التطريزة رقم 14
خديجة رابح: الوعي بأهمية الحرب ضد المستعمر
استهلال مدخلي: الجزء 1
تعج كتب التاريخ والذاكرة الجماعية الشعبية التونسة بأسماء العديد من رجالات المقاومة الذين دفعوا دماءهم ثمنا لتحرير البلاد من براثن الإحتلال . كل ذلك في وقت اغفلوا أو تغافلوا عن قصد أو غير قصد ، التعرض لبطولات نساء ماضلات لعبن ادوارا مهمة ، جنبا إلى جنب الرجال في قهر المستعمر الفرنسي ، الأمر الذي جعلنا نتوقف في هذه المحطة عند تاريخية العديد منهن أمثال : خديجة رابح ومبروكة القاسمي وام السعد يحي والشاذلية بوزقرو
:وقد اخترنا أن تكون البداية مع
أولا : خديجة رابح: إنشاء أول منظمة نسائية تونسية
يعود أمر ذلك الإنشاء إلى سنة 1936 ، بتشجيع من طاهر عبيدي أحد أنصار المفكر التونسي طاهر حداد ، الذي كان يشجع المرأة على إنشاء مؤسسات موازية لتلك التي يشارك فيها الرجال ، وهكذا سيتم خلق الاتحاد النسائي الإسلامي الذي يعود له في استقطاب العديد من النساء المنتميات إلى جميع الفئات الإجتماعية واستطاعت تنظيم لقاءات شهرية متميزة ، جٌمِعَت خلالها الأموال ونظمت المهرجانات الخيرية ، لتوزيع المساعدات الاجتماعية على الأشخاص الذين يعانون من تبعات مختلف الكوارث الطبيعية … وكانت الأهداف الرئيسية لها ، تتحدد في توعية النساء بأهمية التعلم وخلق الروابط الوثيقة بين النساء من جميع الفئات ، ومع مرور الوقت ارتبطت مصلحة المرأة بالمشاركة السياسية ، والوعي بأهمية الحرب ضد المستعمر . وعموما فقد لعبت هذه المنظمة الدور الحيوي في تطور صورة المرأة التونسية وتوسيع نطاق تأثير العمل والجهد النسائي في جميع أنحاء الجمهورية
وقد نخلص الى أن هذا العمل قد ركز على تأثير دور المرأة في الحركة الوطنية التونسية ومساهمتها التوعوية للرجال في المقاهي ، بغية الخروج في التظاهرات ونقل الرسائل السرية . وقد انجزن الكثير من المهم الخطيرة كصنع القنابل ونقل الأسلحة وما إلى ذلك ، هذا علاوة على أنهن كن يعقدن الإجتماعيات السرية في منازلهن وحتى في المقابر
:خديجة رابح سليلة أسرة مقاومة
هي ابنة مدينة المطوية التابعة لمحافظة قابس، وقد رأت النور بها سنة 1910 ، لتنتقل بعد ذلك رفقة أسرتها للعيش في تونس العاصمة سنة 1930 وتشتغل في مجال الخياطة ، محققة أرباحا كثيرة من عملها ، وظلت كذلك إلى حين اتخادها قرار الإنضمام لصفوف الحركة الوطنية ، وفي هذا الصدد نجدها تقول : شاورت راجلي قلتله ؛ اسمع ياولد عمي ، توا كيف باش تولي حركة وطنية راني باش نُخٌشْها ، وتسامحني كان متت ، والا عشت والا تربطت ، والا اللي يصير علي مابينا السماح ، قالي مسامحك
وعن هذه المناضلة تقول الباحثة التونسية ليليا العبيدي في كتابها المعنون ب ؛ جذور الحركة النسائية بتونس : أنها تنحدر من عائلة من عائلة مقاومة للاستعمار الفرنسي، بدءا من جدها محمود صويلح الذي كان قد حارب الاستعمار وأذاق فرنسا الأمَرًَين ، وكان يقول : لا نحتمل دخول فرنسا إلى بلادنا ، ولن نرضخ لها . وتضيف ليليا العبيدي قائلة أن جدة السيدة خديجة رابح ، كانت قد حكت لحفيدتها ذات مرة عن دور النسوة في المقاومة التونسية قائلة أنهن كن يحملن الماء للمجاهدين
