الإعلان العالمي لحقوق الإنسان …
أهمية التربية والتعلم 3/3
في إطار اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نواصل نشر الحلقة الثالثة للأستاذ “المختار عنقا الإدريسي“ على موقع جريدة ألوان.
الورقة الثالثة:
أولا : عشرية الأمم المتحدة حول التربية على حقوق الإنسان
لقد اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، بالأهمية البالغة للتربية والتعلم ، والدور الذي يلعبانه في تنمية احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وذلك باعتبارها أن :
1 لكل شخص حق في التعليم ، ويجب أن يوفر مجانا ، ويكتسي صبغة الالزامية في مرحلته الإبتدائية
2. يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وتعزيز إحترام حقوقه وحرياته الأساسية ، كما يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين الأمم وجميع الفئات .
ومنذ ذلك التاريخ نجد أن الجمعية العامة ستتوجه بالنداء إلى مختلف البلدان الأعضاء في شخص حكوماتها مطالبة بالعمل على نشر هذا الإعلان كاملا وتوزيعه للتدارس على كافة المستويات والأصعدة ، لأن تعليم حقوق الإنسان يبقى من بين أهم الوسائل التي يمكنها أن تساهم في تطبيع الإنسان على قيم ومبادئ الحقوق والتشبع بها، الأمرالذي دفع بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة في مؤتمرها المنعقد بباريس 1960 ، إلى التذكير بأن الإعلان العالمي [ يؤكد مبدأ عدم التمييز ويعلن أن لكل فرد الحق في التعليم … وأن من بين أهداف المنظمة … إقامة التعاون بين الأمم بغية دعم الإحترام العالمي لتمتع كل فرد بحقوق الإنسان وبالمساواة في فرص التعليم ] – وهو ماتنص عليه الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم . المادة14 – كما قررت في الدورة العاشرة من 14 نوفمبر إلى 15 ديسمبر 1960 ، العمل بمقتضيات الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم المكونة من 19 مادة ، وجميعها تدعو إلى إبعاد أو إلغاء كل مايشير إلى التمييز في مجال التعليم ، وإنشاء المؤسسات التعليمية وإتاحة الفرصة للجميع من أجل التعليم
الذي [ يستهدف تحقيق التنمية الكاملة للشخصية الإنسانية، وتعزيز إحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وأن ييسر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم والجماعات … في سبيل صون السلام ] – المادة 5من الاتفاقية المذكورة – وهو الأمر نفسه الذي رمى إليه إعلان طهران 1968 ، عندما أقر بوجود أكثر من سبعمائة مليون من الأميين في العالم ، مشكلة عقبة ضخمة في طريقة جميع الجهود الرامية إلى تحقيق الكرامة الإنسانية والمساواة في الحقوق واتخاد جميع الوسائل الملائمة لتحريض الشباب على الإهتمام بقضايا تكتسي أهمية بالغة في عالم متطور ، واعدادهم للعيش في المجتمع . وعليه فإن المتتبع لكرونولوجية الإهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان سيجد أن منظمة اليونسكو قد أصدرت في 19 نوفمبر 1974 ، توصية في الموضوع تعتبرمن خلالها أن التربية أداة من أدوات التفاهم والتعاون والسلم الدولي ، لتتزايد مع مرور الزمن أهمية نشر الوعي بفاعليتها، وينظر إلى التعليم على أنه الكفيل بالتأثير والفعل في مختلف العقليات والسلوكات والعلاقات التي يمكن أن تقوم بين مختلف الفئات الإجتماعية، وتتميما لذلك نقول بأن خلاصات العمل المتوصل إليها في الجلسة رقم 358 المنعقد من طرف لجنة وزراء مجلس أوربا بتاريخ 14ماي 1985 وخاصة التوصية رقم ص . 85 . 7 ، التي جاءت لتتميم صرح هذا الإهتمام ، وتقدم في شأنه مجموعة مبادئ ينبغي مراعاتها في كل المدارس الأوربية ، نقتطف مايلي :
• يعد تفهم حقوق الإنسان والوعي بها عنصرا هاما في عملية إعداد النشء للحياة في مجتمع ديمقراطي يقوم على التعددية كما أنه جزء من التربية الإجتماعية وحتى السياسية .
