أصدقاء المغرب

أصدقاء المغرب

جاك بيرك

المراقب المدني المتعاطف                                                                                  بقلم: أحمد قابيل  
————————–
جاك بيرك (Jacques BERQUE) عالم اجتماع ومؤرخ اهتم بالمغرب والمشرق العربيين، ولكنه يختلف عن باقي المستشرقين، فهو رجل علم وفكر ولكنه رجل ميدان أيضا، وهذا ما يميزه عن باقي الباحثين الآخرين
فقد عمل بالإدارة الفرنسية بالمغرب قرابة عقدين من الزمن، في البوادي والمدن، فتعرف على المغرب العميق، مغرب الرعاة والفلاحين والصناع التقليديين، خبر الأرض والرجال فاكتسب الممارسة التي أفادته كثيرا في أبحاثه، بل وأعطتها قيمتها الأساسيةولد جاك بيرك سنة 1910 في بلدة «فرندة» جنوب مدينة وهران في المنطقة التي اعتكف فيها ابن خلدون ليكتب مقدمته الشهيرة. أبوه اشتغل في الإدارة الفرنسية ولكنه كان مهتما بالثقافة والتاريخ الجزائري، وله في ذلك عدة كتابات. بعد دراسته بالجزائر ثم في فرنسا بجامعة السربون ستبدأ معرفة جاك بيرك بالمغرب حيث سيقضي خدمته العسكرية بين مدينة جرسيف وفاس وعين الشق بالدارالبيضاء والتواركة في الرباط. ثم ستتعمق هذه المعرفة بعد اجتيازه المباراة وتعيينه سنة 1934 مراقبا مدنيا بمدينة البروج بين قبائل بني مسكين. كانت دراسة جاك بيرك الجامعية في السربون مرتبطة بالآداب الكلاسيكية (اللاتينية والإغريقية) ، ولكنه سيبدأ الاهتمام بعلم الاجتماع والأنتروبولوجا من خلال اطلاعه على كتابات «دوركايم وتلاميذه»، وسيشرع في أبحاث ميدانية تهتم بالقواعد والأعراف التي تحكم العلاقات الرعوية في قبائل
بني مسكين. أبحاث ستتبلور في مقالات بدأ ينشرها في المجلات المتخصصة. كما سيبدأ وعيه السياسي في التفتح ليلاحظ الانحرافات التي انزلقت إليها الإدارة الاستعمارية بالمغرب، وأدت إلى تحول الحماية إلى إدارة مباشرة كالتي عرفها بالجزائر، ويلاحظ التواطؤ بين الإدارة والقواد المحليين خاصة القواد الكبار الذين كانوا فوق كل محاسبة وزجر رغم الشطط الواضح في استعمال السلطة لسلب الأهالي أرزاقهم وقهرهم. كان جاك بيرك قد بدأ دراسة اللغة العربية واللهجة في الجزائر، لكنه سيعمق هذه الدراسة بين قبائل المغرب في البروج ثم في سوق الأربعاء (الغرب)
. وحين سينتقل للعمل في مدينة فاس سنة 1937 سترتقي هذه الدراسة مع اتصاله الوثيق بعلماء المدينة وفقهائها

في مدينة فاس يتعرف على الحركة الوطنية الناشئة وعلى زعمائها : بلعربي العلوي، علال الفاسي، بلحسن الوزاني، وكانت المدينة آنذاك قلب المغرب النابض، ومركز قادته المطالبين بالحقوق التي أهدرتها معاهدة الحماية سنة 1912، إذ فيها انطلقت مظاهرات «اللطيف» بعد فرض الظهير البربري سنة 1930، ومنها خرجت مطالب الشعب المغربي في الدفتر المقدم سنة 1934 للسلطان الشاب محمد بن يوسف وللسلطات الفرنسية، و حين وصل جاك بيرك إلى المدينة كان الغليان على أشده بعد أحداث واد بوفكران وما تلاها من مظاهرات أدت إلى إقدام السلطات الاستعمارية على نفي الزعماء بعيدا عن المدينة أو بعيدا عن المغرب كليا (نفي بلحسن الوزاني إلى جنوب المغرب، ونفي علال الفاسي إلى الغابون حيث سيلتقيه جاك بيرك سنة 1944 ويمده ببعض الكتب المدرسية لتحسين لغته الفرنسية)

في مدينة فاس يتعرف بيرك على الجوانب الاجتماعية خاصة ما يتعلق بالصناعة التقليدية التي كانت تعيش أزمة بسبب المنافسة الخارجية. وكان من المهام التي قام بها دراسة مشاكل الصناع وتنظيم الحرف، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالقروض أو بالتجهيز بالأدوات والآلات. سنة 1943 يلتحق جاك بيرك بالقسم السياسي في الإقامة العامة بالرباط وهناك ستكون له إمكانية التعرف على القضايا العامة السياسية والاجتماعية التي تهم المغرب كله، وفرصة اللقاء أيضا بالعديد من الزعماء : اليزيدي، عمر بن عبد الجليل، الفقيه غازي، بلافريج، إلا أن اختلاف رؤيته للأمور مع رؤية رئيس القسم إذاك فيليب بونيفاس ستدفعه إلى مغادرة هذا القسم السياسي والالتحاق بمكتب للأبحاث والدراسات بالإقامة العامة، وهناك سيشرف على البدء في مشروع للإصلاح الزراعي يعتبر رائدا في زمانه، ويقوم على الرفع من المستوى الاجتماعي والتقني للفلاحين المغاربة ضمن تعاونيات زراعية مجهزة بالجرارات وكافة الوسائل الحديثة للرفع من مستوى الإنتاج، وهو مشروع سيبدأ تطبيقه خاصة مع تعيين المقيم العام الليبرالي اريك لابون، إلا أن هذه التجربة ستلاقي معارضة شديدة من المعمرين الفرنسيين وسيتهم جاك بيرك بميوله الشيوعية، ويتم نفيه إلى منطقة ايمنتانوت بالأطلس الكبير في وظيفة مراقب مدني مرة أخرى، لكنه هناك سيتعرف على وجه آخر للمغرب : الوجه الأمازيغي، فيتقن اللهجة المحلية، ويبدأ في دراسة اجتماعية انتروبولوجية لقبائل سكساوة، ويكون من كل ذلك أطروحة جامعية يناقشها في السوربون سنة 1955، ليبدأ مسارا مهنيا جديدا يقوده في نهاية المطاف، وبعد سنوات من التعرف على المشرق العربي، ليصبح أستاذا في أرقى مؤسسة جامعية بفرنسا : الكوليج دو فرانس

ترك جاك بيرك لنا بعد وفاته سنة 1995 أكثر من عشرين مؤلفا ، والعديد من المقالات والترجمات عن الإسلام،  وعن المغرب العربي ، وعن المشرق فكرا وأدبا ومجتمعات، نذكر منها : «عقود بني مسكين حول شؤون الرعي» (1936)، «البنيات الاجتماعية في الأطلس الكبير» (1955)، «اليوسي، مشاكل الثقافة المغربية في القرن الثامن عشر» (1958)، «المغرب العربي بين الحربين» (1962)، «ترجمة القرآن الكريم» (1990) وغيرها من المؤلفات التي تنضح بالتعاطف بل والدفاع عن القضايا العادلة للشعوب العربية والإسلامية

أحمد قابيل

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com