تطريزات تاريخية رقم 12
رحمة حموش: مناضلة سخرت منزلها لعقد الإجتماعات السرية ضد الاستعمار
:هامش مدخلي
فيما يتعلق بالمقاومة عادة ما يبقى تاريخ المرأة مرتبط بتاريخ الرجل ، والاثنان ساهما كل بطريقته في صنع أحداث الماضي ، لكن دور المرأة الواضح بالاستنتاج والمنطق لا يظهر في المادة المكتوبة التي عليها يتم الإعتماد في كتابة التاريخ ، وحتى حينما تسعفنا المصادر ببعض الإشارات عن أدوار مميزة لبعض نساء المغرب في المقاومة ، فإن ذلك يتم باقتضاب وبدون نفس التركيز الذي يتم عليه تناول أدوار الرجل ، رغم دورها في المقاومة وحمل السلاح والتضحيات الجسام من أجل نيل شرف الاستقلال والتخلص من تبعية الاستعمار، فغابت أوغُيبت بطولاتهن وسيرهن عن المناهج الدراسية والكتب المدرسية، ولعله الأمر الذي يدفعنا إلى القول : ألم يحن بعد الوقت للإشادة بجهود النساء المقاومات انصافا لهن واعترافا منا جميعا – بغض النظر عن مواقعنا وخانات تواجدنا – بالتضحيات الجسام المقدمة من طرفهن في سبيل تحرير الوطن . وفي هذا الإطار يأتي توقفنا في هذه المحطة عند إحدى النساء المغربيات المناضلات ، ونحن نعيش اليوم بعد مضي قرن من الزمن على توقيع معاهدة الحماية
رحمة حموش 1906- 1988
ولدت بمنطقة الخندق الواقعة بمدينة صغيرة تسمى البهاليل، التي تبعد عن مدينة صفرو ب 5 كلم ، وعن مدينة فاس ب 27 كلم ، ومنا أخذت اسم البهلولية الذي ستعرف به وهي امرأة من عامة الناس شأنها كباقي نساء عصرها ولم تكن تنتمي لعائلة ارستقراطية ، ولا حتى لسلالة عائلة سياسية معروفة، كما أنها لم تكن متعلمة ، ولم يسجل لنا التاريخ أي شيء عن طفولتها ولا عن عائلتها
رحمة بنت محمد بن الطالب : دخلت تاريخ المقاومة المغربية من بابه الواسع بعد أن تعلمت أبجديات المقاومة على يد زوجها الأول المقاوم عبد السلام القندوسي نقيب الزاوية القندوسية بصفرو انذاك ، بحيث كان يلقنها مباديء الدفاع عن الوطن والتضحية من أجل تحقيق الاستقلال ، مُلحا على أن المرأة يجب تكون مع الرجل في خندق واحد لمواجهة المستعمر . وبعد سنتين من انتقال زوجها عبد السلام القندوسي إلى دار البقاء ، تزوجت للمرة الثانية من المقاوم المسمى علي بن محمد وأكملت إلى جنبه مسيرتها النضالية ، بعد أن زرع فيها بذور المقاومة والنضال ، ومن تمة يكون ما تعلمته قد نفذته على أرض الواقع ، وهكذا كانت تلبس الجلباب وتلثم وجهها وتمشي بحذر شديد في الأزقة الضيقة وتدخل الفرن التقليدي كجميع النساء لتجلب الخبز ، فيمر المقاوم ويضع السلاح في طاولة الخبز “الوصلة ” وتحملها بكل هدوء وتباث ، بعد أن تتأكد بأن السلاح مخفي جيدا وتخرج إلى بيتها لتخفي السلاح ، بعد أن تدسه في وسط أكوام الحطب أو في سلال الغلل الخاصة بالقمح والشعير ، كما كانت تحشر الرشاشات والبنادق في ملاحف الصوف ، وتحتفظ بها إلى أن يأتي دورها ويطلبها رجال المقاومة لتنفيذ خططهم الفدائية ضد سلطات الاحتلال
وحينما اعلنت السلطات الفرنسية على لسان ناطقها الرسمي ، أنه تم عزل ملك المغرب محمد الخامس من مهامه ونفيه وعائلته الى جزيرة كورسيكا ، وذلك عن طريق خطاب أذيع يوم 20 غشت 1953 في الراديو . الأمر الذي ولَّد حدثا مفصليا سيمهد لانهاء عمر الاستعمار الفرنسي . وقد استقبل يومها المغاربة خبر نفي الملك بغضب شديد، وزاد من حدتها ووطأته بطش المستعمر ، فقام رجال المقاومة بالعديد من العمليات الفدائية ضد سلطات الاحتلال ، وفي نفس السنة استطاع الحسن
البرنوصي وهو من مقاومي من مقاومي المنطقة – تنفيذ هجوم على تكنة للجيش الفرنسي بسيدي بوسرغين ، وتمكن رفقة بعض المقاومين من الظفر بغنائم مهمة من الأسلحة ، وعمدوا الى تخزينها باحدى الاسطبلات بضواحي المدينة ، وفي هذه الفترة الحساسة والمفصلية سيظهر دور المقاومة رحمة حموش ويسطع نجمها بعدما مدت لهم يد المساعدة وأعلنت استعدادها للتعاون مع المقاومين لإخفاء السلاح في بيتها ، وبرباطة جأش قل نظيرها قامت بدور الحارسة الأمينة لبيت السلاح ، لسنين عديدة ، وسخرت منزلها لعقد الإجتماعات السرية بعيدا عن أية مراقبة، ودون أن يتم اكتشافها . وقد ظلت كذلك حتى عاد الملك محمد الخامس وعائلته من منفاه وانتزع المغاربة استقلال بلادهم وقد احتفظت البهلولية بما تبقى من الأسلحة بكل أمانة إلى أن تم تسليمها للجهات المسؤولة ، دون أن تطلب أي مقابل عن طول ليالي الحراسة والترقب ، مفضلة العودة لحضن الانشغالات المنزلية اليومية ، إلى أن توفيت يوم 5 يناير 1988 ودفنت بمسقط رأسها بالبهاليل نواحي مدينة صفرو:خلاصة نهائية
يجمع الباحثون على أن التاريخ لم ينصف المرأة المغربية في خمسينيات القرن الماضي ، وما كتب عنها يبقى قليلا ومشتتا بين مختلف المصادر ولا يعطي الصورة الحقيقية على ما قامت به ، وفي هذا الإطار يقول أستاذ التاريخ بكلية الآداب بمكناس ابراهيم القادريبأن المدونات التاريخية المعروفة تحتوي على إشارات ولكنها لا تؤرخ إلا للمرأة التي لعبت أدوارا سياسية في الوسط الأرستقراطي في حين أنها لاذت بالصمت بالنسبة للمرأة العادية التي تدخل في إطار فئة العامة