1/1 د. مهدي عامري : حوار خاص لألوان عن الذكاء الاصطناعي
الاعتماد الزائد على التكنولوجيا يؤدي إلى تقليل دور الإبداع البشري
:الذكاء الاصطناعي
مجال واسع من علوم الكمبيوتر يركز على إنشاء آلات ذكية قادرة على أداء مهام تتطلب عادة ذكاء بشريا و قدرة فائقة للرفع من دروة كل إنتاجية معرفية ، وعادة مايشمل ذلك كل المجالات كالتعلم وحل المشكلات العارضة ، واتخاذ القرارات المناسبة والتعرف على أنماط التواصل والتكيف مع البيئات الجديدة ، وتستخدم تقنياته في العديد من المجالات الحياتية كالرعاية الصحية والنقل والتنقلات والتصنيع والزراعة والتعليم والبحث العلمي والمعرفي وبالتالي فهو يساهم بشكل فعال وايجابي في تشكيل معالم حياتنا اليومية الحاضر منها وحتى المستقبلي ، ومن الفوائد التي يقدمها لنا الذكاء الاصطناعي نذكر : زيادة الإنتاجية وتطوير القدرات ، والكفاءة وتحسين صنع القرارات ، وتطوير الخدمات والمنتجات، والاسهام في حل المشكلات المستعصية
والمعقدة، وبحكم التطور المتلاحق والسريع لمجالات الذكاء الاصطناعي، فإنه من المتوقع أن يكون له التأثير العميق على جميع جوانب حياتنا خلال القادم من الأيام ، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأنه أضحى من الضروري أن نكون على دراية بالفوائد وبالمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي ، حتى نتمكن من تطويره واستخدامه وتوظيفه بكل ايجابية في كل مناحي حياتنا، ولهذه الغاية نكون في جريدة ” ألوان” سعداء جدا باستضافة الدكتور مهدي عامري ، باعتباره خبيرًا في الذكاء الاصطناعي و أستاذا باحثا في التواصل و التحولات الرقمية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، في هذه الجلسة الماتعة لتنوير القراء في كل ماله علاقة بالذكاء الاصطناعي
حدثنا عن الذكاء الصناعي الذي زلزل العالم بكل مقوماته وجعل كل الموازين تنقلب الى حد ما ليصير الذكاء الاصطناعي سيد المواقف في العديد من المجالات وأنت الخبير بحديه الايجابي والسلبي!؟
يستهل الدكتور عامري الحديث بقوله ، بداية: يُعد الذكاء الاصطناعي من أبرز التطورات التقنية التي شهدها القرن الحادي والعشرون، حيث أدخل تغييرات جذرية في العديد من المجالات. و يشمل ذلك الطب، التعليم، الصناعة، الإعلام، وحتى الفنون. و بصفتي خبيرًا في الذكاء الاصطناعي و أستاذا باحثا في التواصل و التحولات الرقمية، أود أن أسلط الضوء على بعض الجوانب الإيجابية والسلبية لهذا التقدم التكنولوجي، مع تقديم أمثلة واقعية لتعزيز الفهم
يشهد العالم تطورًا هائلًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما أحدث ثورة في العديد من القطاعات، ولعل أبرزها قطاع الرعاية الصحية. فقد أدى الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الرعاية الصحية من خلال تطوير أدوات تشخيصية دقيقة وتحليل البيانات الضخمة. على سبيل المثال، تُستخدم الخوارزميات المتقدمة لتحليل صور الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي، مما يساعد في الكشف المبكر عن الأمراض مثل السرطان. ومن الأمثلة البارزة في هذا السياق شركة آي بي إم واتسون هيلث التي طورت نظامًا يمكنه تقديم توصيات علاجية بناءً على تحليل شامل للسجلات الطبية. وفي مجال التعليم، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير تجارب تعليمية مخصصة للطلاب. من خلال تحليل بيانات الأداء الأكاديمي، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي مثل كورسيرا ودوولينجو تحديد نقاط القوة والضعف لدى الطلاب وتقديم محتوى تعليمي يناسب احتياجاتهم الفردية، مما يعزز من فعالية التعليم ويجعل العملية