من تعزيز التواصل الى تقبيح التواصل
انتكاسة أخرى من الناطق الرسمي باسم الحكومة
علي الصدقي
قدرنا ان نعيش انتكاسة تلو الأخرى في مجال محاربة آفة الفساد التي تنخر دواليب الإدارة المغربية ، ومآلنا ان تستديم آذاننا الخطابات الرسمية والتقارير المُدبّجة بعبارات تعطي الانطباع على أن اننا بلد ينعم في الشفافية والنزاهة حد التخمة ، ومصيرنا ان نُبتلى بحكومات تتقن فن المراوغة والوعيد كلما ارتفع صوت ينتقد او يتساءل عن مآل الوعود الانتخابية في إقرار سياسة واعدة في محاربة الفساد ، بل احيانا تلجأ لعصا عوض ان تهُشّ بها على من عاتوا في البلاد فسادا عبر تطبيق القوانين لصون المال العام ، وتفعيل دور المؤسسات واللجن التي تسهر على ذلك ، تراها تلوح بعبارات التبخيس والتنقيص في وجه كل من عمد إلى تشخيص وضعية الفساد ببلادنا اوحتي إن اختمرت في ذهنه وجهة نظر حول الاختلالات في تفعيل الوعود الرسمية للحد من هذه الآفة .
سياق هذه الملحوظة هو الندوة الصحفية العنترية التي عقدها السيد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة وهو يمتطي حصان التقبيح والتقابُح ليرد على ما ورد في تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وكان السيد بايتاس يجهل أو يتجاهل إحدى الصلاحيات التي يخولها القانون 19-46 لهذه الهيئة ، والتي تتجلى في إبداء الرأي بمبادرة منها او بطلب من رئيس الحكومة بخصوص الاستراتيجيات الوطنية والسياسات العمومية ذات الصلة مباشرة بالوقاية من الفساد ومكافحته ، وفي شأن مخططات تنفيذها والعمل على تتبع تنفيذ هذه الإستراتيجيات .
لكن المشكل في حقيقة الامر ، وهو أن السيد بايتاس ، بصفته الناطق الرسمي باسم الحكومة ، غالبا ما يتناسي المهام الموكولة اليه والتي تتجلى اساسا في تعزيز التواصل مع وسائل الإعلام و الرأي العام للتعبير عن موقف ورأي الحكومة في قضايا معينة ، ونقل خلاصات العمل الحكومي باعتبارها مسؤولية تعكس مسار وتوجهات السياسة الحكومية ، ولكونها أيضا مهمة تقتضي رجاحة العقل والكلام وحسن التصرف والاتزان ، وليست درعا توظّفه الحكومات لصد انتقادات وحتى تساؤلات عادية عن التوجه الحكومي في موضوع ما ، وليست وظيفة او منصة يعتليها لشحذ لسانه ومنجنيقا لإطلاق قذائفه في وجه المتسائلين والمنتقدين للسياسة الحكومية.
السيد بايتاس ، وبسلوكه هدا أثار زوبعة فنجانية ، وظن بعدما أرغى وأزبد أنه سيخلق الحدث ، وفعلا فقد صنع كلامه الحدث ، ولكن في اتجاه لم يحسب له الحسبان ، ألا وهو لُّجاج من التساؤلات والمزيد من التمحيص في السياسة الحكومية في مجال محاربة الفساد في ظل سياق يتسم باستشراء الفساد ، وتجميد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة التي اعتبر كل الفاعلين حين تبنتها الحكومة سنة 2015 بمثابة إشارة إيجابية ، وأكد الكل على أنّ تفعيلها سيكون هو المحك الحقيقي لإرادة الدولة في محاربة الفساد ، وكان من المفترض ، بعد كل هذه المدة ، أن نكون قد حققنا تقدما ملموسا في تنزيل مقتضياتها وتفعيل حوالي 200 مشروع وإجراء في إطار برامجها العشرة ، إضافة للجنة الوطنية المخول لها متابعة هذه الإستراتيجية التي لم تجتمع منذ إحداثها سنة 2017 إلا مرتين ، وسحب مشروع القانون المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من مجلس النواب المُتضمّن لمقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع من طرف الحكومة .
إنه غيض من فيض، لا يجدي فيه النفاق السياسي وكل غرابيل الدنيا لحجب شمس الحقيقة وتلميع واقع الفساد ببلادنا ، في تجاهل تام للمؤشرات الدولية التي تضع بلدنا في اسفل الترتيب في مجال الحكامة ومحاربة الفساد . فسواء غربال السيد بايتاس أوغربال الحكومة التي ينتمي اليها لن يواري ولن يستر واقعا يؤكد لامبالاة الحكومة فيما يتعلق بإشكالية محاربة الفساد المستشري ببلادنا .
علي الصدقي: ناشط مدني وكاتب رأي