الشاعرة جاكلين سلام ضيفة بيت الخيال
المبدع الذي يكتب عن الآخرين هو في الحقيقة مبدع استثنائي: الجزء ١
:استهلال أولي
سعيدون جدا في أن نحط الرحال بقراء جريدة ألوان في ” صالون بيت الخيال ” بكندا ،الذي نشط جلسته الروائي والاعلامي التونسي الكندي “كمال الرياحي “ وقد استضاف في هذه الأمسية الشاعرة والمترجمة السورية الكندية : جاكلين سلام
نقدم لقراء ألوان نبذة تعريفية عن السيدة سلام
الإسم الأدبي لـلكاتبة والشاعرة السورية الكندية جاكلين حنا. مواليد سوريا، مدينة المالكية
شاعرة، مترجمة، صحفية، هاجرت الى كندا 1997
عضو اتحاد كتّاب كندا، وعضو منظمة قلم كندا الدولي لحرية التعبير، وعضو مجموعة كتاب المنفى في كندا منذ 2005
حازت على جوائز أدبية وشهادات تقدير من جهات مرموقة كندية في حقل الكتابة الإبداعية وحقوق المرأة وحرية التعبير
لها عدة مشاركات ضمن مهرجانات ثقافية وأدبية، نذكر منها مهرجان تورنتو الدولي للمؤلفين: حوار حول الشعر والكتابة والحرية” خلال سبتمبر 2023
تدير صالون جاكلين سلام للحوارات من كندا الى العالم
ترجمت بعض قصائدها إلى الإنجليزية والفرنسية والسويدية
صدر لها
كتاب فكري أدبي يضم حوارات ومقالات وترجمات بعنوان: حوارات على مرايا الهجرة، عن مطبوعات “الضفدعة المجنحة”، غشت 2023
الأعمال الشعرية المنشورة
تطعم الغيمات برتقالا، طبعة ثانية لديوان بعنوان رقص مشتبه به ( الضفدعة المجنحة) 2022
جسد واحد وألف حافة، دار هماليل، أبو ظبي، 2016
المحبرة أنثى، دار النهضة العربية، لبنان، 2009
رقص مشتبه به، توزيع الدار العربية للعلوم، لبنان 2005
كريستال، دار الكنوز الأدبية، لبنان، 2002
وديوانها الأول بعنوان “خريف يذرف أوراق التوت” نشر الكترونيا، شبكة المرايا الثقافية
قيد الإنجاز للنشر
مجموعتان قصصيتان، مجموعة شعرية، كتابات سردية في أدب الرحلة واليوميات، ترجمات من الانكليزية إلى العربية، كتاب نقدي عن مكانة المرأة في آداب الشعوب والشرق الأوسط عربيا وعالميا. وكتاب عن الكتابة والمهارات الإبداعية
**************************
:يبتدأ ” كمال الرياحي “ هذه الأمسية الماتعة بقوله
مرحبا بالجميع
نلتقي في بيت الخيال اليوم بواحدة من الكائنات الاوركسترالية التي تكتب في حقول وأنواع أدبية مختلفة ، ونحن سعداء أن نلتقي مع ” جاكلين سلام ” الكاتبة السورية الكندية التي عرفتها كشاعرة أصدرت دواوين شعرية ، وكان لها باع في الصحافة الثقافية كمحاورة ومراجعة للكتب وناقدة ، وقامت بالعديد من الاستطلاعات واللقاءات الثقافية بكندا لسنوات طويلة ، إلى جانب صالونها الذي كان له ومازال حضور رقمي وعيني، وهو الذي قدمت فيه العديد من الأعمال والأصوات العربية ، سنحاول اليوم ان نتوغل معها ومعكم حول أفكارها
و لأن المبدعين ينقسمون إلى صنفين ، هناك المبدع الذي يترك نصوصه تتكلم و آخر يكتب ويدلي بدلوه في أمور كثيرة وهو صاحب أراء ومواقف من العالم ، إلى هذا الصنف تنتمي ” جاكلين سلام ” . وهذا النوع بالنسبة إلي شخصيا كمحاور هو الأمتع
جاكلين من الكتابات اللواتي لهن موقف من الكتابة وأنواعها وأجناسها الأدبية، وهو الأمر المغري، فأهلا وسهلا بك “جاكلين سلام” وانا سعيد بأن تكوني معنا اليوم
جاكلين سلام: أشكر كمال وأشكر كل الأصدقاء الحاضرين الذين يرغبون في أن يكونوا اضافة لهذا الصالون الفكري ، وبالرجوع إلى كتاباتي عن الكتابة كمشروع أقول ، لقد بدأت منذ سنة 2004 بمراجعة الصحف اللبنانية وما زلت مصرة على أن يكون هذا العمل موضوع كتاب لاحق