التعليمية أكثر كفاءة وتكيفًا. أما في الصناعة، فإن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا كبيرًا في تحسين عمليات الإنتاج وزيادة الكفاءة. و تُستخدم الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي في خطوط التجميع لتقليل الأخطاء وتحسين جودة المنتجات، وأبرز مثال على ذلك شركة تيسلا التي تعتمد بشكل كبير على الروبوتات الذكية في تصنيع سياراتها الكهربائية. وفي مجال الإعلام والترفيه، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة وفهم توجهات الجمهور. فتطبيقات نت فليكس وسبوتيفاي على سبيل المثال تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات موجهة للمستخدمين بناءً على تفضيلاتهم، مما لا يقتصر فقط على تحسين تجربة المستخدم، بل يساهم أيضًا في زيادة مبيعات المحتوى الرقمي. لكن في مقابل هذه الفوائد، يواجه الذكاء الاصطناعي العديد من التحديات السلبية. و أحد أكبر هذه التحديات هو فقدان الوظائف. فمع تزايد استخدام الروبوتات وأنظمة الأتمتة، هناك قلق متزايد بشأن فقدان العمال لوظائفهم التقليدية. و في هذا السياق هناك دراسة لمؤسسة ماكينزي تشير إلى أن ما يصل إلى 800 مليون وظيفة قد تُستبدل بالتكنولوجيا بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات أخلاقية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية واستخدام البيانات. فأنظمة المراقبة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل تلك المستخدمة في الصين لمراقبة السكان، أثارت جدلاً حول حدود الخصوصية الفردية وحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، يمكن أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي متحيزة إذا كانت البيانات التي تُدرب عليها منحازة. و أبرز مثال على ذلك هو نظام التعرف على الوجوه الذي أظهر تمييزًا ضد الأشخاص ذوي البشرة الداكنة. و لعل هذا المثال يعكس التحيزات الموجودة في البيانات المستخدمة في تدريب هذه الأنظمة، مما يستدعي ضرورة اتخاذ تدابير لضمان الشفافية والعدالة في تصميم الخوارزميات. ومع تزايد اعتمادنا على أنظمة الذكاء الاصطناعي، يتضاعف أيضًا خطر الهجمات السيبرانية. فتقنيات الهجوم المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها أن تصبح أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف عنها، مما يتطلب تعزيز الجهود في مجال الأمن السيبراني لحماية البيانات والنظم
ما هو التأثير الذي سيجلبه هذا الذكاء الاصطناعي على المتلقي المغربي/العربي، وفقا لعقليات لا زالت تحتاج إلى نوع من النضج النفسي أولا والمعرفي ثانيا، وإدراك هذا الجانب لاستعماله استعمالا إيجابيا ؟
يشهد العالم اليوم تحولًا رقميًا غير مسبوق، مدفوعًا بتطورات سريعة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تظل هناك مخاوف وترددات كبيرة حيال تبني هذه التكنولوجيا في العديد من المجتمعات. و هذا التردد ينبع من مجموعة متنوعة من العوامل الثقافية والاقتصادية والتقنية، وكل منها يلعب دورًا في تشكيل وجهة نظر الأفراد تجاه الذكاء الاصطناعي. في هذا السياق، يمكننا استعراض الأسباب الكامنة وراء هذه المخاوف والترددات، بالإضافة إلى تقديم استراتيجيات للتعامل معها والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين المجتمع والاقتصاد
