أقصوصة لعبد العالي أناني

أقصوصة لعبد العالي أناني
عبد العالي أناني

الباكية                                           

.توقفت عن نشر الحياة
توقفت . غدت لا تبارح مكانها منذ أن فجعت برحيله المفاجئ. هو؛ لم يكلف نفسه مشقة الشرح. كأن من رحل عنها شجرة. ستظل باسقة بمكانها مورقة، ولن تتأثر بغيابه. لكن الشجرة ذبلت، جفت، قتلها الغياب. فجلست تنتظر مرور منجل الحطاب، الذي سيستريح في ظلها قبل الشروع في عمله، فقد اعتاد اجتثاث الحياة بدون تفكير
لم تعد تستطيع الاستمرار والمضي قدما، هدها الغياب، فتوقفت بمكانها تنتحب. تعذر عليها نسيانه. كلما تذكرت رحيله ينبض قلبها بشدة، تشعر به ينخلع من مكانه، كأنه يرغب في اللحاق به. تشعر به يحاول اختراق صدرها، تتحول النبضات إلى لكمات ملاكم. هي تعرف جيدا أن من تنتظره لن يعود ! ومع ذلك تنتظره وتمني نفسها بعودته. تتوهم أنه لا يزال يحبها رغم رحيله. هو اختار وانتهى الأمر. أكد اختياره ورحل. مشى في الطريق التي اختارها دون تردد. لم يلتفت، أو ينظر إلى الاتجاه الذي تركها فيه واقفة، بل لم ينظر إلى الخلف، إن نظر فليتأكد أنها لا زالت صخرة في مكانها  لا تتزحزح
اضطرب تفكيرها، باتت تعيش داخل هالة من الدموع والذكريات. الأخبار التي تصلها عنه تقتلها، وتؤكد استحالة عودته. انتقل إلى عالم آخر، وشيد قلعته. مع ذلك تسعى إليها وتجمعها. انقلبت حياتها رأسا على عقب. أصبحت تخشى الفراغ، تخاف من نفسها كلما انفضت الجموع من حولها. تتحول هواجسها إلى غِيلان تنهشها من الداخل. لا تكف عن طرح الأسئلة: لماذا رحل ؟ أ لعيب فيّ ولم أنتبه إليه ؟ إن هاجر لذلك السبب، يخبرني وأسمح له بإصلاحي، وإن استعان بالمطرقة والسندان
غريب. شيء يشبه الخيال. كيف تفكر تلك المرأة ؟ تنسى نفسها كل ليلة بشرفة بيتها المفتوحة، تناجي القمر بدموع منهمرة، وبكاء صامت كي لا تزعج أهل البيت. أصبح ظاهر أعمالها خدمة وباطنها عذاب، وخوف من تصرفات قلبها الذي خرج عن طوعها، لم يستطع التخلص من حبٍ تخلي صاحبه عنهما.( ذاتها وقلبها)، كما يتخلى عن ملابسه القديمة
كانت ردة فعلها عكسية. قررت عقاب الذات التي لم تفلح في الحفاظ عليه. أصبحت بالنسبة للكل سيدة الأعمال الشاقة، والمهام الكبرى. تلهي نفسها الولهانة بخدمة الآخرين. بالنهار تتحول إلى خادمة، تطبخ، تكنس، تربي، تعلم، تعالج، تسعد الكل وابتسامتها محجوبة خلف وجه دائم العبوس. بالليل حين يهرع الجميع إلى مخادعهم تضطرب، يسيطر الهارب على تفكيرها، يشتد غضبها، وتثور أحاسيسها، وتبدأ في الانتقام. للأسف؛ لا تستطيع إلا الانتقام من ذاتها، فهي صاحبة العيب المزعوم الذي حرض الحبيب على الهجر. مع الوقت إن استمرت فيما تجبر عليه نفسها ستتحول إلى شبح، إلى خراب، أرض منكوبة. ولن ينفعها البكاء ولا حتى عودته
إن كانت الباكية تسمع: جففي دموعك، أوقفي انهيارك، وجعك أكبر من دائِك. اعلمي أن بعض الرجال قلوبهم حبوب رمان، والصواب أن تظل بجلودها وقشورها، إن فتحت تتشظى قلوبهم ويضيع حبهم. فإن غادر أحدهم تغدو عودته صعبة، وإن عاد يعود متغيرا، مستعدا للهروب كلما دعاه داع، فلا تنتظري ولا تبك كثيرا على رحيله، الدموع لا يمكنها إعادته، ولكنها تستطيع أن تحول الحياة إلى جحيم. اعتبري المغادِر غادرا، وعديه من الأموات. شيعي رحيله، ثم استقبلي هبات الريح الصافية، لتريح قلبك المجروح وتشرق ابتسامتك كوردة جورية

عبدالعالي أناني                                                                                   

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com