قصة قصيرة للكاتب المغربي عبد الحق السلموتي

قصة قصيرة  للكاتب المغربي عبد الحق السلموتي
الصورة من الفيسبوك

                                              عرس زنقة القاهرة

عبد الحق السلموتي

     في فترة من زمن الثمانينيات، كانت التلفزة المغربية، القناة الوحيدة وقتها، تذيع زوال كل يوم أحد برنامجا، كان اسمه “الوقت الثالث”. تتبارى خلاله إعداديتان أو ثانويتان، حول الإجابة على أسئلة لها صلة بالمقرر الدراسي، أو الثقافة العامة. كانت تتخل أجواء التباري هاته، تمثيليات قصيرة وأغاني ورقصات، كلها من تقديم تلاميذ المؤسسات المتنافسة فيما بينها.

     بدرب الشرفاء، في قلب درب السلطان الكبير، كوّن خمسة فتية مجموعة موسيقية، أطلقوا عليها اسم “الوفاق”. كانت تحاكي بعض الفرق الغنائية الذائعة الصيت آنذاك، في مجموعة من قطعها المشهورة، ولأن بعض الأسر من أحياء درب السلطان، شرعت تستعين بهذه المجموعة، لإحياء أعراسها أو بعض حفلاتها العائلية، فقد ألزم الأمر “الوفاق” الانفتاح أيضا، على الأغاني الشعبية، المطلوبة وقتها في تلك المناسبات، وكانت إعدادية الجاحظ، حيث يدرس هؤلاء المراهقون الخمسة، على مرمى بصر من حيهم.

     استدعاهم السيد المدير يوما، بعد أن علم بنشاطهم الفني، مقترحا عليهم التمرن على بعض الأغاني الجميلة، قصد تسجيلها ببرنامج “الوقت الثالث”، خلال مشاركة تلاميذ الإعدادية به. وكان الموسم الدراسي  قد أوشك على نهايته، مفسحا المجال لبداية فصل صيف جديد، دون أن يتسنى لتلاميذ الجاحظ، التفرج على الحلقة التلفزيونية الخاصة بهم. وزوال آخر يوم أحد من شهر يونيو، من تلك الثمانينيات الزاهية، دعي أفراد “الوفاق” للغناء بعرس خاص بالنساء بزنقة القاهرة، القريبة من دربهم.

      بعد أقل من ساعتين زمنيتين، من انطلاق أجواء الحفل، صعد طفل إلى السطح، وشرع يتفحص باستغراب وجوه أفراد الفرقة الغنائية، ثم نزل جريا مجددا إلى الطابق الأول، وعاد ثانية إلى السطح، متفرسا مرة أخرى في الوجوه ذاتها، قبل أن يشرع في البكاء، بصوت صاخب، مرددا: 

 – واش باغين تحمقوني.. كتغنيوا هنا وكتغنيوا في التلفزة!؟                                                                 

أوقفت المجموعة الموسيقية الغناء، ونزل عناصرها جريا إلى الطابق الأول، ولحقت بهم أم العروس مذهولة، وكذلك فعلت الفتيات والنسوة، اللواتي أوقفن تمايلهن ورقصهن، بعد توقف الموسيقى.

     لحق الأطفال بأمهاتهم وأخواتهم، غص فناء الطابق الأول بالمدعوات، اللواتي تعلقت أبصارهن بجهاز التلفاز، حتى إذا انتهت الأغنية الأولى، قوبلت بتصفيق حار، وزغاريد بعض النسوة بأصوات عالية. تردد صداها في كل ركن من أركان المنزل، وكان نصيب الوصلة الغنائية الثانية الترحاب والإعجاب، كسابقتها أو أكثر.

     فتية مجموعة “الوفاق”، الذين برعوا في أدائهم لأغنية “الخيّالة” للمشاهب، ثم “المَركب” للسهام، شرعوا في الانسلال الواحد تلو الآخر، والنزول عبر السلالم، قصد استنشاق الهواء بالخارج، قبل العودة لاستئناف الغناء، لكن المدعوات لحقن بهم، وتحلقن حولهم. جرى الأطفال في اتجاه الأزقة الصغيرة، المتفرعة عن زنقة القاهرة الواسعة. وشرعوا يخبرون كل من صادفوه، بمكان تواجد أبناء الدرب، الذين ظهروا في التلفزيون. أم العروسة، التي لم تكن متحمسة لهؤلاء الشباب، وجدت نفسها هي الأخرى خارج المنزل، قاصدة كل رجل في الحي، لتخبره بكل الفخر والتباهي، عن ابنتها المَرْضية، التي أحضرت لعرسها “گروب” ظهر في التلفزيون. صبي المصور الشهير بساحة السراغنة، الذي حضر لالتقاط صور للعروسين بمفردهما، أو رفقة المدعوات، صار يصور أعضاء المجموعة، بمفردهم أو بمعية بعض المدعوات.

     في ركن جانبي بالسطح، على اليمين، نام الطفل الذي كان سببا، في قلب موازين الحفل، وغير بعيد عنه، ركنت آلة موندولين متوسطة الحجم، ثم طبل “طام طام”، وثلاثة “بنادير”. وفي الجانب الأوسط، المواجه لباب السطح الواسع، هناك أريكة ذات طراز جيد، ألوانها مزركشة وزاهية، يجلس عليها العريس والعروس، متلاصقين كتلميذين مهذبين، يـتأملان هذا الهدوء، ثم السكون الذي عم السطح، وطال وقته ربما أكثر مما يلزم. كانا في الآن ذاته يسترقان السمع، لما يصلهما من أصداء بالخارج، يحسان بها أقرب من أصداء عرس آخر، أفلح في استقطاب مدعوات عرسهما، كل المدعوات.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com