أولاً، يجب أن نفهم أن الخوف من المجهول هو شعور طبيعي لدى البشر. فالذكاء الاصطناعي، بقدرته على تغيير الوظائف والأسواق والبنية الاجتماعية، يمثل تهديدًا محتملاً لأولئك الذين يشعرون بعدم الأمان في ظل التحولات السريعة. يتخوف الكثيرون من فقدان وظائفهم لصالح الآلات الذكية، ويرون أن هذا التطور يمكن أن يؤدي إلى زيادة البطالة وانخفاض فرص العمل. بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق متزايد بشأن الخصوصية والأمان، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجمع كميات هائلة من البيانات الشخصية ويستخدمها بطرق غير متوقعة
ثانيًا، هناك حاجز ثقافي يلعب دورًا كبيرًا في التردد حيال تبني الذكاء الاصطناعي. في بعض المجتمعات، يُنظر إلى التكنولوجيا الجديدة بعين الريبة وعدم الثقة. يعتبر البعض أن هذه التكنولوجيا تتعارض مع القيم والتقاليد المجتمعية، مما يجعلهم يترددون في قبولها. هذا التردد الثقافي يعززه نقص الوعي والمعرفة حول فوائد الذكاء الاصطناعي وإمكانياته. بدون فهم واضح لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي والفوائد التي يمكن أن يجلبها، يظل الناس حذرين وغير متحمسين لتبنيه
ثالثًا، هناك عوائق اقتصادية تحول دون تبني الذكاء الاصطناعي. يتطلب اعتماد هذه التكنولوجيا استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتعليم والتدريب. العديد من الدول النامية تواجه تحديات اقتصادية تجعل من الصعب تخصيص الموارد اللازمة لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي. بدون دعم مالي وتقني مناسب، تصبح عملية تبني الذكاء الاصطناعي بطيئة وغير فعالة. لكسر هذه الحواجز، هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها لتعزيز قبول الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل فعال
أولاً، من الضروري توفير برامج تعليمية وتوعوية لتعريف الناس بماهية الذكاء الاصطناعي وفوائده. يجب أن تتضمن هذه البرامج معلومات حول كيفية عمل الذكاء الاصطناعي والتطبيقات العملية له في الحياة اليومية والعمل. يمكن للندوات وورش العمل والدورات التدريبية أن تلعب دورًا كبيرًا في نشر المعرفة وزيادة الوعي
ثانيًا، يجب أن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة تساعد البشر بدلاً من أن تحل محلهم. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم لتحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة دون أن يؤدي إلى فقدان الوظائف. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتولى المهام الروتينية والمتكررة، مما يتيح للموظفين التركيز على الأعمال الأكثر إبداعًا واستراتيجية
ثالثًا، يجب على الحكومات أن تلعب دورًا محوريًا في تشجيع تبني الذكاء الاصطناعي. يمكن ذلك من خلال تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتوفير الدعم المالي والتقني للمؤسسات التعليمية والبحثية التي تعمل في هذا المجال. كما يمكن للحكومات أن تضع سياسات وتشريعات تحمي حقوق العمال وتعزز الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا
رابعًا، يجب دعم البحوث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي لتطوير تقنيات جديدة وتحسين الأداء. يمكن للجامعات والمؤسسات البحثية أن تلعب دورًا كبيرًا في هذا المجال من خلال إجراء الدراسات والأبحاث التي تسهم في تطوير الذكاء الاصطناعي وتحقيق الفوائد المرجوة منه
خامسًا، يمكن أن يساعد التعاون بين الدول على تبادل المعرفة والخبرات في مجال الذكاء الاصطناعي. يمكن للدول المتقدمة أن تقدم الدعم الفني والتقني للدول النامية، مما يسهم في تسريع عملية تبني الذكاء الاصطناعي وتحقيق التوازن في التنمية العالمية
سادسًا، يجب تشجيع الشركات الناشئة ورواد الأعمال على تطوير حلول مبتكرة باستخدام الذكاء الاصطناعي. يمكن للحاضنات والمسرعات التكنولوجية أن توفر البيئة المناسبة للشركات الناشئة لتنمو وتزدهر، مما يعزز من الابتكار ويزيد من فرص النجاح في هذا المجال
