أصدقاء المغرب: Guy Delanoë

صحوة “الضمير الفرنسي”
غي دولانوي Guy Delanoë 1990-1916

طبيب فرنسي، ورئيس جمعية “الضمير الفرنسي” وهي أبرز الجمعيات التي ناصرت المغاربة في نضالهم من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل رفع الحيف والظلم اللذين عانوا منهما أثناء فترة الاستعمار.ولد في المغرب وبالضبط في مدينة الجديدة التي كان الفرنسيون يسمونها Mazagan، من أبوين طبيبين هما أيضا، أمه أوجيني دولانوي Eugénie Delanoë جاءت إلى المغرب سنة 1913 وهي التي أشرفت على بناء مستشفى الجديدة وكانت الطبيبة الرئيسية فيه. والأب بيير دولانوي كان المسؤول عن الفريق الطبي الذي يجوب على ظهور الخيل منطقة دكالة وعبدة من سوق لسوق، ومن دوار لدوار لاعطاء اللقاحات اللازمة للأهالي ضد الأوبئة المنتشرة ولمعالجة المرضى منهم.تعلم غي دولانوي اللغة العربية الدارجة منذ صغره من مرضعته ومربيته المغربية ومن أصدقاء اللعب المغاربة، وبتشجيع من أمه التي تعلمت هي أيضا العربية لتقترب أكثر من مرضاها / الأهالي وتفهم بدقة أوجاعه ومعاناتهم.
تلقى دراسته الأولى الابتدائية بمدينته ودراسته الثانوية بمدينة الرباط، والجامعية بفرنسا في كلية الطب وتخصص في أمراض القلب. وحين عاد للعمل بالمغرب وتم تعيينه بمعمل السكر Cosuma صدمته مظاهر الحيف والتمييز الذي تمارسه الإدارة بين العمال المغاربة والعمال والأطر الأوربية، تمييز في التعامل وفي الأجور والتعويضات، وفي العناية الصحية وفي كل الخدمات المقدمة… حيف وتمييز لا ينسجم مع المثل التي تدعي فرنسا أنها جاءت لتنشرها بالمغرب، وتناقض كلية ما تنادي به الثقافة الفرنسية منذ الثورة الفرنسية من عدل و إخاء ومساواة.كان مما صدمه أيضا القمع الشرس الذي صاحب أحداث كاريان سنطرال أيام 9/8/7،دجنبر 1952، ورأى بأم عينيه ¬وهو الطبيب¬ العديد من الجرحى الذين أصابهم رصاص الشرطة الفرنسية.وحين أقدمت السلطات الاستعمارية على نفي محمد بن يوسف، كان من الفرنسيين الذين اعتبروا أن ذلك خرق لمعاهدة الحماية التي تلزم فرنسا بحماية السلطان وليس خلعه ونفيه إلى أرض بعيدة.تندلع المقاومة المغربية ضد الإدارة الاستعمارية وعملائها في كافة ربوع المغرب، وتبدأ السلطات حملات قمع واضطهاد وتشريد واعتقال، دون أن تفلح في الحد من العمليات الفدائية التي أصابت الضباط والأطر الفرنسية والعملاء المغاربة ،وتشكلت بين غلاة الفرنسيين عصابات أخذت تغتال الوطنيين المغاربة. وبدأت دوامة من الدم تتصاعد باستمرار دون توقف، وهو ما دفع عددا من الفرنسيين إلى الدعوة للحد من هذا العنف بتفهم مشاعر المغاربة الذين مست كرامتهم وسيادتهم حين أقدمت فرنسا على خلع ملكهم الشرعي،
وعبروا عن ذلك في الرسالة الشهيرة التي وقعها 75 شخصية فرنسية من كافة الفئات والمهن، وتم تسليمها إلى رئيس الجمهورية الفرنسية، ونشرتها في المغرب جريدة ماروك ¬بريس Maroc-Presse وفي فرنسا جريدة لوموند يوم 11 يونيو 1954.كان دولانوي من الموقعين على هذه الرسالة بل كان أحد الذين حرروا صيغتها وأشرف هو أيضا على طبعها في الجريدة.وجاء رد الفعل مباشرة من السلطات الاستعمارية التي انتقمت بكل الوسائل من الذين وقعوا هذه الرسالة، فقد طرد الدكتور دولانوي من عمله في معمل السكر Cousma، وهجر كثير من الزبناء الفرنسيين عيادته، فهم يعتبرونه خان فرنسا ومصالحها حين طالب بحقوق
المغاربة.وكان أيضافي قائمة المهددين بالاغتيال من طرف العصابات الفرنسية. لكن دولانوي واصل نضاله من أجل إنصاف المغاربة وأسس هو ومجموعة من الفرنسيين الأحرار جمعية “الضمير الفرنسي” التي ستعمل على بلورة وتنفيذ ما جاء في رسالة 75، بالكتابة في الصحف المغربية والفرنسية، وبفضح التعذيب الذي تمارسه الشرطة ضد المعتقلين. وكان هو ومجموعة الأطباء الأحرار الشجعان يسلمون شهادات طبية تؤكد هذا التعذيب.وهو ما كان يحرج السلطات الاستعمارية في قاعات المحاكم.وحين عاد محمد الخامس إلى أرض الوطن، كان دولانوي وأصدقاؤه من الفرنسيين الأحرار ضمن المستقبلين في مطار الرباط¬سلا يوم 16 نونبر 1955 وكان من الذين نوه بهم الملك وشكرهم على ما قاموا به من عمل.وفي أول اجتماع نقابي في معمل السكر، طالب العمال بالاجماع الإدارة، بإعادة الدكتور دولانوي إلى عمله الذي طرد منه، وشكلوا وفدا يخبره بذلك، وهو ما تأثر به وأثلج صدره كثيرا.في سنة 1956 كلفته الحكومة المغربية بالاشراف على تأسيس أول مركز لأمراض القلب، ظل يعمل فيه حتى سنة مغادرته المغرب إلى فرنسا سنة 1961 متحسرا.أما كيف غادر مسقط رأسه المغرب، فتلك حكاية أليمة، ففي تلك السنة، قرر دولانوي أن يقضي عطلته السنوية في فرنسا، لكنه حينما عاد إلى المغرب ليستأنف عمله، وجد أن مساعده قد احتل مكانه في رئاسة قسم أمراض القلب وهو الذي كوّنه ودرّبه وأخذ بيده، بل لقد وجد أن الإدارة المغربية قد تخلت عن خدماته في المستشفى وكانت طعنة لم يتحملها،
كما كانت عيادته الخاصة في وضعية سيئة بعد هجران الزبناء الفرنسيين لها، الأمر الذي اضطره، حتى يعيل عائلته، إلى نقل عيادته إلى فرنسا، وهو الذي عاش كل حياته في المغرب، لكنه أوصى بأن يدفن في المغرب بعد مماته، وهو ما نفذته ابنته نيلسيا Nelcya بعد ثلاث سنوات من موته، فدفن بجوار أمه في مقبرة الجديدة، وقد أبنه في يوم ممطر صديق نضاله الدكتور عبد السلام الحراقي.
حرص قبل مماته على كتابة مذكراته التي نشرت في ثلاثة أجزاء، فقد كان يرى أن البرامج الدراسية الفرنسية تهمل أو تتناسى تاريخ الاستعمار، فكان لا بد أن يقدم شهادته، وحين سلم الجزأين الأخيرين إلى الناشر توفي بعد أربعة أيام، وكأنه قد أكمل آخر مهمة نضالية له، ولم يبق إلا الرحيل.