خواطر امرأة

خواطر  امرأة
الصورة عن اليوم السابع

                       فن التجاهل 

              ثريا الطاهري الورطاسي
ثريا الطاهري الورطاسي

        التجاهل فن من فنون الحياة يندرج ضمن النضج الفكري القائم أساسا على عدم الاكتراث لما يقوله الآخرون، وذلك بهدف العيش ببساطة وعفوية، ولعله الأمر الذي يجعلك مؤهلا لإعطاء قيمة كبيرة لنفسك، خاصة وأن الحياة غالبا ما تبقى في أمس الحاجة إلى التجاهل المتعدد الأوجه: تجاهل للأشخاص، للأفعال، للأقوال …. فليست كل الامور تستحق منا التوقف أو الرد عليها، اذ غالبا ما يقال: إذا أتقنت فن التجاهل فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة ومن هنا يكون التجاهل الوسيلة الأساس لإعادة الآخرين إلى حجمهم الحقيقي، خاصة وأن هناك مواقف كثيرة في الحياة تجعلنا قادرين على اتخاد قرارات تراوح بين ثنائية التقبل والرفض، وما بين موقف وآخر، قد نصوب مساراتنا إما بالتجاهل، أو التغافل، أو الاستغناء أو حتى بالإهمال والصمت، وعليه فلا مندوحة في تجاهل كل شخص جاملناه طويلا أو استحملنا منه كل ما يدخلنا دائرة الطحن اليومي مكتفين بالصبر الجميل. فالتجاهل سلوك ومسلكيات تنهل من فن لا يتقنه ويؤمن به إلا الصابرون ومن يدور في فلكهم، أما الرد الصامت فهو فن لا يجيده إلا العباقرة أو كل المشبعين بالقيم السمحة. 

     وعليه فالأحرى بالواحد منا أن يتحلى بخاصية التجاهل إذا أراد أن يسلم من كل الأذى ويتجاوز نوازل الزمن وضربات الأخرين، الذين هم جهنم حسب ما كان يرى به الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر. وإذا ما حدث وتعالى عليك أمر ما فما عليك إلا أن تهنه بالتخلي، وإذا استعصى عليك الأمر فأقلب الكف عن وصاله، وإذا تغير عليك أحد ما ذكرا كان أو أنثى، فاعمد الى سلاح الاستغناء وقابل الأمر بالنسيان الكامل وامحه من خريطة التواجد وكأنه لم يكن، وعندئذ سينتهي الأمر برمي تلك الأخطاء والزلات في مزبلة النسيان. وهنا أدعو نفسي ومن خلالها كل أحبتي بعدم الوقف عند كل الأحداث وإلا فسنكره الكثير من الناس، سيما وأن قدرة البشر على الإيذاء تبقى كبيرة ومخيفة ، ولنتجاهل كل التصرفات المشينة ممن بهت لونهم في عيوننا ، واستحملنا مرغمين تصرفاتهم وسلوكاتهم، لأن القوة ليست فيما نقوله أو نفعله، ولكنها تبقى كامنة فيما نصمت عنه وفيما نتجاهله بكل طواعية. وقد تأتي علينا أوقات تمتلئ صدورنا بكلام إن نحن أخرجناه نصاب بالأذى، وإن أبقيناه في دواخلنا سلمنا من كل التبعات، وأحايين أخرى نكون ملزمين بركوب دوامة الرحيل ، ومطية الاستغناء،  رغم ما قد يصاحب ذلك من حرقة وألم، خاصة إذا كان المعني بالأمر من الطينة التي يضحى عندها الغلط مجرد استثناء. أما الذين واللواتي تبقى الأغلاط عندهم منسجمة مع طبائعهم فإن بوابة ورفوف النسيان هي المسار الطبيعي لهن ولهم على حد سواء. وإضافة إلى ما تقدم يبقى تجاهل صوت الذوات أمرا محمودا إذا كان ذلك يزج بنا ضمن أدراج السلبية، والحالة هذه فإن التجاهل يبقى حلا منطقيا وانتقاما راقيا يفترضه الموقف، وقد نجد أنفسنا أمام أشخاص أو مواقف يصعب علينا أمر تجاهلها أو التغافل عنها ، فنكون ملزمين ببذل قصارى الجهود اتجاههم ويكون لزاما علينا تجرع كأس التغافل حتى الثمالة حتى لا نصاب بشتى أنواع الإحباط ، ويستحضرني هنا المثل القائل : تسعة أعشار العافية في التغافل بل هي تمام العافية . وغالبا ما يبقى

 أصعب شيء في الحياة هو أن نجد أنفسنا مجبورين على تجاهل أشخاص كانوا في يوم من الأيام ضمن زمرة الاصفياء والأحبة،  وبقدرة قادر تتغير المحطات وتتباين المواقف، فنضطر الى تجاهلهم والتغافل عنهم ليس ضعفا وإنما طمعا في الصفاء النفسي، خاصة وأن الحياة قد لا تستمر إلا بالتجاوز وغض الطرف . فالتجاوز المصاحب لسقوط الأقنعة لا ولن يأخذ فرحتك أبدا، لأنه يأتي نتيجة طبيعية لمن رحلوا عنك برغبتهم، فمن استغنى فأعلم أنك أنت عنه أغنى وبكثير. فليس الجميع يستحق احترامك، بل من الأوجب أن يستحق تجاهلك حتى يحترم نفسه أولا ويتعلم احترام الاخرين ثانيا. 

    وخلاصة القول فإن أجمل شعور هو أن نكون دائمي الاقتناع بأننا لا ولن نهون أبدا، وأننا صادقون حتى لو أخطأنا أو خانتنا الأحاسيس والتعابير، وأننا من طينة اللذين لا يستغنى عنهن وعنهم ولو في أسوء الحالات النفسية أو المزاجية التي تولدها بعض قوانين الحياة وظروفها الطارئة ، فعندئذ لا مناص لنا من الاكتفاء بغض النظر وإدارة الظهر عن كل ما هو لنا مزعج ، من أجل سلامتنا وراحتنا .

              ثريا الطاهري الورطاسي

                   

 

 

 

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *