في القنطرة جلجلة
في القنطرة جلجلة: الجزء الخامس: (2)
استفاق فجأة من تيهه، عند سماع ما يشبه انفجارا قويا. بدأت الأشغال غير بعيد عن القنطرة في المشروع السكني الكبير. العد العكسي؟ لا يهمه الأمر الآن. وفجأة، رأى أن جرذا يدور حول العربة. يا الله! نزل مسرعا ولكن الجرذ اختفى. لا بد أنه فقد عقله. ثم رأى ما يشبه شخصا يدور حول العربة. ما الذي يحدث له؟ لا، هذه المرة، لم يتخيل؛ لم يهذ. فرك عينيه وكأنه لا يصدق. الشابة… عادت الشابة. أسرع الخطى، وهو يتمنى أن يختزل الزمن ليصل إليها ويأخذها بين ذراعيه. كانت تنتظر هذه الحركة، ارتمت في أحضانه. انقطعت أنفاسهما وكاد الأثير أن يتسمر ويحجز على كل حركة في الجوار. نظر إليها نظرة من يحمل في طيانه حمما من اللوم والعتب. نظرت إليه، كمن يقول لا عليك، سوف أشرح لك كل شيء. لاحظ أنها لم تحمل معها أي شيء هذه المرة. انتبهت إلى عينيه تتساءلان، فقطعت حبل الصمت
ـــ لم أستطع أن أجيء. ظروف. أشياء. شطحات. بلوى. لك كامل الحرية في اختيار التعبير المناسب
ـــ أتفهم، يا مفتاحة، أجاب متروي
ـــ نعم، يجب أن تتفهم. أنت السبب
ـــ أعرف. وأعتذر
ـــ ماا لذي دهاك كي تتحول إلى ممثل كومبارس؟
ـــ كيف عرفت؟
ـــ التكنولوجيا الحديثة، منصات التواصل؛ آفة العصر
ـــ صحيح. نسيت
ـــ كيف حال الجميع؟
ـــ بخير
ـــ أي جديد؟
ـــ أخشى أن لا جديد سوى أن أصحاب النفوذ قرروا نقض وعدهم وهم يتهيأون لمباغتتك
ـــ لا يهم. أنا على استعداد لكل الطوارئ
ـــ اتصل بي، معتصم
ـــ متى؟
ـــ منذ أيام
ـــ لم اتصل بك؟
ـــ للمشورة. أنت طلبت منه أن يتصل بي عند الحاجة
ـــ اتفقت معه أن يتصل بك عندما أطلب منه ذلك. يا لغياب فطنته! هكذا كان هو دائما، يفهم كل شيء بنقيضه
ـــ المهم، هو أنه فطن، هذه المرة، إلى أن ما إئتمنه عليه لم يكن يستحق كل العناء. نعم، دفعه حب الفضول إلى فتح الظرف، فلم يجد سوى مجلدين صغيرين حول علم الصيدلة والبستنة والخانات، وكلاهما غير مكتملين، وكأن صفحات حذفت أو مزقت. ورأى أن يتصل بي، لعلني أفك اللغز
ـــ أي لغز؟
ـــ رأى معتصم أنه من الممكن أن يكون المجلدان عبارة عن كلمة سر أو ما شابه ذلك
ـــ يا لغبائه! التفسير كله في المجلدات مجتمعة. إن أجزاء المخطوطات متكاملة رغم أنها متفرقة؟ سأشرح لك عندما يحين الوقت. المهم، ما ذا فعلت؟
ـــ أخبرت أمي
ـــ وماذا قالت؟
ـــ قالت إنها تثق بك وأنك تعرف ما تقوم به. ولكنها ليست مرتاحة لحكاية الفيلم
ـــ كيف علمت؟ لا تقولي التكنولوجيا الحديثة وما شابه؟
ـــ بلى. إنها ذكية جدا، وتحركها غريزة الفضول. وأنا أخبرها بكل شيء
ـــ ماذا لديك ويجب أن أعرفه؟
ـــ سيتحرك الأعيان. يجب أن تتوخى الحذر. فهم يعرفون الآن أين أنت؟
ـــ شكرا، يا مفتاحة، يا أحلى أخت في الدنيا
ـــ لا شكر على واجب، يا أحلى أخ في الدنيا، رغم أنه غبي بعض الشيء
ـــ هل من أنباء حول مشاريع القلب؟
ـــ من يتجرأ على الاقتراب من أخت شخص هارب من الجميع وليس يدري لم هو هارب وما الذي يرمي إليه
ـــ أنا لست هاربا. أنا أبحث عن تفسير لأشياء غامضة؟
ـــ أين خبأت الأشياء المهمة؟
ـــ لن أخبرك
ـــ أشاطرك الرأي، معتصم غبي بعض الشيء. لاحظت ذلك عندما كنت أزوركم في أݣادير
ـــ هل سبق وحاول
ـــ سبق، ولم يظفر بشيء
ـــ كان عليك أن تخبريني
ـــ أخبرك؟ أنسيت أنك كنت هائما بغرام تلك الغجرية
ـــ لم تكن غجرية
ـــ هل تعلم أنها تعيش في الدار البيضاء؟ وليس بعيدا عن هنا
ـــ كيف عرفت؟
ـــ أنا مطلقة. والمطلقة تعرف الشاذة والفاذة حول ما يدور حولها، لأن الرجال يحسبونها لقمة سائغة، كما أن النساء تخفنها، لأنهن يخشين على أزواجهن منها. ولهذا السبب، الكل يشتري ودها ويلغي على هواه
ـــ كيف عرفت إذن؟
ـــ أرسلت الغجرية أحدا يسأل عنك، ثم علم زوجها السابق بذلك فجن جنونه
ـــ من؟ محمد؟ غريب، ما أسمعه؟
ـــ هل نسيت أن لمحمد أقارب في الدار البيضاء وبرشيد والمحمدية وابن سليمان. وقد كاد أن يفقد عقله لما أخبرته بأنها ستتزوج من جديد من أحد أبناء أغنياء جدد
ـــ هذا الشخص كان دائما يزعجني عندما كنا في أݣادير
ـــ ولا يزال يزعج حتى الآن ــ على الأقل من وجهة نظر بعض السكان
ـــ كيف؟ هو ينعم بالحياة التي يريدها. يتزوج على هواه. يطلق على هواه
ـــ لكنه يظل شخصا طيبا. ضع نفسك في مكانه. تزوج وليس له ذرية على الإطلاق
ـــ أنا لا أضع نفسي في مكان أي أحد. يكفيني ما أنا فيه