وبعد أن انتشرت القوات الفرنسية في كل أنحاء مدينة قابس ، ولم يبق في المواجهة إلا أهالي مدينة المطوية تمٌَ إيقاف القتال خوفا من أن تفتك فرنسا بالرجال ، وتعذب النساء ، وعندها هرب جدي إلى طرابلس واصطحب معه والدي الذي لم يتجاوز الخمس سنوات ، وكان يقول : لن أبقى في بلاد دخلها النصارى ، وصاحبته بقية العائلة إلى ليبيا ، التي بقي بها ثلاث سنوات وأنجب خلالها ثلاثة أبناء ، ولم يرجع إلى البلاد إلا بعد أن أرسلوا اليه وفدا أقنعه بالعودة …. وكنا ننتهز الفرص للخدش في سياسة فرنسا والتنديد بممارستها لأنها عذبت أجدادي ، كما طالتنا كل أشكال التنكيل من الضرب المبرح إلى دفع الأداءات المجحفة ، والى إتلاف الأرزاق والاستيلاء غصبا عليها
:بدايات خديجة في الحركة الوطنية
وتضيف خديجة رابح قائلة بأنها شاركت هي وابنة عمها المسماة أم السعد ، وكانتا من الأوائل اللائي ساهمن في الحركة الوطنية ، التي كانت تخلو أنذاك من العنصر النسوي وتقول لقد شرعنا في 9 أبريل من عام 1938 ، لما بلغنا أن المجاهد علالة البهلوان في طريقه للمحاكمة ، اصطحبت أم السعد واثنى عشرة امرأة أخرى متنكرات وواضعات الأغطية على رؤوسنا ، وأقبل مئات من تلاميذ جامع الزيتونة ، فتصدينا للسيارة التي كانت تنقل البهلوان ، في محاولة منا لتعطيل المحاكمة، وهو الأمر الذي أسفر على اندلاع مواجهات عنيفة مع جنود الإحتلال الفرنسي ، وقد أزهقت على اثر ذلك العديد من الأرواح ، وسال الدم من القصبة إلى باب السويقة ، وبعدها هربنا عائدات إلى المنازل . ومن هنا بدأت رحلتها النضالية الحقيقية ، وتضيف أنها بالإضافة إلى ابنت عمها ورفيقة دربها أم السعد يحي ، فقد تعرفت إلى الشاذليه بوزقرو ، وأنشأن شعبة نسائية قرب مقام الولي الصالح سيدي محرز ، وذلك بطلب من الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة . ومع ازدياد عدد المشاركات شيئا فشيئا ، أصبح نساء هذا الثالوث النضالي يلقين الخطب لتحميس المواطنين وتأليبهم ضد المستعمر
وهكذا تعددت أشكال نضالها وتنوعت ، ولم تكتف بالدعوة إلى الإضراب عن الطعام فحسب ، بل عمدت إلى تقديم المساعدة لرجال الحركة الوطنية في كل مهامهم النضالية ، واسهمت في إنجاح الإضراب عن استعمال ناقلات الترامواي لمدة ثلاثة أيام ، فكان في كل محطة رجل وامرأتان لمنع التحاق الركاب ، وتتذكر كذلك كيف أسهمت في اخفاء الأسلحة لدعم حركة المقاومة ، وكيف كانت تجمع النساء لطبخ الوجبات الغذائية ووضعها رهن اشارة المساجين
وتذكر أنها انتحلت صفة بائعة الصحف ، حتى تستطيع الوصول إلى جامع القصبة للقيام بما هو مطلوب منها . كل هذا بالإضافة إلى أنها ورفيقات دربها ، كن يفرضن الحزن ويحاولن التفاوض مع الأهالي من أجل تأجيل حفلات الزواج ، والاحتفال بالأعياد ، وكن يحرضن الأطفال ويزودوهم بالحبر لرش كل مت يرتدي ثيابا جديدة
وتضيف ليليا العبيدي قائلة في كتابها المشار اليه سابقا ، أن هؤلاء المناضلات كن قد بدأن عملهن السري والعلني ضمن دائرة الأماكن التي تعتبرها التقاليد خاصة بالنساء فقط ، كالحمامات والحفلات والمقابر، وفيها حققن تكوينهن السياسي . وتضيف قائلة : لقد انضمت هؤلاء النسوة لحركة النضال من دون أن يعارض ذلك الحس الهوية الثقافية للمجتمع الذي كن ينتمين اليه ودفعن الثمن باهضا ، فهن اللواتي ضحين بشعرهن وبجوارحهن وبأدوات زينتهن، وتعرضن للاجهاض وللحوادث العابرة ، وفقدن ترواثهن أو متن في سبيل تحقيق ارادتهن
سنواصل الحديث عن باقي المناضلات تباعا في التطريزات القادمة