلفة ونكرس هيمنة نمط وحيد من الثقافة؟ هذا الاهتمام بالتنوع الثقافي وبالقروي منه بالخصوص، يجعله يبدأ في تجميع وشراء كل ما يصادفه في الأسواق القروية من تحف حلي، قلائد، زرابي، قناديل، أواني، ألبسة، خناجر، أسورة، آلات موسيقية، تخص مناطق الجنوب المغربي الأمازيغي سوس، الأطلس الكبير، الصحراء. كان بيرت فلينت يطوف بالدواوير والمداشر في الأطلس على ظهور البغال بحثا عن هذه التحف الأصلية، وليست التحف المقلدة التي تباع في البازارات .

                             تصوير ألوان

إن الاهتمام بالفن القروي هو عودة إلى الأصول الثقافية لأي بلد، إنها تعبير برموز تضرب في أعماق تاريخ كل ثقافة، كما هو الحال مثلا في الرسوم الموجودة في الحلي أو في الزرابي . وما يميز هذا الفن القروي أنه مجال خصب للإبداع، فالمرأة القروية حين تنسج زربية ما، لا تضع أمامها رسما تريد تقليده كما هو الحال في الزرابي الحديثة بل إن الأشكال والسطور والرموز توجد في ذهنها ومخيلتها، وهي تبدع فيها باستمرار . يطوف بيرت فلينت بمجموعة تحفه التي جمعها في عدة معارض في المغرب وخارجه، ويكتب مدافعا عن الفن القروي في عدة مجلات وكتب، ثم يجعل من مسكنه في مراكش، قرب قصر الباهية، مكانا لعرض دائم لهذه التحف، وأصبح في مستطاع السائح أو أي زائر يريد التعرف على الجانب الآخر من الثقافة المغربية، الجانب الفلاحي، الزراعي، القروي، أن يقصد دار تيسكيوين Dar Tiskiwin أو متحف بيرت فلينت للفنون القروية . بتاريخ 26 ماي 2006 يخطو بيرت فلينت خطوة أخرى لردّ الاعتبار للفن القروي، فيهدي متحفه وكل تحفه التي قضى خمسين سنة في جمعها إلى جامعة القاضي عياض بمراكش لتكون دار تيسكيوين مركزا يقصده الباحثون في التراث الفني المغربي الخاص بشمال إفريقيا وبالساحل الإفريقي، حيث يجدون مكتبة متخصصة تحت تصرفهم وتصرف كل الراغبين في إشباع فضولهم العلمي والفني .

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com