سابعًا، يجب أن تُؤخذ المخاوف الأخلاقية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي بجدية. يمكن وضع إطار أخلاقي يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تحترم حقوق الإنسان وتحمي الخصوصية. يمكن ذلك من خلال تشكيل لجان أخلاقية وتطوير سياسات واضحة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتضمن الشفافية والمساءلة
ثامنًا، من المهم أن يكون الأفراد والمجتمعات قادرين على التكيف مع التغيرات التي يجلبها الذكاء الاصطناعي. و يمكن تحقيق ذلك من خلال توفير برامج تدريبية وتعليمية تساعد الناس على اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع التكنولوجيا الجديدة. يجب أن يكون هناك دعم مستمر للموظفين لتحديث مهاراتهم وتعلم تقنيات جديدة تتوافق مع متطلبات سوق العمل المتغير. في الختام، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمعات، ولكنه أيضًا يحمل في طياته فرصًا هائلة لتحسين الحياة وزيادة الكفاءة والابتكار. من خلال فهم المخاوف والتحديات المرتبطة بتبني هذه التكنولوجيا والعمل على تجاوزها، يمكن للمجتمعات أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي وتصبح جزءًا من الثورة الرقمية العالمية بدلاً من البقاء على الهامش. و ختاما يجب علينا أن نتبنى العقلية المفتوحة والمرنة للتكيف مع التحولات التكنولوجية، مع التأكيد على أهمية القيم الأخلاقية والإنسانية في كل خطوة نخطوها نحو المستقبل
ما هي المخاطر التي يمكن أن تنتج عن الذكاء الاصطناعي في تغطيات الأحداث الإعلامية ؟
يمكن أن تؤدي استخدامات الذكاء الاصطناعي في تغطيات الأحداث الإعلامية إلى مجموعة من المخاطر المتنوعة. و من أبرز هذه المخاطر التحيزات والخوارزميات غير العادلة، حيث يمكن أن تعزز الخوارزميات التحيزات الموجودة إذا لم تكن مصممة بشكل محايد، مما يؤدي إلى تغطيات غير عادلة أو منحازة للأحداث. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء ونشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة على نطاق واسع، مما يعقد من جهود التثبت من الحقائق ويؤثر سلبًا على الجمهور. هناك أيضًا خطر فقدان الوظائف بسبب الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، مما يقلص دور الصحفيين والمحررين البشر ويؤثر على فرص العمل في القطاع الإعلامي. و يمكن أن تكون عملية اتخاذ القرارات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي غير شفافة، مما يصعب على الجمهور فهم كيفية جمع الأخبار وتحريرها وتقديمها. يؤدي الاعتماد الزائد على التكنولوجيا إلى تقليل دور الإبداع البشري والتفكير النقدي في صناعة الإعلام. كما يمكن أن ينتهك استخدام الذكاء الاصطناعي في جمع وتحليل البيانات خصوصية الأفراد، خاصة إذا تم جمع البيانات دون موافقة واضحة. تتضمن المخاطر الأخرى أخطاء في التعرف على الأنماط أو تحليل البيانات، مما قد يؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة أو مضللة، بالإضافة إلى التلاعب بالرأي العام من خلال تعديل محتوى الوسائط الاجتماعية أو التحكم في انتشار المعلومات. هناك أيضًا تهديدات أمنية تتعلق بإمكانية تعرض الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي للاختراقات السيبرانية، مما قد يؤدي إلى تسريب معلومات حساسة أو التلاعب بها. لمواجهة هذه المخاطر، ينبغي على المؤسسات الإعلامية والمجتمع وضع سياسات وإجراءات تضمن استخدامًا أخلاقيًا ومسؤولًا للذكاء الاصطناعي في الإعلام، تشمل الشفافية والمساءلة والتدقيق المستمر في الخوارزميات
(يتبع)