ذكرى المطالبة بالاستقلال المغربية: كفاح من أجل الحرية
من 11 يناير 1944 إلى 11 يناير2024
ملحمة في حب الوطن
:عن تقديم وثيقة 11 يناير أحكي
:هامش للبدء
في 11 يناير احتفل المغاربة قاطبة بالذكرى 80 لتوقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال ، وسعيا منا في جريدة ألوان لمواكبة هذا الحدث ، ارتأينا حط الرحال عند تلك المرحلة إسهاما في تعريف القراء – خاصة للشباب منهم – ولو باقتضاب عن تلك المرحلة ، وإماطة اللثام عن الظروف العامة التي صاحبتها ، على أمل العودة إليها بنوع من التركيز
إن وثيقة المطالبة بالاستقلال تعبر ( تعبيرا صريحا عن إرادة و رغبة جميع المغاربة في تلك الحقبة ، فهي بصياغتها البسيطة والواضحة والمباشرة وبارتكازها على استعادة المغرب لاستقلاله ، ودخوله في الحظيرة الدولية ، تُظهر عمق التغيير الذي أحدثته على مستويات التطور الداخلي والخارجي للنظام القانوني للدولة المغربية ) – محمد الادريسي العلمي – ومن المواضيع التي ركزت عليها نجد
الحرية الكاملة للمغاربة *
الاستقلال السيادي *
الوحدة الترابية *
التنمية الاقتصادية *
ويمكن أن نخلص إلى القول بأن هذه الوثيقة قد لعبت دورا مهما في تعزيز الوعي الوطني وتوحيد الصفوف لدى المغاربة قاطبة ، كما يمكن اعتبارها خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقلال الكامل للمغرب في وقت لاحق – 1956 –
وان نبشا تاريخيا في الظرفية العامة للمغرب آنذاك ، سيوقفنا على أن مطلب الاستقلال الذي لحت عليه تلك الوثيقة ، كان قد تكرر من خلال الكثير من العرائض السابقة لها
وقد اشارت جل الكتابات المهتمة بهذه الحقبة من تاريخ المغرب إلى أن تاريخ الحركة النضالية الوطنية المغربية يعود إلى مرحلة الثلاثينيات ، ويتم ربط ميلادها ب ” الظهير البربري ” الصادر سنة 1930 ، فمن الانتفاضات الشعبية إلى خوض المعارك الضارية بالاطلس المتوسط ، وبالشمال والجنوب ،إلى مراحل النضال السياسي كمناهضة مباشرة لما يعرف بالظهير البربري ، ثم تقديم مطالب الشعب المغربي الاصلاحية والمستعجلة في 1934 . وعن هذه الأخيرة يقول المؤرخ المرحوم “محمد زنيبر ” أن برنامج الاصلاحات التي قدمها المغاربة انذاك [ تعكس النضج في الافكار والاشياء (…) وقد فوجئت به الاوساط الاستعمارية ، وأثار الحيرة في نفوس دهاقنتها ] ويضيف قائلا بأن ( اللهجة الاصلاحية الرزينة المعتمدة له كانت أخطر عليهم ، لانها تجردهم من كل حجة وكل اعتراض امام الراي العام في فرنسا وفي العالم (….) وكل ما اتصف به نظام الحماية من عيوب (….) وبفضل المزايا التي تجلت بها هذه الوثيقة التي تجنبت كل حشو واطناب واقتصرت على المهم ، امكنها أن تصبح اساسا لعقيدة يرتكز عليها الكفاح الوطني وذلك ماكانت تخشاه سلطات الحماية ] . لقد كانت تلك المطالب بمثابة السلاح الاديولوجي في يد الوطنيين – على حد تعبير المرحوم محمد زنيبر – وبواسطته استطاعوا ان يضمنوا تأيدا مطلقا من مختلف شرائح المجتمع
ومع انعقاد مؤتمر انفا التاريخي في يناير 1943 طرح المغرب قضية الاستقلال وانهاء نظام الحماية ، مذكرا بالجهود والمساعي الحثيتة التي ترفض الرضوخ لارادة المستعمر ، مع الاصرار على استكمال مسيرة النضال
ويقول ” محمد المؤيد ” في ترجمته لكتاب (المغرب من الحماية الى الاستقلال ، لصاحبه “جورج سبيلمان ” وهكذا سيأخذ ( بلافريج المبادرة ويتراس العمليات بعد مشاورات طويلة مع عبد الخالق الطريس والمكي الناصري (….) فجمع مناضلي الحزب الوطني واصدقاء محمد بن الحسن الوزاني في سرية تامة ، وهيأ معهم بتأن شديد إنشاء حزب سياسي موحد (….) واختيرت كلمة ” الا ستقلال ” كتسمية لهذه التشكيلة الجديدة ) ويضيف انه في ( 11 يناير نشر حزب الاستقلال عريضة تحمل توقيع ثمانية وخمسين شخصية من الاوساط البورجوازية والشعبية ايضا ومن بينهم نجد موظفين من المخزن وعلماء ومحامين واساتذة ومديري المدارس ومعلمين وتجارا وبعض الفلاحين ، ومن هؤلاء من يحمل ثقافة عربية فقط ومنهم عكس ذلك ممن تكون بثانوياتنا ) . ومما جاء في هذه العريضة ، ان حزب الاستقلال يقرر ما يلي