• يمكن بل وينبغي اكتساب المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان في سن مبكرة … خلال مرحلة ماقبل المدرسة أو المرحلة الابتدائية .
• ينبغي أن تؤدي دراسة حقوق الإنسان في المدارس إلى تفهم وتأييد مجموعة من المفاهيم كالعدل والمساواة والحرية والسلام والكرامة والحقوق والديمقراطية … ويجب أن تتيح المدارس للطلاب فرصة المشاركة الفعالة في مجالات حقوق الإنسان والتعبير عن مشاعرهم من خلال الأعمال المسرحية والفنية والموسيقية والابداعية ووسائل الإعلام السمعية البصرية .
• ان الطريقة المثلى لتعلم الديمقراطية هي توفير مناخ ديمقراطي في المدرسة يشجع على المشاركة … ومن تم يعد المناخ الملائم عنصرا أساسيا مكملا لعملية تعليم حقوق الإنسان بشكل فعال .
وعلى نفس النهج سار المؤتمر الدولي حول التعليم والإعلام في مجال حقوق الإنسان المنعقد بمالطة 1987 ، داعيا إلى التأكيد على أهمية دعم وتدريس حقوق الإنسان في العالم ، في إطار من التشاور والتنسيق وعلى ضوء هذه المعطيات وغيرها شنت هيئة الأمم المتحدة حملتها العالمية لنشر حقوق الإنسان مع حلول عام 1988 ، ودعت الأمانة العامة لها إلى : التأكيد على أن ثقافة حقوق الإنسان ينبغي أن تتوجه وبالضرورة إلى الفرد لأنه المنطلق ، إذ بتكوينه يمكن ضمان الحصول على نتائج أحسن على المستوى العلائقي المستقبلي . وهي ترى بأن كل من يعي حقوقه تبقى له أفضل الحظوظ لحمايتها ، وأن المعرفة الجماعية لحقوق الإنسان تمثل أحسن وأضمن درع يقي من مخاطر الانتهاكات ، وأن من يتعرف على حقوقه يصبح أكثر حرصا على إحترام حقوق غيره . وهو ما يبشر بمجتمعات أكثر تسامحا وأميل إلى التعايش السلمي .
ثانيا: نشر وتدعيم ثقافة حقوق الإنسان عبر المناهج والمقررات الدراسية
ولمقاربة ذاك النشر والتدعيم نكون ملزمين بالتوقف المتأن عند المنطلقات المعتمدة في عشرية الأمم المتحدة ، واعتماد وثيقة أساسية صادرة عن المعهد العربي لحقوق الإنسان ، كان قد ساهم بها الطيب البكوش في ندوة منظمة بمدينة الحمامات التونسية مابين 28 و 29 يونيو 1996 ، في موضوع : عشرية الأمم المتحدة حول التربية على حقوق الإنسان ، أي دور للمنظمات العربية غير الحكومية ؟ وقد تضمنت المنطلقات والركائز المستند اليها وهي :
1 المنطلقات : رغم أن قضية التربية على حقوق الإنسان جاءت متضمنة صراحة في النصوص المتعرضة لحقوق الإنسان ، إلا أن التركيز عليها لم يكن إلا خلال المؤتمر العام لليونسكو المنعقد سنة1974 كما أن الإعداد المباشر لهذه العشرية لم يكن إلا من خلال مجموعة نقط هي :
• توصيات المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقدة بفيينا سنة 1993 خاصة على مستوى الإعلان والبرنامج الصادرين عنه .
• انعقاد المؤتمر العالمي للتربية على حقوق الإنسان والديمقراطية بمنتريال ، كندا خلال شهر مارس 1993 .
• الإقرار بأن التربية على حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من التربية والتعليم اللذين هما من أهم حقوق الإنسان الأساسية وذلك خلال الدورة 44 لليونسكو الخاصة بالتربية ، والمنعقدة بجنيف خلال شهر أكتوبر 1994 .
• الأنشطة التي تمت بمناسبة السنة العالمية للتسامح عام 1995 .
