محمد بن عيسى: رحيل سياسي ومثقف وإعلامي من طينة الكبار

الأمة التي تفقد لغتها تفقد ورقة الهوية
1- النشأة والدراسة:
الفقيد من أبناء مدينة أصيلة المغربية، الواقعة على المحيط الأطلسي، البعيدة عن طنجة ب 40 كلم ،والمشهورة بجدرانها المزينة بالجداريات الفنية
وقد رأى النور يوم الثالث من يناير 1937، ونشأ في بيئة ثقافية ساهمت في تشكيل وعيه الفكري، مما جعله شخصية بارزة في السياسة والإعلام والثقافة. وسبق أن تابع دراسته الإبتدائية بمدينة تطوان ومنها انتقل الى مدينة الإسكندرية بمصر، حيث أكمل الدراسة الثانوية،ليعود بعدها إلى المغرب ويشتغل مذيعا في إذاعة افريقيا المغرب بمدينة طنجة،ثم يغادر مرة أخرى إلى مصر بهدف اتمام دراسته للباكلوريا، وعندحصوله عليها، سيحط الرحال من جديد للعمل بالمحطة الاذاعية التي كان قد تركها. وفي 1960 سيحصل على منحة للدراسة بايطاليا، غير أنه لم يلتحق بها مفضلا العودة إلى القاهرة لدراسة الصحافة. وفي سنة 1961 حاز على منحة لمتابعة دراسته العليا في مجال الصحافة بالولايات المتحدة الأمريكية وفيها سيحصل على شهادة البكالوريوس في الاتصالات من جامعة مينيسوتا (عام 1963) ويتبعها بدراسة الماجستير في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك وذلك بمنحة من مؤسسة روكفلر ( عام 1964)، وقد منحته هذه الجامعة عام (2007) شهادة الدكتوراه الفخرية في القانون، لانجازاته في مسلك الخدمة العامة.
2- الإعلام والصحافة :
بدأ الراحل “بن عيسى” مسيرته المهنية بعد تخرجه، فعين لخدمة الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، لأحد عشر عاما تقريباً. ثم عمل ملحقا صحفيا للبعثة المغربية للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، ليشغل فيما بعد ضابط معلومات في مقر الأمم المتحدة وفي أديس أبابا، ما بين 1965 و 1967، ثم مستشارا إعلاميا إقليميا لافريقيا في مدينة أكرا بغانا ما بين 1967 و 1971 ، وبعدها عين مستشارا للإتصالات لمنظمة الأغذية والزراعة بمدينة روما الإيطالية ما بين 1971و 1974، ثم مديرا لقسم المعلومات في المقر نفسه 1974 – 1976 وشغل منصب مساعد الأمين العام في مؤتمر الأغذية العالمي للأمم المتحدة مابين 1974 و 1975 .
3- المناصب الحكومية :
1985- 1992: تولى منصب وزير للثقافة، وسعى إلى تعزيز الإنتاج الثقافي والفني بالمغرب ، ودعَّم العديد من المشاريع الثقافية، التي ساهمت في حفظ التراث المغربي .
1993 – 1999: عين سفيرا للمملكة المغربية بالولايات المتحدة الأمريكية، وخلال هذه المرحلة عمل على تعزيز العلاقات المغربية الأمريكية، مساهما في تحسين صورة المغرب دوليا .
1999-2007 : وخلالها شغل مهمة وزير للشؤون الخارجية ، حيث عمل على توطيد العلاقات الديبلوماسية مع مختلف الدول وتعزيز التعاون الدولي .
4- العمل المحلي والتنمية الثقافية :
لقد سبق “للراحل ” ان انتخب عضوا بمجلس النواب عن مدينة أصيلة في الفترة الممتدة مابين 1977- 1983، وانتخب رئيسا لبلدية المدينة ثلاث فترات، مابين 1984 و 2010، وساهم في تحويلها إلى وجهة ثقافية عالمية. كما شغل منصب رئيس التحرير لصحيفة الميثاق الوطني، لسان حزب التجمع الوطني للأحرار .
ويعود له الفضل في تطوير العمل الثقافي بمدينة أصيلة الذي كان موقوفا على جمعية الإمام الأصيلي، وذلك بتأسيس موسم أصيلة الثقافي الدولي عام 1978، الذي أصبح ملتقى سنويا يجمع المفكرين والفنانين والأكاديميين من مختلف دول العالم ، لمناقشة مختلف القضايا الثقافية والفكرية الراهنة والمستقبلية.
5- الإنجازات والآثار:
لقد ساهم ” المرحوم ” في العديد من المجالات” ومنها نذكر:
– تطوير المشهد الثقافي المغربي، عبر دعم مختلف الفنون والآداب.
– تعزيز العلاقات الدولية للمغرب خلال مهامه الدبلوماسية.
– تحويل مدينة أصيلة إلى مدينة ثقافية عالمية، عبر مهرجانها السنوي، الذي انطلق في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وجعلها قبلة لحج شخصيات فكرية وصناع القرار من آفاق مختلفة، مما جعلها نموذجا للمدن الثقافية بالمغرب.
ومن الجوائز التي حصل عليها ” محمد بن عيسى” نذكر مايلي :
العديد من الأوسمة الملكية، منذ 1963 والى غاية 2008.
– جائزة الشيخ زايد للكتاب، باعتباره أفضل شخصية ثقافية للدورة الثانية 2007- 2008
– درع الالكسو في يونيو 2019 ، تقديرا لعمله التنظيمي في منتدى أصيلة السنوي.
– جائزة بطرس غالي للسلام والمعرفة في مجال الدبلوماسية والسلام لعام 2022.
6 – كلمات تأبين في حق الفقيد :
بعد مسيرة حافلة من العطاء الثقافي والسياسي والدبلوماسي يترجل الاستاذ محمد بن عيسى ليغادرنا الى دار البقاء.
وفي رثائه نتوقف عند بعض مما نشره “محمد ماموني العلوي” في صحيفة العرب، بتاريخ 2 مارس.
يقول الروائي المغربي أحمد المديني: [ وداعا محمد بن عيسى الخٍلٌّ الحبيب، الوزير الدبلوماسية المحنك، المثقف والفنان الوطني الأصيل، أجمعت القلوب على محبته والعقول على تقديره في كل أصقاع الأرض. رحيلك أيها الإنسان الرفيع ورجل الدولة، الرجل الكبير خسارة وطنية وعالمية وغيابك لا يعوض ] .
وفي شهادته قال السيد: “علي بن تميم“، رئيس مركز أبو ظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة أن بن عيسى كان مهتما بالهوية الثقافية وباللغة العربية، وكان يقول (الأمة التي تفقد لغتها تفقد ورقة الهوية) .
وهذا وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة يقول: [الحزن العميق لرحيل وزير الثقافة والخارجية الاسبق في المملكة المغربية، ذواقة الأدب والشعر والفنون، مؤسس مهرجان أصيلة ومديره لعقود، صديق العمر محمد بن عيسى سيفتقده اهل الثقافة في عموم بلاد العرب وفي غير مكان، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم عائلته العزيزة الصبر على فراقه].
أما الشاعر الاستاذ حسن كمال فكتبت بقلب كل محبييه، قائلا:
[ يامشرق الشمس من المغرب / وزارع القمر في شرفات أصيلة / تنعاك نوارس بحرها وعصافير برها / ونحن ننعاك إلى الثقافة وأهلها ]