الدكتور أشرف شاولي في حوار خاص بألوان
كل اسم من أسماء عمالقة الموسيقى في المغرب هو استثناء
حاوره : ل. وريغ ألوان:(مكتب الدار البيضاء)
الدكتور أشرف شاولي يعتبر واحدا من أهم الباحثين في مجال الموسيقى سواء على مستوى البحث أو التأليف. ويشير ابن الحجاز إلى أن اهتمامه بالموسيقى يعود إلى السنوات الأولى من نشأته، بل إنه جعل الأسرة هي المصدر الأول لعشقه لهذا الفن العريق قبل أن يتخصص فيه، مما أدى به المطاف إلى تقديم العديد من الأعمال الموسيقية التي أغنت المكتبة العربية شرقا وغربا.
وفي هذا الحوار مع الجريدة الإلكترونية ‘ألوان’، يتحدث الدكتور أشرف شاولي عن علاقته بفن الموسيقى وكيف كانت الانطلاقة الأولى، كما يكشف لنا عن أسباب اهتمامه بالأغنية المغربية، كما كان الحوار مناسبة للتعرف عن الغاية من إطلاق برنامج ‘قراءات في الموسيقى’ على موقع’اليوتيوب’
————————————————————————————————————————–
ألوان: كيف يمكنكم رسم صورة لمساركم العلمي و اهتمامكم بفن الموسيقى؟
أشرف شاولي: اهتمامي الموسيقي سبق انخراطي في المرحلة التعليمية المدرسية. فالوالد يعتبر أول عازف لآلة الكمان في الحجاز وفي السعودية بشكل عام. وقد تربيت منذ طفولتي على الاستماع لعزفه الشجي على أوتار كمانه، وهو أول من أهداني (أورغ) في عمر الأربع سنوات، ومازلت أحتفظ بهذه الهدية الثمينة حتى الآن.
وعندما شعر والدي بميولي الموسيقية، أهداني آلة عود وآلة كمان مازلت أحتفظ بهما حتى اليوم. إلا أن ميولي كان أكثر نحو العود، حيث أحببت أن أغني ما أقوم بتلحينه وكنت لم أتجاوز بعد الـ9 سنوات في ذلك الوقت.
وبعد وفاة والدي رحمه الله، قررت دراسة الموسيقى بشكل أكاديمي، وكان لي ذلك بمساعدة وتشجيع من والدتي رحمها الله في سن الحادية عشر عن طريق دورات حرة أثناء الإجازات الصيفية التي كانت تمتد إلى ثلاثة أشهر وعلى مدى ست سنوات وذلك في معهد الاتحاد الموسيقي في القاهرة على يد الأستاذ المرحوم محمد عابد.
وكما تلاحظ من خلال التتبع الزمني، فلكل منهج، سواء الموسيقى أو التعليم، وقت وأهمية مختلفة بالرغم من أني كنت أقوم طوال الوقت بتأليف مقطوعات موسيقية أو تلحين قصائد شعر مع اهتمامي الأكبر بالشعر الفصيح. وكان لأخي الأديب والرسام أسامة شاولي أثر كبير في إنتاجي الموسيقي، حيث كنت أختار من أشعاره الكثير وأقوم بتلحينه.
وعند بلوغي الثالثة عشر، بدأت أوسع مداركي وأفقي في قراءة الشعر وتذوقه، وبدأت ألحن لشعراء متعددين بداية من أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم مرورا بإيليا أبو ماضي و فاروق جويدة و أبو القاسم الشابي وامرؤ القيس وعمر أبوريشة والعديد من الشعراء القدامى والمعاصرين.
من وجهة نظري الشخصية، لا تعارض بين الموسيقى والتحصيل العلمي طالما استطاع المرء توزيع وقته والعمل على تحقيق أهدافه بعد التوكل على الله
ألوان: نريد منكم دكتور شاولي الحديث عن بعض كتاباتكم الموسيقية التي سبق لكم أن نشرتموها من قبل؟
أشرف شاولي: يوجد في جعبتي أكثر من 150 لحنا. للأسف أغلبها حبيسة الأدراج. والسبب يكمن في صعوبات الإنتاج المادية.