جاكلين سلام: أشكر كمال وأشكر كل الأصدقاء الحاضرين الذين يحبون أن يكونوا اضافة لهذا الصالون الفكري ، وبالرجوع إلى كتاباتي عن الكتابة كمشروع أقول : لقد بدأت منذ سنة 2004 بمراجعة الصحف اللبنانية وما زلت مصرة على أن يكون هذا العمل موضوع كتاب لاحق
كمال الرياحي: اعتقد أن الذين يكتبون عن الكتب هو من الكرم الذي يقدمونه ، وآخر مراجعة قرأتها لصديقنا ” كريم شعلان” لرواية : كالييا لصديقتنا آسين شلهوب، وهذا فيه الكثير من الحميمية التي نبحث عنها ، وان نصل إلى المرحلة التي نقرأ فيها نصوصا ثم نكتب عنها ، والمبدع الذي يكتب عن الأخرين هو في الحقيقة مبدع استثنائي، لأنه تجاوز مرحلة القوقعة في هذه الشرنقة الإبداعية كي يشارك الأخرين في قراءاته وابداعاته وأعتقد أن فيها الكثير من الكرم والمتعة
جاكلين سلام: أنا أؤكد على ذلك، فمرة كنت مع صديقة شاعرة رومانية فقالت لي ( شو بتعملي ) قلت لها أكتب مقالي كذا وكذا ، فقالت لي أستغربكيف تعطي وقتك للآخرين ، فأنت شاعرة وتكتبين كتاباتك ، فلأول مرة أسمع من يقول لي هذا وقتك أنت . وأنا أحس انه من واجبي بعد قراءة أي كتاب أن أنقل للآخرين ما تعلمته منه ، وفي ذلك كرم كبير للتخلي عن الذاتية بالأساس، وأنا احب ان أوصِلَ رأيي في أي كتاب أو أي ظاهرة اجتماعية للآخرين
كمال الرياحي: إن فكرة تبادل المحبة تتم بطرق مختلفة ، منها الاهتمام بأعمال الأخرين وأن قراءتنا للآخرين هي جزء من التكوين، وسنعود لاحقا إلى الحديث عن مهنتك وهويتك باعتبارها جزء من الكتابة ، وما دمنا نتحدث عن هوية الكاتب فنجد أن “ امين معلوف” يتحدث عن الهوية المركبة ، فهو اللبناني الفرنسي صاحب التركيبة المركبة لهذه الهوية ، وفي كتابه : الهويات المتقاتلة تحدث طويلا عن الالتباس في الهوية الذي يقوم على التراكم، فلم يعد لبنانيا فقط ولا فرنسيا فقط ، لأن هذا التراكم يجعل منه الهوية ونفس الشيء عندما يتحدث ” إدوارد سعيد ” عن الهوية وعن إسمه ، فحتى في إسمه تناقضات كبرى ، جزء غربي مسيحي وجزء يشير إلى أنه عربي مسلم ، فهو الفلسطيني الذي عاش في مصر ثم في انجلترا ورغم انه يتحدث الانجليزية ، فان الهم العربي عنده حاضر ، فهوية مركبة ومتنوعة
نحن أمام ” جاكلين سلام حنا “: فاسمها يدعونا إلى التنوع ، فأمها من “القامشلي ” وقد هاجرت إلى كندا لتعيش في مجتمع ناطق بالإنجليزية، وعليه فكيف تعيش جاكلين هذا التراكم الهوياتي ؟ وما الذي أحدثه فيك ؟
جاكلين سلام: الهوية الثقافية التي كانت من خلال القراءة والترجمة، جعلتني كونية ، فأنا انتمي إلى جاكلين وفي نفس الوقت انتمي إلى الكون ، إلى الثقافة العالمية التي نهلت منها وأكلت وشربت منها، وتعلمت فيها ، ثم تأتي الهوية الثانية وهي – بطبيعة الحال – الأصلية ، وهي السريانية ثم العربية ثم الكندية ، فأنا في الحقيقة خليط من كل هذه الأماكن، وأحب أن أؤكد أن إحساسي بالانتماء هو إحساس بمقدرتي على التواصل ، فآخذ و أعطي، وهو الأمر الذي يشكل لي الهوية والانتماء ، فأمي من القامشلي وأنا من الهوية السريانية المسيحية الانجليزية الكندية السورية ، وبالتالي فالهوية هي ما نقدمه وما اكتسبناه ، فنرتقي بها بدل التركيز على العنصريات القاتلة التي تعاني منها المجتمعات
