د. بخيت إسماعيل ضحيَّة علي سِيَّاد: الشاعر والروائي السوداني

د. بخيت إسماعيل ضحيَّة علي سِيَّاد: الشاعر والروائي السوداني
 السودان: فدوى سعد أحمد يوسف

أكتب لكل من يحب الكلمة وأحب مصارعة الأمواج وأعشق السباحة عكس التيار

د. بخيت إسماعيل ضحيَّة علي سِيَّاد، دبلوماسي، روائي، كاتب وباحث سُّوداني، مهتم بالعمل الثقافي والتراثي والاجتماعي، من مواليد مدينة الفاشر بغربي السُّودان – حاصل على درجة البكالريوس في الآداب من السُّودان ودرجة البكالريوس في القانون العام ودرجة الماجستير في علوم الهجرة من  جامعة لندن ثاوث بانك بالمملكة المتحدة ودرجة الدكتوراه في فلسفة العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية من جامعة الزعيم الأزهري بالسُّودان. ولديه العديد من الأعمال الأدبية المنشورة، منها؛ رواية لعنة الليمون، ورواية نكشات في قفص قفص الأنانية. وله تحت الطبع وقيد النشر عدة كتب، وروايات وأعمال أدبية؛ فِلل الدُوسر وحِكاية زول جنَّ ورجل يهوي الخِلاف وغيرها من الأعمال الإبداعية التي يتوقع لها انَّ ترى النور في القريب المنظور بحول الله وتوفيقه، ومن أحدث منشوراته هو كتابه الذي جاء بعنوان؛ صنع القرار والمشاركة السياسية في السُّودان خلال الفترة من 1953م  – 2015م”.  وكما أنَّه شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات وورش العمل محليًا واقليميًا ودوليًا

مدينة الفاشر:مكان وبيئة التغذية الإبداعية بامتياز، بدأت الكتابة إيحاء من البيئة المحيطة بك…حدثنا عن حقيقة ذلك؟

بالنسبة لي مدينة الفاشر تعني كل شيء في حياتي، انها مدينة ساحرة وجاذبة بمعنى الكلمة، مدينة حضرية عصرية موغلة في الإبداع والتثاقف والتباري الأدبي، هي مدينة اصحاب اللياقات البيضاء، مدينة مزدانة بالإبداع ومكتنزة بالمبدعين والمثقفين النوعيين، انها مركز اشعاع ثقافي ومعرفي ردحًا من الزمان في محيطيه القرب والبعيد، كانت حاضرة السلطان قديمًا ومقر الحكم المدني حديثًا، استطاعت ان تجمع بين قيم الريف الراسخة في النبل والطهر والنقاء وقيم المدينة التي تحمل معاني الرقي والتطور والتحديث وكل ما هو جديد ومثير، وامكنت من ان تزاوج بين حكاوي الماضي وقصص الحاضر، وامتازت عن غيرها من مدن السُّودان في احتشاد مجالسها ومنابرها بالرواية المحكية والقصة المروية والمنقولة شفاهةً وتجسيدًا وتشكل الغناوي والرقيص جزءًا غير يسير من تكوين انسانه الفنان المبدع، ولكل ذلك لا غرو ان قلت ان لميلادي وعيشي وترعرعي بها دورًا بارزًا في تشكل وجداني وتحديد اتجاهات تفكيري مبكرًا نحو سوح المعرفة ونهم العلم والتعلم بصورة عامة وإلى الأداب والشعر والقصة وكل دروب الإبداع بصورة خاصة

يسعدنا والقراء المهتمين بإبداعاتك أن نعرف حكاية البداية الفعلية للولوجك عالم الكتابة أستاذ بخيت ضحية؟

كانت بصالة في الطابق الـ 65 بفندق انتركوتاننتل القابع وسط مدينة هانوي المزدحمة بفيتنام في 2017م، حيث ذهبت إلى الفندق ضمن اخرين لتوديع السُفراء الذين انتهت فترة عملهم بدولة التمثيل، خطر ببالي سؤال “لما لا اكتب؟”، منذ ذلك اليوم شرعت في التدوين والتسجيل والتوثيق والإعداد والتخطيط وهكذا بدأ كل شيء ومن هنا كانت البداية الأولى على نحوٍ ما ومن تلك المحطة تحركت شخوص رواياتي فظللت اتبعهم منذ يومها وحتى اليوم وهم يمضون هكذا بلا توقف

 لمن تكتب؟

أكتب لكل من يحب الكلمة والمفردة والحرف والجملة ويعشق كل ما هو جميل، يشتم عبق الكتب ويتنسمه في عمق وحب غير معهود، يغوص بين جنباتها ويختفي بينهما بلا توقف، يقرأ بين السطور وما بينها، يتبين المعاني والمقاصد والحروف، ويسترجع بعضًا مما يقرأ حين يعزم على ذلك، وكما انني أكتب لكل من يحب المعرفة والإطلاع ويدافع عنهما ويبذل روحه رخيصةً من أجلهما ويجانبهم إلى ما لا نهاية، أن يكون من طينة القراء المخلصين المجيدين

ما مدى تأثير التنوع الثقافي / المكاني / الزماني على الحالات الكتابية؟

بلا شك ان للتنوع والتباين الثقافي المكاني والزماني وتعددهما أثر بليغ في تشكل الذوات الإبداعية لدى كافة المجتمع، وهي أمور تعين على تخطي عتبة الأحادية الإبداعية والنظر للأشياء من زاوية واحدة ومنفرجة، ينكفي على ذاته ويبحث فيه، بخلاف المتنوع ثقافيًا ووالمتباين مكانيًا وزمانيًا الذي ينظر للأمور من قوالب شتي ومداخل مختلفة وزوايا متعددة، ويمكنهما تصوير المشاهد ونقلها في حلل زاهية وبألوان متعددة وبنكهات مختلفة، يعكس التنوع ويحتفي به

 لعنة الليمون” باكورة اعمالك : احك للقراء عن  الزمان والمكان والدافع المحفز لهذا العمل الجميل؟

في بداية الأمر كنت أنوي أنَّ أطلق عليها اسمًا مغايرًا هو “حياة واحدة لا تكفي”، لجهة أنَّ الفكرة في أصلها نبعت من هنا، ولكن لسبب ما عدلت عن الفكرة وأطلقت عليها “لعنة الليمون” ولحسن الحظ لم أندم على هذا التعديل وبقيت من اكثر الأسماء التي حفيت بها وحريَّا بي أحفل بها، والمحفز في كل الأحوال في انجاز هذا المنجز كان وما زال رغبتي في حكي سير جديدة بطرق مختلفة لوقائع غير مألوفة في مجتمع متنوع ومتعدد في كل جوانبه وتمظهراته، وآمل في اتمام جهود الأخرين للمساهمة معهم في مشروع رسم لوحة إبداعية أدبية وطنية زاهية تمثل فسيفساء التكوين السُّوداني العريض والمتفرد في كل شيء

 محيط الرواية السودانية ممتلئ بتناول العادات والموروثات ، بماذا تفردت رواية لعنة الليمون؟

لعنة الليمون تميزها سمة الجمع بين الارث الشعبي المنبعث من عمق الريف السُّوداني والارث المدني الحضري العمومي،  إلى جانب الجوامع الثقافية بين مكونات الدولة السُّودانية وفضاءاتها الطبيعية القريبة والبعيدة، ولكون الثقافة كما الريح تعبر الحدود وتنتقل بينها وإلى جهات أخرى بكل يسر وسهولة، وأن أهم ما يميز رواية لعنة اللمون على سواها من الأعمال الإبداعية والأدبية هو تفردها في التطرق إلى مسألة في غاية الأهمية في مجتمعنا السُّوداني ببعديه الريفي والحضري ألَّا وهو مضار التمسك الأعمي بالعادات والتقاليد واثر هذا التمسك على حياة الإنسان السُّوداني بصورة عامة

 هل يمكننا أن ننعت  أعمالك الروائية بأنها روايات معرفية؟

يمكنك ان تقول بانها شيء من هذا وربما خلافه، رواياتي جامعة بين المعرفة والتاريخ والجغرافيا والخيال وبعض من الميتافيزيقيا والارث الاجتماعي الريفي الآخذ في التلاشي والإنحصار

 ٱريا خطوة تحت الإجراء: حالة كتابية أختلفت تماماً عن روايتك الأولى، حدثنا عن التجربة، الموضوعية، اللغة، ومن حيث مدى التغيير والتنوع؟

أجزم أنَّ كل عمل إبداعي أو منجز أدبي يقوم على ساقين مختلفين يسلك مساره الخاص، قد يتشابه ويتقاطع مع عمل آخر وقد يتأثر به إلى حدٍ ما ولكن ليس بالضرورة ان يماثله، لذلك جاءت اريا – خطوة الإجراء مختلفة نسبيًا وشكلاً ومضمونًا، وموضوعًا ولغةً وزمانًا ومكانًا وفي كل شيء. والإختلاف الأبزر بين روايتي “لعنة الليمون” و”اريا – خطوة تحت الإجراء” الذي قد تخطئه العين الحصيفة يكمن في طبيعة تكوين الأشخاص في الروايتين ورغباتهم واتجاهات تفكيرهم ورائهم ونظراتهم للحياة وطرائق التعاطي مع من الأشياء التي من حولهم وطريق الاستجابة والرفض والتماهي والمقاومة. ومن هذه الزوايا نلحظ ان اريا – خطوة تحت الإجراء تفردت عن لعنة الليمون ومن الزوايا التي كتبت بها لعنة الليمون تفردت عن اريا – خطوة الإجراء، فالاختلاف في كل الأمكنة والأزمنة وفي كل شيء، يعد سنة كونية وبالأخص بين الأعمال الجديدة والقديمة وحتى تلك المنجزة في وقت واحد او متقارب والروايات مثالًا قائمًا، ومن هذا المنطلق قد تجدني أشجع الاختلاف وأسهر من أجل تنميته وترقيته