في عام 1996 كنت في زيارة عادية للندن وأنا مستمع عاشق لإذاعة لندن في ذلك الوقت. وأتذكر أني وجدت بالصدفة مكتب ترويجي للإذاعة في أحد أسواق لندن. فاقتربت من المكتب أتأمل صورة للمذيع الكبير المرحوم الأستاذ ماجد سرحان، وكانت هذه المرة الأولى التي أرى صورة له. فلقت ردة فعلي انتباه من هم خلف المكتب. فقمت بالتعريف عن نفسي وتلقيت مباشرة دعوة بزيارة ‘بوش هاوس ‘bush house
والتعرف على الإذاعة عن قرب. توجهت في اليوم التالي إلى هناك، وكان في استقبالي الأستاذ الكبير عارف حجاوي. جلسنا سوية وأسمعته مع المذيع الأستاذ أحمد شوقي الشايب رحمه الله بعض ألحاني فقررا أن أسجل لهما بالعود أحد هذه الألحان في استوديوهاتهما في لندن، وبالفعل فعلت وكان العمل من كلمات أخي أسامة شاولي بعنوان (وكل غالي ثمين يهون ويرخصلك)، والذي أذيع على أثير إذاعة الـ’بي بي سي’.
كختام للقاء إذاعي قمت بعمله هناك. بعد ذلك بشهرين تم ترشيحي عن العالم العربي من فريق الـ’ بي بي سي‘
لتمثيل السعودية في مهرجان القاهرة الدولي للأغنية بعمل من ألحاني وشعر الأستاذ عمر أبو ريشة بعنوان (طال انتظارك). وبالفعل، قمت بالاشتراك في المهرجان الذي تشرفت فيه بالتعرف على بوتقة من الفنانين العرب كان على رأسهم الموسيقار الكبير الأستاذ عبدالوهاب الدوكالي والشاعر أحمد بن شقرون و الشاعر محمد العمارتي الذي قمت بتلحين إحدى قصائده باللهجة المغربية فيما بعد.
إلى جانب مشاكل الانتاج المادية، قد تكون سنوات ابتعاثي السبعة في فرنسا لدراسة الماجيستير والدكتوراة العامل الثاني الذي أبعدني عن نشر ومحاولة السعي لنشر أعمالي الموسيقية حيث انكب جل اهتمامي على التحصيل العلمي بالرغم من إتمامي مجموعة من الألحان في تلك الفترة.
حاليا، هناك مجموعة من الأعمال التي سترى النور قريبا بإذن الله لمجموعة من الأصوات الرائعة من فلسطين و مصر والمغرب و السعودية باللغة العربية واللغة الفرنسية كذلك.
ألوان: أطلقتم منذ فترة موقعا تحت اسم”قراءات موسيقية”.. ما الغاية من ذلك؟
أشرف شاولي: بالنسبة لصفحتي (قراءات في الموسيقى) على منصة اليوتيوب، يمكن اعتبارها صرخة نقطة نظام. فمع تردي الذوق العام في الأعمال الموسيقية وهبوط مستوى الإنتاج الموسيقي وضياع بوصلة المستمع التوعوية وجدت أننا نسير في طريق منحدرة وبسرعة قصوى. وتساءلت ماذا سيكون مصير الأجيال القادمة إن لم يعوا ما يسمعونه؟ ولكن كيف لهم ذلك الوعي؟ وماذا يمكنني أن أفعل حيال ذلك؟ وكيف يمكن إيقاف هذا الانحدار في التذوق الموسيقي؟ نتيجة لكل هذه التساؤلات، كانت فكرة برنامج (قراءات في الموسيقى) هي نشر الوعي الثقافي الموسيقي للناس وشرحه بطريقه عميقة و مبسطة قدر الإمكان عن طريق شرح مفصل للأعمال الموسيقية ذات القيمة الفنية العالية من حيث إبراز جماليات الكلمة واللحن ومواءمة اللحن للكلمة بكل مكوناته : الجملة الموسيقية، التوزيع، التعبيرية ، إلخ.
