خواطر امرأة
أعمدة من ضياء
ثريا الطاهري الورطاسي
قد تصادفنا دوما محطات نلج دواماتها وبدون أي استئذان ، وتطوح بنا لحظاتها في ثنائيات عجيبة سريعة التنقل بين طرفي معادلاتها ، وعند الاستفاقة من غفواتها ، لانزيد عن قولنا : انها مجرد أعمدة من ضياء ، و نبقى في عجز تام عن تلمس أحاسيسها او حتى رؤية اهليلجيتها ، فيصعب القبض عليها فهي خلاصة طبيعية لأشياء كثيرة تمر في حياتنا حذفا اواضافة ، ومابين ذاك الحذف وتلك الاضافة ، تتولد الكثير من الذكريات وتتبلور العديد من المواقف والتموقفات وتطوح بنا أياديها في عوالم خفيه ، مليئة بكل ما لم يخطر لنا على بال ، مما كان تاويا في الأعماق ، فتتفجر حممه حاملة معها بعضا مماكان محفورا في الذاكرة أو مستوطنا في القلب ، بعد أن نقش بمداد محبة لا متناهية . وبقينا عن استرجاعه ، او الالتفات اليه عاجزين في الكثير من الاحيان .
إنها تأملات عابرة ، تلكم التي كانت كفيلة بايقاض ذكريات عمر كامل ، وعملت على إيقاظ شموعها لتعيدنا – مرغمين – لمحطات ومواقف أسرية وعائلية ورفاقية ، تمتد متراوحة من الاخوة والاخوات ، الى الوالدين وقد تصل الى الزوج أو الزوجة ، ومنهما الى الأبناء والبنات ، ثم الى باقي الأفراد من الرفقة والأحباب . وتنشرها كحبات رمل في يوم عاصف ، وكل هذا في وقت كنا قد عاهدنا أنفسنا – ولأمر او أمور ما – يوما أن نتناساها او ننساها وإلى الابد .
ومع تعدد محطات الوقف والتموقع وتوالي الأيام والسنون ، نجدها مستمرة هي مسيرةالبحث في زوايا العمر وثنايا دروبه عن اللحظات التي لا يمكن أن تنسى ، لحظات يُصْمَتٌ فيها كل عتاب مرير ، ويخمد كل ماهو معشش في دواخلنا ، وينتهي كل جدال سفسطائي حولها ، فنعمد الى البحث عن كل ماهو تاوي بذاكراتنا ، للاستعانة به ، واستحضار ماتركه من صور ومشاهد ، تأبى أن تُغَيَّبَ أو تغيب ، لأن كرم وسماحة ذاكرتنا
لا ولن يبخل عنا في أن يُستحضر – كل ذلك – مترجما في الصور التاوية والضاربة بعمق في جذور اذهاننا ، والموشومة في ذواتنا . وقد يحدث – تبعا لوضعياتنا – ان ندخل دوامة الإنتظار بامل حدوث مايمكن أن تجود به الظروف من مستجدات ، كل ذلك في إنتظار مقلق وحارق لما يمكن أن يغير حياتنا ، ويساهم في اسعادنا ولو للحظات عابرة ، ويجعلنا من منتظري شعاع الفجر النقي ، الذي يلوح بريقه من بعيد لبعيد – في يوم جمعة خريفي جميل – وراء غيمات الخيبة ، فندرك متأخرين أننا عشنا الإنتظار أكثر مما عشنا الحياة نفسها ، وها نحن مازلنا قابعين في دوامة الإنتظار وفي محطات اللاعودة ، وكأنها فقاعات صابون تنفلت منا اللحظات ونحن مصريين على البقاء صامدين في حضرة إنتظار فرج الرب الكريم الدائم والقريب .