المقهى واحتنا المعشوقة…

كريم انت هذا الفضاء
عبد الله فضول
أجلس في ركن قصي من مقهاي، بعيدًا عن الضوضاء والمدخنين و”المحللين الرياضيين” و”الفقهاء المفتين” و”السياسيين “العارفين بخبايا الوطن والسياسة.
فجأة، كلهم اصبحوا يفهمون ويحللون ويفتون. تسمعهم يتحدثون وكأنهم خبراء في كل شيء، ومنهم من تجاوز الابتدائي فقط بشق الأنفس، ولم يجد فضاءً يقبل عليه إلا المقهى. هذا المقهى أصبح ملعبًا للجميع، حيث تُطرح الآراء و”النظريات” و”التفسيرات،” دون تمييز بين الحقيقة والتخمين.
في ذلك الركن القصي، أجلس … أراقبهم، متعجبًا كيف أن هذا الفضاء الصغير يتحول إلى ساحة لنقاشات، تتداخل فيها الأصوات والأفكار، وتختلط فيها المعرفة بالجهل. ربما يكون هذا المشهد جزءًا من جمالية الحياة اليومية، أو ربما هو تعبير عن الحاجة البشرية للتواصل والتعبير عن الذات، حتى وإن كانت الأفكار مبعثرة وغير مكتملة.
أحيانًا أشعر بالشفقة على هذا العالم القاسي وأقول إن المقهى هو فضاء للعموم، حيث تختلط فيه الأفكار والتصورات والأهداف والنوايا. كما يختلط فيه الكبت والضعف والهراء. وحدسي التحليلي يقول ربما يكون هذا جزءًا من جمالية الحياة.
أحيانًا أخرى، أتصور المقهى كالبرلمان، يتحول إلى ساحة للنقاش وتعارض الأفكار، حيث يجتمع الناس من مختلف التوجهات والخلفيات ليعبروا عن آرائهم ويطرحوا رؤاهم. فهناك تنصهر الأفكار وتتصادم الآراء، مما يخلق نوعًا من التنوع والتفاعل الذي يميز حياة المقاهي عن غيرها من الأماكن.
ربما يكون هذا التناقض بين النظرتين هو ما يجعل المقهى مكانًا مميزًا، حيث يمكنك أن تجد فيه كل هذه العناصر المتناقضة تتعايش في تناغم غريب، مما يضفي عليه روحًا فريدة وأجواءً ساحرة.
طبعا، ليست كل المقاهي على هذه الشاكلة. فهناك مقاهٍ لا يرتادها إلا العشاق، تنبض بالرومانسية، وتحتضن قصص الحب الجميلة والمؤلمة.وهناك أيضًا مقاهٍ تجذب المثقفين والأدباء والمهتمين.
كل مقهى له طابعه وروحه الخاصة، ويجمع تحت سقفه أشخاصًا تجمعهم اهتمامات مشتركة وأهداف متشابهة.
مقهانا هو ملاذنا الذي يقبل علينا كرماً وجوداً، وبابه مفتوح على مصراعيه. يدخل العاملون والعاطلون، والمهمشون والمقصيون، والمختلطون والمنعزلون، والحالمون والناقمون. هنا يلتقي الجميع، الهاربون من ضجيج نسائهم والملتحقون بصفوف عشيقاتهم. هذا المقهى هو فضاؤنا الذي يملك القدرة على استقبال كل من هب ودب.
كريم انت هذا الفضاء.