تعقيب كمال: هناك تقاطعات بين الحياة في الهجرة والمنفى ، فهل يعيش العربي محاولة استبدال الهوية بشكل عام ، وفجأة يجد نفسه معقود اللسان ويجب ان يتخلى عن اللسان الأول له ويتوغل بلغة أخرى ، فهل هذه عملية سهلة للمحافظة على التوازن النفسي للمبدع عندما يكون ناطقا بلغة ، وفجأة يجد نفسه مضطرا للحديث بلغة أخرى؟
الجميع هنا يحس صعوبة هذا الاجتثاث من اللغة الأولى، والتواجد والتجدر في الأمكنة الجديدة ، وهذه معادلة صعبة ولهذا السبب ، حرصت على أن أبقى دوما أكتب باللغة العربية ، لأنها هي اللغة الملتصقة بي ، فالسريانية كانت مهمشة بعد دراستنا للغة العربية ، فالتجذر في هذا المكان صعب ، ولذلك تبقى اللغة الأم هي الجسر الذي نظل نشتغل عليه لأنه جزء من هويتنا ، واللغة الأخرى هي التي أعيش منها ، فأنتج وأتواصل مع الناس الآخرين
كمال الرياحي: يقول الأديب المغربي ” عبد الفتاح كيليطو” اذا أراد المرء أن يتجدد فعليه أن يغرب كما تغرب الشمس ، وأنه في ذلك الغروب والهجرة يكتسب ثوبا جديدا وحياة موحدة ، ثم انه بذلك الغروب سيجعله بعد مدة ، وبعد أن يشرق على الآخرين فسيعود ليشرق على أهله بشكل جديد ويتلقونه بشكل جديد كذلك ، وبذلك فالهجرة تبقى كشكل من أشكال التجدد . وكيليطو يعتبر أن الآخر لا يسمح لك بأن تتحدث لغته حقيقة
وعادة ما ينتشي بلَكْنَتِكَ وبعدم صفاء لغتك ، وأنه مهما تمكنت من لغته كل التمكن ، فإنه لن يكون سعيدا ، وهناك كتاب ” أنت لن تتكلم لغتي ” والمسألة هنا فلسفية بالأساس ، وفي كندا لا مشكلة أن تخطأ أو تتحدث بلكنتك ، وكأن هناك تنازل من الآخر لكي يتم التواصل ، ويشير ” عبد الفتاح كيليطو ” إلى أن ذاك الآخر هو أصلا لا يريدك أن تتقن لغته كل الإتقان
جاكلين سلام: ولعل المسألة هنا تتعلق بسلطة اللغة الحاكمة ، وفي هذا الإطار كنت قد كتبت سنة 2010 مقالا عن سلطة اللغة الحاكمة من خلال تجربة الشاعرة الأمريكية الزنجية “ريتا دوف “ فاللغة التي نتعلمها ونحن كبارا تكون لهجتنا ونطقنا لها وعدم مقدرتنا على التلفظ الصحيح لها ، سببا من أسباب القضاء علينا ، وهو الأمر الذي دفع بديكتاتور افريقي (هاييتي) إلى تقسيم الناس بناء على نطقهم لكلمة انجليزية ، فقرر أن يقتل عددا كبيرا من الناس بسبب عدم قدرتهم على النطق الصحيح، وهكذا نجد أن الآخر يمارس سلطته بكل عدوانية . فأنا اعرف العربية بهذا الشكل فأستطيع أن أكون قويا ومسيطرا . ف” سليم بركات ” وهو كردي يجيد اللغة العربية ويستخدمها كسلاح وكتواصل، فإشكالية اللغة دائما لها الكثير من المهام
كمال الرياحي: لقد أصبح ” سليم بركات ” مثل الاسطورة اللغوية داخل الثقافة العربية ، وأصبح الكثير من النقاد يرددون تلك العبارة الشهيرة ل” ادونيس ” بأن اللغة العربية ( هي في جيب سليم بركات ) وكأنه من يعتبره قد تورط في مسألة القتال اللغوي داخل الثقافة العربية والهويات الأقلية ، فمثلا نجد أن ” كافكا ” كان يكتب بالألمانية وهو يهودي ، واذا اعتبرنا أن هناك عداوة بين الثقافة العربية والثقافة الكردية ، أو ما بين الثقافة العربية والثقافة الأمازيغية ، فإن كتابتك بلغة الآخر غير الحميم – حتى لا نقول العدو – قد تورط بعض الكتاب وكأنهم يريدون استعراض قدرتهم على اتقان اللغة العربية من الغرب أنفسهم، وهذا هو ما ادخل – حسب بعض النقاد – “سليم بركات ” في عَجْمَةٍ، بمعنى أنه أصبح غير مفهوم بقدر ما أصبحت كتابته معجمية ، بمعنى انك لا تستطيع أن تستمر في قراءة كتاباته بسلاسة لأنه يستعمل مصطلحات ما نسميه في اللغة العربية بالمهمل و الحوشي الذي سقط من المعجم اليوم ، فهناك عقدة نفسية وضع ” سليم بركات ” نفسه فيها ، وكأني به يريد أن يقول انا استطيع ان اتحدث لغتك افضل منك والدليل انك لا تفهمني وانا اتحدث اللغة العربية