ألوان: ما علاقتكم بالموسيقى المغربية وكيف جاء اهتمامكم بها؟
أشرف شاولي : تمتد علاقتي بالموسيقى المغربية لوقت طويل جدا، ربما منذ بلوغي الرابعة من عمري في أكثر من مشهد:
1- ففي شهر رمضان المبارك كانت هناك موسيقى مميزة جدا يتم إذاعتها سنويا وطوال شهر رمضان في التلفزة السعودية حتى أصبحت إحدى أهم معالم الشهر الفضيل حتى يومنا هذا. لا أبالغ إن قلت أنه يندر أن تجد سعوديا لا يعرف هذه الموسيقى إلا أن الجميع يجهلون أصلها ومن أي عمل هي. بعد سنوات من البحث عرفت أن الموسيقى التي كنت أستمع إليها في طفولتي وحتى اليوم هي المقدمة الموسيقية لأغنية (سألتك لله) التي هي إحدى روائع الأستاذ محمود الإدريسي ومن ألحان الموسيقار عبدالقادر الراشدي.
2- خلال طفولتي المبكرة في أوخر السبعينيات و أوئل الثمانينيات، كان هناك مايسمى بالأسبوع الثقافي المغربي في السعودية، وكان هناك اهتمام من التلفزة السعودية بإذاعة حفلات ذلك الأسبوع والتي كانت تشتمل على مجموعة من الأعمال الموسيقية الخالدة والتي منها رائعة الموسيقار عبد القادر الراشدي رقصة الأطلس)، ورائعة الموسيقار الدكالي وهو يغني (مرسول الحب)).
3 – أثناء عملية نضوجي الموسيقي في العقد الثاني من عمري، عشقت أسلوب “الدكالي’ في الغناء والتلحين وخاصة أعمال ك’الحب صعيب’ و ‘حجبوك لعدا يا ولفي’. . .
دفعني ذلك للبحث عن المزيد من هذه الموسيقى المتميزة إلى أن بهرت بعمل ‘القمر الأحمر’ والذي كان يذاع في التلفزة المغربية قبل بدء الارسال في منتصف التسعينات … ومع المزيد من الاطلاع أسرني صوت الفنانة الكبيرة نعيمة سميح في عديد أعمالها ك’ياك جرحي’ .. ‘ياحباب هذا حالي’ .. الخ..
ومنذ ذلك الوقت، وأنا على اطلاع جيد جدا بالموسيقى المغربية دون نسيان كبار أساتذة المغرب كأحمد البيضاوي.
ألوان: من هي الأسماء التي تسترعي باهتمامكم في موسيقى المغرب ؟
أشرف شاولي : بلاشك، إن موسيقى المغرب تتميز بوجود عديد المبدعين على مدى العقود وعلى مر الأزمان ولكني من عشاق مبدعي القرن العشرين أمثال: أ. أحمد البيضاوي أستاذ التقعيد الموسيقي في المغرب، وأ. عبدالقادر الراشدي أستاذ المدرسة الكلاسيكية المغربية، وأ.عبدالسلام عامر أستاذ التنويرية الموسيقية في المغرب ومجدد الموسيقى المغربية أ.عبدالوهاب الدكالي
ألوان: ماهي الأسباب التي جعلتكم تنشغلون بموسيقى الراحل عبد السلام عامر؟
أشرف شاولي : مما لاشك فيه أن الموسيقى الجيدة تفرض نفسها بصرف النظر عن مؤلفها. وعلاقتي بموسيقى الأستاذ عامر تسبق معرفتي به. بمعنى أني استمعت لموسيقاه وأعجبت بها و أحببتها قبل أن أعرف أن مؤلف هذه الموسيقى هو الأستاذ عبدالسلام، وكان ذلك من خلال إعجابي الشديد بقصيدة ‘القمر الأحمر’، التي حفظتها خلال سنوات المراهقة نظراً لاستماعي لها بشكل شبه يومي من خلال الإذاعة المغربية دون علمي شيء عن مؤلفها أو ملحنها. وقد يكون في ذلك إجابة على هذا السؤال الجميل. فموسيقاه تدخل القلب من حيث لا يحتسب المرء. موسيقى سلسة، راقية، غنية بالأفكار المتجددة. وقد تكون هذه النقطة الأخيرة هي ما أحببني في موسيقاه حيث الالتقاء المنهجي بينه و بين رؤيتي للموسيقى في ألحاني ومؤلفاتي الموسيقية.