• الإجتماعات الإقليمية والتحضيرية للدورة 44 للمؤتمر الدولي حول تقييم آفاق التربية من أجل التفاهم الدولي ، ومنها الإجتماع العربي الذي نظمه المعهد العربي واليوندياس بتونس خلال أبريل 1994 ، والحلقة التكوينية المنظمة من طرف وزارة التربية الوطنية وقطاع حقوق الإنسان ، بتعاون مع المجموعة الأوربية خلال أيام 13 – 16 يناير 1998 .
وانطلاقا من تلك التوصيات العالمية المتعددة ، أصدرت الأمم المتحدة في جلستها العامة المنعقدة بتاريخ 23 ديسمبر 1994 ، وقرارها الحامل لرقم 149 – 184 والقاضي بجعل الفترة الفاصلة مابين فاتح يناير 1995 و 31 دجنبر 2004 ، عشرية الأمم المتحدة لتعليم حقوق الإنسان ، ووفقا للمعلومات الأساسية المجمعة لدينا بحكم المشاركة في العديد المحطات المشار إليها ، واعتمادا على الامكانات المتاحة للمظمات ومختلف القوى العاملة في مجال حقوق الإنسان ، يمكن لنا أن نقارب الإطار العام والملامح الأساسية لمشروع خطة التربية على حقوق الإنسان وتدعيم ثقافتها في إطار هذه العشرية .
والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة لم تأل جهدا في السعي إلى تنشيط هذه الحركة والعمل على الرفع من وثيرتها انطلاقا من عقد الكثير من التجمعات واللقاء ، نذكر منها : القاهرة في ديسمبر 1995 ، الرباط في دجنبر 1995 ، تونس في أبريل 1996
الحمامات في جوان 1996 . ومن خلال كل تلك المحطات ومشروع الخطة المعدة من طرف محمد ابراهيم بيسوني عضو مجلس الأمناء التابع للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، يمكن أن نصوغ الملاحظات التالية :
• لقد قامت انطلاقة حقوق الإنسان بالساحة العربية منذ قيام المنظمة العربية لحقوق الإنسان في 1982 وهو الأمر سمح بتزايد عدد النشطاء المنخرطين في هذه الحركة عربيا ودوليا ، وأدى إلى نمو وتعدد المؤسسات العاملة على هذا المستوى .
• على الرغم من الجهود المبذولة من طرف اليونسكو ونجاحها في إنشاء مكاتب متعددة لها في الوطن العربي ، فإن الطابع المهيمن عليها هو صفة الرسمية ، مما يؤثر على انشطتها ويضعف إيجابياتها ويجعل العلاقة بينها وبين المنظمات غير الحكومية ضعيفة ، الأمر الذي يؤثر بالسلب على تنفيذ
البرامج ذات الصلة .
• يبقى الإهتمام بالتربية الحقوقية ونشر أفكارها وقيمها ومبادئها ، في أمس الحاجة إلى بذل الكثير من الجهد والعناية وعلى أكثر من مستوى .
• يقتضي أمر تحديد المتطلبات الأساسية للتربية الحقوقية، تضمين البرامج التنفيذية المصاغة وفق الواقع المحلي في كل قطر عربي ، انسجاما مع الخطة العامة لها .
2 الأهداف والبرامج : يمكن أن نستجمع الأهداف في مجموعة من النقط ونلخصها في تكوين مواطن حر واع بحقوقه وواجباته ، نشيط قادر على المساهمة في الحياة العامة ، لا من خلال مؤسسات الدولة فحسب ، وإنما كذلك من خلال جميع مؤسسات المجتمع المدني ، وبذلك يكون مواطنا قادرا على ممارسة الديمقراطية ، من خلال حرية التفكير والتعبير والمساهمة البناءة ، ومشبع بقيم التسامح واحترام الغير وقبول الرأي المخالف واستبدال منطق القوة بقوة المنطق وكلها شروط لإرساء الديمقراطية ونشر تقافة حقوق الإنسان .
اما فيما يتعلق بالبرامج ، فيمكن أن تستمد من تقويم الحاجيات وصياغة الخطط الناجعة ودعم القدرات والبرامج المعتمدة في استحضار للمتتطلبات والخصوصيات المحلية لدول الوطن العربي ، وفقا لما تفترضه الألفية الثالثة من تحديات كثيرة .