جاكلين سلام: اعتقد ان الأمر في النهاية هو اقتتال على السلطة اللغوية ، وفي نظري نحن لا نحتاج الى هذا الشيء فعندك مساحة للغتك ويجب أن نعيش ونتعايش مع وبكل هذه اللغات ، فلكل منا مساحة للغته ، ويجب علينا أن نتواصل….فالكردي .فالكردي يجرب لغته والعربي يحكي لغته ، ونحن هنا نحكي باللغة العربية وفي موقع آخر نحكي بالإنجليزية ونستعمل اللغة التي يتفاهم ويحكي بها الآخر خاصة وان قوة الكتابة هي في البساطة والعمق ، فأنت تكون بذلك قادرا على التأثير في الآخر وفرض احترامك عليه
كمال الرياحي: وهناك رأي آخر مخالف لكل هذا ، فعندما نعود إلى ” سليم بركات “ ، نجد أنه منع من التحدث بالكردية في طفولته، ونفس الشيء حدث مع “محمد شكري” في المغرب عندما كان يتحدث باللهجة ( الريفية) وأنه كان لا يعرف اللغة العربية ولم يتعلمها ، وبسبب تلك اللهجة كان يقمع في الشارع من طرف أقرانه ، وفي آخر سنوات حياته كان يتحدث عن هذه الإشكالية ، فلا يمكنه أن يتخلى عن امازيغيته ، وعندما كتب ( الخبز الحافي ) وارسله إلى ” سهيل ادريس ” بدار الآداب ، طلب منه سهيل ادريس التخلص من بعض العبارات التي يعتبرها غير لائقة وان يُفَصِّحَ أو يُعَرب بعض الكلمات التي كان يَتَقَصَّد شكري أن يُنَزلها بالأمازيغية ، فكان أمام سلطة دار الآداب التي تمثل سلطتي الثقافة واللغة العربية ، غير أن الكاتب أصر على أن يبقى النص على ما هو عليه ، ويقول شكري أنه اقترح ناحتا الكثير من العبارات في اللغة العربية ، فالعقدة النفسية من لغة الآخر قد تولد ابداعا ما . وهناك أيضا من يعتبر أن ” سليم بركات ” بتجربته الروائية قد أقام خطا موازيا للرواية المحفوظية – نسبة إلى نجيب محفوظ – وخط خطا آخر مغاير للروائي نجيب محفوظ
كمال يتساءل: من هذه النقطة المتعلقة بسليم بركات ، وهو الشاعر الذي كان له كبير الأثر في تحول التجربة الشعرية عند الشاعر ” محمود درويش ” الأمر الذي يعترف به محمود عندما كتب قصيدته ( ليس للكرد إلا الريح ) ، وهو الذي لم يسبق له أن مدح اي كان . والهوية الشعرية لك جاكلين وانت الشاعرة صاحبة الخمس دواوين شعرية ، فما الذي يجعل من الشعر امرا ممكنا ؟ وما الذي يحول دون حدوثه ووقوعه بالنسبة لك ؟
جاكلين سلام: أعتقد أن لكل إنسان تفضيل لشيء عن الباقي ، فهناك التفضيل اولا ثم الاستعداد ثانيا ، وبناء عليه يكون الاختيار هل سأكتب شعرا، أو رواية، أو قصة، أو فنا تشكيليا ، كما يمكن أن اشتغل على كل ذلك .فبدايتي كانت بالخربشة الشعرية ، ولم أقرر رغم ان أول قراءاتي كانت للرواية ، فوجدت نفسي مرتبطة بملكة أن أقول الشيء دون أن أفصح عنه بمعنى أن أضمر وأستتر ولما قرأت لمحمود درويش ( يطير الحمام )
: التي يقول فيها
يطير الحمام
يحط الحمام
أعيدي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبك حتى التعب
صباحك فاكهة للأغاني
وهذا المساء ذهب
، لم أدر هل اختارني الشعر أم اخترته . وفي نفس الوقت كنت قد كتبت قصة قصيرة انا الناشرة للشعر لأني أحبه