تكمن ميزة الكاتب أو الباحث الذي يحترم نفسه في قدرته على الابتعاد عن الكليشيهات والنمطية ونحت تصور خاص وفرض بصمته . وتزداد متانة رؤاه عندما يتعرض لطابوهات تسلط عليها الأضواء و لا تزال تحظى بالحالية . وهذا ما يجعل مؤلفه الموسوم ب “محمد السادس : رؤية ملك . الإنجازات والطموحات” يحظى بأكثر من اعتبار .وقد حظيت بشرف محاورته وعيا مني بأن القارئ سيجد فيه ما يروي ظمأه في الاتجاه الصحيح
سؤال :ليس من اليسير دائما الحديث عن بلد أجنبي ولا سيما عن رئيس دولة بوظيفتين . وظيفة زمنية و أخرى دينية كملك كيف توفقتم في التوفيق بين الوظيفتين واعتبرتم أنهما طبيعيتان و متكاملتان ؟
الجواب: صحيح أننا عندما نعيش في بلد يتم فيه الفصل بين سلطة الكنيسة و سلطة الدولة ويكون هذا الفصل دستوريا متجذرا في الحياة اليومية ، تحمل التربية بالضرورة بصمة هذه الثقافة . ويخضع التفكير لرؤية تفصل وظيفة الدولة . ومع ذلك لا يستطيع الملاحظ أن يحصر نفسه داخل تصوراته الذاتية إذا هو أراد أن يدرس بموضوعية التطور السياسي لبلد ما .لذا فإن الوظيفة المزدوجة أي الزمنية والدينية لصاحب الجلالة هي جزء لا يتجزأ من مهمته كملك . وكل تصور يفصل بين الوظيفتين يعني إخضاع نموذج الدولة برمته إلى إعادة نظر . ولأن الملك هو أمير المؤمنين فهو يمتلك القدرة على تسيير الشعب كما يفعل الأئمة . وهو معطى في غاية الأهمية يتيح قراءة ديناميكية للنصوص القرآنية ( مع الاحترام التام للأصول ). أضف إلى ذلك أن الديانات الأخرى تحظى بدورها بالحماية و الرعاية الملكيتين . كل نصوص الدولة الحديثة( مثلا تلك التي لها علاقة بوضعية المرأة أو تلك التي أدت إلى تعيين النساء لتولى ويفة الإمامة)رأت النور بفضل الرؤية الملكية . وهذا البعد هو ما يجعل الوظيفة الدينية تكمل الوطيفة الزمنية بشكل جد قوي
سؤال : لقد تعرض مؤلفكم لعدة طابوهات وبدد الغموض الذي يلفها ، أي خلاصة استنتجتم من تحليل ما حققه المغرب تحت قيادة ملك متبصر دائم الإٌصغاء ويعمل بصفاء رغم التقلبات السياسية الداخلية والخارجية ؟
الجواب: لقد عرف المغرب كيف يظهر للعالم برمته أنه خلال العشرين سنة الأخيرة استطاع أن يحقق قفزة لأكثر من خمسين سنة.وعند ظهور مؤلفي أتيحت لي فرصة تبادل الآراء مع أصدقائي .كثيرون منهم لم يدركوا كيف كتبت أنا المهووس بالأهمية القصوى لحقوق الإنسان عن المغرب . كلهم كانوا يرون أن المغرب مجرد بلد سياحي أساسا .حيث الفنادق الفارهة تتيح قضاء العطل والاستجمام و ما عدا ذلك فهو لا يزال يعيش في القرن التاسع عشر وشديد الارتباط بأوروبا
كان علي إذن أن أذكر بأهم الإنجازات التي موضعت الإنسان في قلب بناء ا لمغرب الحديث والذي يحظى باعتراف المجتمع الدولي . وتحت قيادة صاحب الجلالة ، تبرهن الإنجازات التي أثرتها في كتابي إلى أي حد يأخذ منطق كل مشروع المغاربة إناثا وذكورا بالاعتبار . وليس غريب أن لاتلقى هذه الخطوات الملكية تفهما في بداية حكمه . البعض ذهب إلى القول همسا إنه ملك الفقراء.. نعم كان يجب ترجمة هذا القول بأنه ملك كل المواطنين بما فيهم الأكثر فقرا . إن خطاب العرش الأخير الذي ألقاه بتاريخ 30 يوليو 2022 يبين بوضوح الإرادة الملكية وذلك عندما قال : “ولن نتمكن من رفع التحديات الداخلية والخارجية، إلا بالجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، لتوطيد الاستقرار الاجتماعي، والنهوض بوضعية المرأة والأسرة؛ وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني “
وبديهي أن هذه الإصلاحات و هذا التطور لا يمكن تصورها إلا بواسطة اقتصاد قادر على جعل الإرادة الملكية واقعا ملموسا .في هذا الصدد يشير تقرير البنك الدولي إلى أن المغرب قديكون استعاد نشاطه الاقتصادي في سنة 2021 والذي يتيح له تعويض جزء كبير من الخسائر في الإنتاج ومناصب الشغل التي تسببت فيها جائحة كوفيد 19 . وهو ما أدى بهذا المؤسسة الدولية إلى توقع نمو اقتصادي بنسبة 1.1 بالمائة رغم النقص الحاصل في الإنتاج الفلاحي بسبب الجفاف ورغم المخلفات السوسيو اقتصادية الناتجة عن الجائحة
وبديهي أيضا أن التقلبات الناتجة عن الرهانات السياسية الداخلية والخارجية كانت ستتسبب في زعزعة مسار التطور في البلد . وفي هذا الصدد ندرك أن القوة التي تمثل مشروع حياة ما ترتبط ارتباطا وثيقا بمشروع الدولة . ومستقبل المملكة يمثل هاجس الملك الأكبر ويتوفر لتحقيق ذلك على عامل الزمن ( خلافا لحالة رئيس منتخب. ) وسواء تعلق الأمر بالعلاقات مع أروبا أو إفريقيا فقد أصبح المغرب جسرا لا محيد عنه معترفا به من طرف الدول . ليس هذا هو المحور الوحيد حيث تضاف إلى ذلك تدخلات دبلوماسية عديدة وتِؤتي أكلها في الشرق الأقصى والأذنى ودول أمريكا .و أِؤكد في مؤلفي أن المغرب أصبح يشكل المثال من طرف عدة منظمات دولة وكذا عدة بلدان ، في مجالات عدة ( تدبير الهجرة ، تدبير الماء والطاقة ، الخ )وقد لخص الصحفي والكاتب المغربي عبد الحق نجيب بإيجاز محبوك أثر صاحب الجلالة على التطور الملحوظ حيث أشار إلى أنه يجسد القطيعة ويعطي المثل كملك إنساني يحسم مع الماضي عبر رؤية مستنيرة وتصور يتجه بحزم نحو المستقبل .
سؤال : من أين جاءت هذه القوة الهادئة للمغرب حسب تصوركم ؟ أمن الاستقرار ؟ أم من استمرار النظم ؟ أم من الواقعية المستلهمة من تاريخ عمر قرونا ؟ أم من الانخراط الشعبي رغم بعض الانزلاقات ؟
إن القوة الهادئة التي يعيشها المغرب منذ عقود والتي تمنح له هذا الاستقرار المؤسساتي والشعبي تستمد وجودها من الوضع والسلطة المعترف بهما لملك البلاد . والقلاقل التي اتسمت أحيانا بالعنف في دول أخرى في سنة 2011 ( والتي لا تزال تعاني منها حتى الآن )كانت ستمس المغرب بنفس الصيغة . لم يحل ذلك بالتأكيد دون الاضطرابات التي وقعت والتي نعرفها . غير أن إصغاء الملك وتبصره لغرض العثور على حلول في المستوى المطلوب أبانا عن فاعليتهما كمكونين لهذا الاستقرار. ولا تقوم المؤسسات المغربية التي تجدد كل سنة البيعة للملك بذلك فقط لكونه طقسا ثقافيا بل لأنه إرادة جوهرية للاعتراف بالأهمية التي يكتسيها هذا التقليد بالنسبة لاستقرار البلد . ويمثل الانخراط الشعبي بدوره وعي الشعب بالمسار الذي قطعته البلاد و أساسا علمه بأن الحاكم يحسن الإصغاء إليه ويتجاوز في ذلك المؤسسات التي تمثله حتى . المغرب حاليا يحظى بالاعتراف كمحاور لا يشق له غبار
سؤال : من المؤكد أنه في عالم حافل بالقلاقل كعالمنا لا وجود للسياسات الخارجية المتعجرفة. كيف تقيمون الطريقة التي نهجها الملك في مواجهة المغرب لبعض الدول الأوروبية كألمانيا وهولندا واسبانيا وقبل ذلك الدول الإسكندنافية كالسويد ؟