ألوان: هل تعتقدون أن ألحان عامر تعتبر استثناء في الموسيقى المغربية؟
أشرف شاولي : الموسيقى المغربية غنية بالأسماء العملاقة التي أثرت وتثري وستثري الموسيقى العربية بشكل عام كـ:الأستاذ الراشدي، والأستاذ الدكالي، والأستاذ البيضاوي، وبالطبع الأستاذ عامر وغيرهم الكثير. بالنسبة لكلمة (استثناء) فأنا أرى ومن وجهة نظر شخصية أن كل اسم من أسماء عمالة الموسيقى في المغرب هو استثناء. فإن كان المقصود بالكلمة (الخروج عن المألوف) فبهذا المعنى أ. عامر هو استثناء بلا شك وخاصة في أسلوبه الموسيقي (المستشرق)، حيث استخدامه لجمل موسيقية ممتدة و إيقاعات وموازين أقرب للمشرق العربي منها للمغرب
ألوان: أين تموقعون ألحان عامر داخل الموسيقى العربية؟
أشرف شاولي: ربما لم يحوز أ. عامر على اهتمام الإعلام في المشرق العربي بالقدر الذي يستحقه فعلا، وربما حتى هناك من الموسيقيين المشرقيين من لا يعرفه لضعف اطلاعه على موسيقى المغرب بشكل عام.
من وجهة نظري، أنا لا أعتبر ذلك انتقاصا من قيمته الفنية إطلاق، فالجهل بالحقيقة لا ينفي وجودها. وإذا ما سردنا مجموعة من أبرز الموسيقيين العرب، فلا شك أن الأستاذ عامر سيكون أحدهم وأحد أهم الأسماء في الصفوف الأولى بما في موسيقاه من إحساس مرهف وفكر عالي المستوى.
ألوان: هل لديكم فكرة عن الموسيقى المغربية الراهنة وما هي وسيلتكم في الاطلاع على هذا الإنتاج الموسيقي المعاصر؟
أشرف شاولي: بالطبع، فأنا مطلع دائما على كل جديد في الموسيقى العربية من المشرق إلى المغرب وحتى في الموسيقى الغربية بمختلف انتماءاتها الجغرافية من روسيا شرقا و أوروبا غربا و أمريكا اللاتينية وحتى الموسيقى الفارسية والهندية وموسيقى شرق آسيا والموسيقى الإفريقية وهذه إحدى أنعم وسائل التواصل والاعلام الحديث كمنصة يوتيوب و اكس وانستغرام وغيرها.
لاشك أن هناك اختلاف في المستوى الموسيقي بين ما كان يقدم في المغرب وما يقدم حاليا وهذا واقع الموسيقى العالمية بشكل عام. قد يعزو البعض هذا الأمر لاختلاف الزمن وسرعة إيقاع الحياة والتقدم التكنولوجي في التسجيل والآلات الموسيقية وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي … إلخ. ولكن عند رؤية الأمور بعمق أكثر يتبادر سؤال محوري : ماعلاقة كل ماتقدم بهبوط مستوى الإنتاج الموسيقي؟
أليس من الأكثر منطقية أن يكون تأثير ذلك هو رفع المستوى الموسيقي وتحسنه؟
لماذا نعزو هبوط المستوى الموسيقي لارتفاع مستوى أشياء أخرى في الوسط المحيط؟
هل تحسن المعيشة التقني يعني الافتقاد للإحساس والمشاعر؟
أعتقد أنه يجب أن نقف وقفة هنا ومراجعة أسباب التدهور الموسيقي والاعتراف (كما لمست عن قرب) أن السبب الرئيسي هو (الجهة الممولة) وليس ماتقدم من أسباب انتشرت في وسائل الاعلام.
فالجهة الممولة هي المسؤولة عن : ماذا يقدم؟ ولمن يقدم؟ ومتى وأين يقدم؟ وهي المؤثر نتيجة لذلك في الرأي العام (المجتمعي) تحت ذريعة (الجمهور عايز كده) وهي تعلم تمام المعرفة أن الجمهور لاخيار لديه إلا مايقدم له.
وبالرغم مما تقدم أحب أن أشيد ببعض الأصوات المعاصرة وأعمالها المميزة كعبد الحفيظ دوزي مثلا