  بعض كتاب الرواية اعلنوا اعتزالهم التام عن كتابتها، ترى ما السبب وراء هذا الإنسحاب برأيك؟

المبدع كالمعلم لا يفتر ولا يعجز ولا يركن لضغوطات الحياة وصروف الأيام والدهور وتقلبات الأوضاع، يمضي إلى الأمام باستمرار زفي ثبات مدهش، المبدع قد يمل ولكنه لا ييأس، يسعى دومًا إلى الأفضل، هناك من يعتزل الكتابة بفعل الاكتفاء ولكن لا أحد يستطيع الصمود في خانة الاعتزال طويلًا، نشوة الكتابة جارفة، لان الكتابة بكل بساطة حالة إبداعية مزاجية تصيب المبدع ولا يمكن الفكاك منها بسهولة وأنَّها كالجذب المغنطيسي قوي ومحدد الاطار وقد يجبرك قسرًا لمعاودة الابداع والانتاج

 التنوع الكتابي أظهر في إصدارتك التوثيقية التاريخ السياسي في السُّودان . هل المسؤولية المجتمعية أم طبيعة العمل هي الدافع لذلك؟

هذا العمل متصل مباشر بتخصص مهني قديم، أحبه وأبغضه في ذات الوقت، وللأمر أهمية قصوى لذلك أسعى مرات عديدة لإعادة نشره بغية تعميم الفائدة ونقل التجربة

 عادة يقال : شاعر اتجه إلى الرواية، أنت روائي اتجه  للشعر حديثاً.. ؟

أحب مصارعة الأمواج وأعشق السباحة عكس التيار كثيرًا بيَّد أني لم أعد العدة لذلك في كثير من الأوقات، تأتيني فكرة المقاومة هكذا دون سابق نية أو أصرار أو ترقب أو ترصد، وإنٌ علمت أنَّ الرواة أتجهوا للشعر سأتجه فورًا للرواية والعكس صحيح، وأحرص على المدوامة في هذا الحال وأعزم البقاء فيه وما أنا إلَّا ذلك الشخص الذي نذر نفسه إلى معاداة القديم والمعهود والقائم من الأشياء فيما عدا العادات والتقاليد وارث الريف السُّوداني العميق وموروثات مجتمعنا الكثيف

رايك بصورة عامة للوسط الثقافي السوداني الآن ودور النقد …؟

ما زال الوسط الثقافي السُّوداني يحتل موقعًا مرقومًا بين الأمم وخاصة على مُستوى المحيط المحلي والاقليمي والعالمي ويحظى باحتفاء واحترام كبيرين من كل إجناس الأرض، إلَّا أنَّ كل شيء بدأ يتراجع نسبيًا في محيطينا العربي والأفريقي ولكن ما هذه الفترة إلَّا بيات شتوي وبعدها ستعود المياه والحياة إلى طبيعيتهما ككل مرة وتدخلان في دوامة الوجود من جديد أكثر قوةً وحيويةً وبريقًا وأملًا، أما النقد شأنه شأن الاخرين، فلا نقد بلا انتاج، فهو يتحرك وينشط بفعل رياح المنجزات الإبداعية

ماجديدك والمشاريع المستقبيلة؟

هنالك ثلاث أو أربع أعمال أدبية في الطريق، آمل أنَّ يروا النور في القريب المنظور وهم على سبيل المثال لا الحصر؛ رواية فِلل الدُوسر ورواية حِكاية زول جنَّ ورواية رجل يهوي الخلاف، وأعمال اخرى لا انوي الكشف عنها في هذه المرحلة، انهم مواليد تحت أضواء خافتة وأسرة الكتمان، طالبوني انَّ لا أبوح بأسمائهم لأحد، فأوفيت بالعهد إن العهد كان مسئولا

لمن تعزي وتهدي تألقك ونبوغ كتاباتك؟

لكل من أبرق وراسل وسأل وهنأ، إلى كل دور النشر والنُقاد وزملاء المهنة والمحنة، إلى الهواة والراغبين في سلك المسار، وإلى كل من يسعى نحو الأبداع قيد أنملة، إلى السُّودان المارد المسكون الذي سيخرج من القمقم وسينتفض عن سجَّانه عما قريب، إلى اسرتي الكبيرة والصغيرة وإلى كل من مشى معي هذه المشوار الطويل وحضني على المضي قدمًا إيمانًا منه بقدرتي في مواصلة المسير على الرغم من وعورة الطريق وضيق الفضاءات وانسداد الآفق والمسالك

 كلمة ختامية؟

كلمتي في نهاية هذه المقابلة، أوجهها شكرًا وتقديرًا وعرفانًا جميلًا لكم، وأنتهز هذه السانحة لأتقدم بالشكر والعرفان للجميع على الوقفة والتضامن معي في كافة مراحل أعمالي حتى رأت بعضها النور

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com