جواب: أنا مقتنع تماما أن الخلافات التي جعلت المغرب في مواجهة مع عدد من الدول الأوروبية وجدت الحل في السياسة الخارجية لجلالة الملك التي طبقتها وزارة الشؤون الخارجية . والمثالان الأخيران يحملان دلالات فصيحة، .قبل أثنتي عشرة سنة لم تكن أي من هذه الدول ستقبل عزم المغرب على المطالبة بموقف واضح من طرفها . مثلا كان موقف المغرب في قضية الصيد البحري والفلاحة جد قوي حيث مارس رفضا قاطعا لسياسة الاتحاد الأوروبي . وجعل هذا الأخير يكتشف موقفا لا سابق له من طرف المغرب و يقر به أيضا . وهو نتيجة عمل عقلاني يمزج بين القوة الناعمة المغربية والاعتراف بالكفاءات المغربية التي أدت بالأوروبيين إلى مراجعة تصورهم للمغرب وهو تصور يعود إلى القرون الماضية.. حاليا يعتبر المغرب محاورا ذا قيمة مضافة عالية
سؤال: هل أنتم مع رأي بعض المخططين في مجالي السياسة و العسكر الذين يرون أن سياسات المحور في إفريقيا جنوب الصحراء و إفريقيا الشمالية قد أصبحت الآن متجاوزة ؟
أشاطر هذه المقاربة التي تعيد إلى الأذهان أن المرجعيات يجب أن تحفظ في ملفات التاريخ ( لا لغرض نسيانها بل لتكون معالم نحو المستقبل ) و أنه علينا دائما أن نبني المستقبل وفق المعايير المعقلنة للحظة الراهنة . عديد من الدول الأوروبية أعادت رسم الخريطة الإفريقية بناء على رهانات الزمن الماضي . وفي تلك الحقبة لم يكن البعد الإنساني يؤخذ بعين الاعتبار مادام الأمر يتعلق بالأهالي . وقد أتاح استقلال هذه الدول لحسن الحظ أن يختلف الأمر وأن يؤخذ الإنسان بعين الاعتبار عند إعداد أي مشروع .وهو البعد الذي تبناه المغرب وهو يطور انتماءه الإفريقي . واليوم ، أصبح الدعم المغربي للدول الإفريقية من الأولويات ، سواء تعلق الأمر بآلاف الاتفاقيات الثنائية والتجارية والدعم الطبي واستقبال طلبة من دول جنوب الصحراء أو ببساطة تدبير قضية الهجرة . إن هذه التدخلات تم تحقيقها بشكل شامل.وبالتالي ثمة نفس جديد لمحور الجنوب جنوب يقترحه المغرب كقاطرة للتطور . لم يخطئ عدد من الدول الإفريقية بمصافحة اليد الممدودة إليهم من لدن صاحب الجلالة. نعم ، تبقى السياسة الإفريقية عاملا حاضرا لم يغب عن ذهن سياسة المملكة الشريفة . وبخلاف التجارب السابقة يقترح المغرب تطورا صادرا من الداخل ومعترفا به من طرف القارات الأخرى من شأنه أن يعيد رسم خريطة العلاقات بين القارات
وفي الختام
أكدت في بداية هذا الحوار ، أن المغرب تقدم بخمسين سنة خلال عشرين سنة من الملك . نعم ، أؤكد ذلك نظرا لأهمية المجالات التي عرفت تقدما دالا و في غاية الأهمية . صحيح أني كجامعييقومبالمقارنة علي أن أذكر بوجوب القيام بمقارنة الأشياء القابلة للمقارنة . أي أن أقارن مغرب اليوم بمغرب الأمس ( لا بسويسرا اليوم ). والتطور يجعلنا غير بعيدينعن تصور الاتحاد الإفريقي( التي عاد إليها المغرب سنة 2017) يستطيع أن تصبح قوة اقتصادية جديدة لها ما يكفي من القدرة على التفاوض -كاتحاد- مع الاتحادات الأخرى التي يعرفها العالم . ومن ثمة قد يصبح المغرب سفيرا مقره الاتحاد الأوروبي بصفته مفاوضا رئيسيا ( ليس المغرب عضوا في الاتحاد الأوروبي لكنه يحظى بصوت في عدد من الملفات . والمغرب عضو في مركز شمال -جنوب للدول الأعضاء في المجلس الأوروبي حيث يتولى منصب نائب الرئيس منذ عدة سنوات . ولذلك فالتطور الذي أتصوره يبقى في المتناول
Related
Zahra
زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية
المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام
Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian
Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French)
هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة
كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر
رابط الموقع: Alwanne.com