إن السلطات الفرنسية حولت نظام الحماية إلى إدارة مباشرة تعسفية استبدادية ، تخدم مصالح المعمرين الفرنسيين ، واحتكرت كل السلطات واستحوذت على خيرات البلاد (….) فإن حزب الاستقلال يقرر ما يلي
أولا: يطالب باستقلال المغرب بكامل ترابه تحت رعاية صاحب الجلالة سيدي محمد بن يوسف نصرة الله
(….) ثانيا: يطلب من جلالته أن يأخذ المبادرة للتفاوض مع الدولة المعنية قصد الاعتراف بهذا الاستقلال
ثالثا: يطلب انضمام المغرب الى الميثاق الاطلسي ومشاركته في مؤتمر السلام )
وفي ليلة 28 إلى 29 يناير عرفت البلاد موجة من الاعتقالات في صفوف العديد من مسؤولي الأحزاب السياسية ، فألقى الأمن العسكري – يضيف محمد المؤيد – القبض على أحمد بلفريج وعبد العزيز بن ادريس ومحمد بن الهاشمي وعبد الرحيم بوعبيد (….)فاعتبر سيدي محمد اعتقال الزعماء الوطنيين بمثابة إخلال صارخ ومقصود بالوعد (….) وحصلت لديه قناعة بأن سوء النية خاصية يتميز بها المقيم العام ) – وهو السيد كَابرييل بيو .من يونيو 1943 إلى مارس 1946 – فاندلعت الاضطرابات الصاخبة في العديد من المدن المغربية كالرباط وفاس ، واتخذت الكثير من الاجراءات الزجرية للحد من فعاليتها
وقبل أن نختتم توقفتا هذا لابد من الاشارة إلى أنه لا ينبغي أن ننسى أن هذه الوثيقة لم تكن الوحيدة التي طالبت بالاستقلال ،فقد بادرت قبلها الجبهة القومية بشمال المغرب الى تقديم اول عريضة تطالب بالاستقلال سنة 1934 وهي نفس السنة التي انعقد فيها مؤتمر أنفا . وبعدها قدمت الحركة القومية – التي ستتحول الى حزب الشورى والاستقلال – بعريضة مماثلة يوم 13 يناير 1944 ، وهي تكاد ان تكون منسية لمؤازرة بقية مكونات الحركة الوطنية في المطالبة بالاستقلال . وفي هذا الصدد يرى المرحوم. “عبد الهادي بوطالب ” حزب الاستقلال اراد أن ينفرد بمبادرة المطالبة بالاستقلال ، ويقول أنه عندما ( ذهب ليوقع على الوثيقة قيل له أن الوثيقة غير جاهزة ، وبعد عودته مرة اخرى اخبره الاستقلاليون أن ” محمد بن الحسن الوزاني ” رئيس الحركة القومية وكان منفيا ، رفض الصيغة المقترحة ، واعتبر المطالبة بالاستقلال في تلك المرحلة أشبه مايكون بالطعنة في ظهر فرنسا الخارجة للتو من الحرب ، وطالب بمراجعة بعض العبارات . فسارع الاستقلاليون إلى اعتماد الوثيقة دون اي توقيع من خارج حزب الاستقلال ) ويذكر كذلك أن مفاوضات عسيرة جرت بين الحزبين انتهت بالفشل بسبب الخلاف حول الصيغة النهائية وترتيب الموقعين عليها
ومهما يكن فان وثيقة المطالبة بالاستقلال – سواء المقدمة من حزب الاستقلال في 11 يناير 1944 .او المقدمة من طرف الحركة القومية ، التي ستتحول فيما بعد إلى حزب الشورى والاستقلال في 13 يناير 1944 . تبقى بمثابة اللبنة الاولى والاساس في تحقيق المطالب المتعلقة بإصلاح نظام الحماية والمطالبة بالاستقلال ، وقد جاءت تركيبا متكاملا لاحداث ميزة فترة مهمة من تاريخ المغرب ، رغم أن البعض يرى أنها مجرد ذكرى من الذكريات التاريخية لبلادنا
من المعتمدات التي اعتمدناها نخص بالذكر
مذكرات من التراث المغربي . الجزء السادس ، المعنون بكفاح الملك والشعب *
المغرب من الحماية الى الاستقلال 1912 – 1956 جورج سبيلمان ، ترجمة محمد المؤيد *