العيد والتعييد في عاصمة التعييد الاحتفالي
لا شيء أجمل وأنبل من الكتابة إلا الكتابة: الجزء 2
!الإنسان وجدان وعقل
وهذا السؤال يصبح عند الدكتورة نزهة حيكوك مجموعة كبيرة من الأسئلة المركبة، والتي استخرجتها كلها من الكتاب، ومن روحه وجوهره تحديدا، وليس من سوق الكلام، ولا من النميمة التي يمارسها كثير من الناس، ويسقطون عليها اسم النقد وما هي بنقد، ولقد ادركت د، نزهة حيكون، بحسها العلمي والجمالي، بأن روح الاحتفالية يشكله هذا السؤال، وهو في درجة القلق العلمي، وهو في درجة الشك الذي يؤدي الى اليقين، وبأن الأصل في السؤال انه مفتاح يفتح الأبواب المغلقة، ولعل هذا هو ما جعلها تتجاوز منطق الاستنطاق البوليسي ومنطق الاستجواب الصحفي، لتصل إلى درجة فقه الاحتفالية، وذلك في معناه العام، والذي هو الكشف او هو المكاشفة وهو البحث عن الأساسيات وعن المنطلقات وعن الآليات وعن الميكانيزمات وعن الخلفيات وعن الأرضيات التي انبنت عليها فلسفة التعييد الاحتفالي، فكرة بعد فكرة، وصورة بعد صورة، وحالة بعد حالة، ودرجة بعد درجة، ومثل هذا الفقه بالاحتفالية لا يمكن أن يتحقق إلا بعشقها اولا؛ عشقا صوفيا بكل تأكيد، وان كل من لا يؤمن بأساسيات هذه الاحتفالية الفكرية والجمالية والأخلاقية، والتي هي أساسيات شعرية وصوفية، فإنه لا يمكن أن يدخل عوالمها الداخلية، الخفية والبعيدة والعالية والغامضة والملتبسة والزئبقية، والتي قد تكون ماكرة مكرا جميلا ايضا، وذلك في كثير من المواقف ومن الحالات والمقامات
وهي تدرك بأنها امام كتابة حيوية شفافة كالماء والهواء، كتابة يمكن ان تراها من جميع الجهات، وان ترى سطحها وعمقها، وترى بعيدها وقريبها، وترى غائبها وحاضرها، وهي تعرف ايضا انها امام لغة فردوسية، فيها غموض يتحدى العقول، وفيها طلاسم تتحدى من يفك شفرتها، والكاتب المتفلسف في كتابه يقول مخاطبا قراءه
( انا) لا أتحدث لك إلا بلسانين، بلسان الشاعر وبلسان العالم، وأقول علنا وجهرا، أن وجود لسان واحد لا يكفي، لأن الإنسان وجدان وعقل، ويهمني ان اخاطبهما، وأن انطق بهما ايضا) وهذا ما أدركت محاورتي عندما أمسكت بالوجداني وبالعقلي في متن هذا الكتاب
الأسئلة التي طرحت والسؤال الذي لم يطرح
ونحن ناقشنا في ذلك اللقاء كتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي) وحاولنا الإحاطة بكثير من المواضيع والأسئلة فيه، واعتقد ان السؤال الذي كان غائبا ولم يطرح، والذي كان ينبغي أن يكون هو فاتحة كل الاسئلة، فقد كان هو السؤال المركب التالي
هل هذه الاحتفالية حقيقة فلسفة؟
وباي معنى هي فلسفة؟
بالمعنى الأكاديمي الخاص، ام بالمعنى الشعبي العام؟ وبالتأكيد فإن هذه الاحتفالية هي تفلسف مشروع أكثر منها فلسفة، وهي نظر فلسفي أكثر منها نظرية فلسفية، وهي مسار فكري مفتوح على الحياة اليومية، أكثر منها مذهب وتذهب مغلق على نفسه، وفي هذا التأمل الفكري الحر، يتساءل الاحتفالي عن المعاني المتعددة والمتنوعة التي قد تعنيها كلمة فلسفة
ما الذي يهم أكثر ، بالنسبة لهذه الاحتفالية المبدعة بالفكر والمفكرة بالأبعد؟
هل هو المعنى الفلسفي المختبئ فيها، والذي قد يرد عرضا هنا أو هناك؟
– ام هو معنى الفلسفة، كما تؤسسه هذه الاحتفالية ، وكما تفهمه، وذلك في خصوصيته التي قد تختلف، قليلا أو كثيرا، عن المعنى المدرسي العام والشائع؟ — هل هو فلسفة المعنى، والذي قد يكون بعيدا وغريبا عن قصد الاحتفالية وعن مشروعها الابداعي؟ — هل هو فعل الفلسفة في ذاته، والذي لا يشترط أن يكون جزء من فلسفة عامة، والذي قد يكون فقط ثمرة المعايشة الصادقة، ونتيجة التجربة الوجودية القلقة، وأن يكون تأملات حرة، وأن يكون معاناة انكتبت في كتابات، ووجدت في أجساد حية، وتشخصنت في أشخاص وفي أسماء، وذلك قبل أن يصبح لها مضاعف في الإبداع الأدبي أو في الإبداع الفكري والفني؟)
نعرف ان من حق أي واحد منا أن يغني، من غير أن نكون نحن ملزمين بأن نسميه مغنيا، ومن حق أي واحد أن يتفلسف ايضا، وان يكون متأملا، من غير أن يكون فيلسوفا بالضرورة، وفي هذه الاحتفالية غنى الاحتفالي، من غير أن يكون مغنيا محترفا، وفيها ايضا رسم وجوها من الواقع ومن والحكاية ومن من الأسطورة ومن التاريخ، ولم يقل للناس بأنني رسام وبانني تشكيلي او بانني نحات او بانني مؤرخ، وفي مسرحه شعرية لفظية ومشهدية عالية، وهي غير كافية لأن تصنفه مع زمرة الشعراء، ومن حق الاحتفالي ان يتأمل، وأن ينظر بعقله ايضا، وأن يكون منظرا، وأن يكون عرافا ومهندسا، وأن يتفلسف مع كل المتفلسفين من غير أن يكون فيلسوفا بالضرورة
حاضر ومستقبل التعييد الاحتفالي
في مقدمة هذا الكتاب ( فلسفة التعييد الاحتفالي) توقفت قليلا عند السؤال التالي( ما الذي يمكن أن يحقق مستقبل الحركة الاحتفالية غدا؟)
ويهم الاحتفالي والاحتفالية أن يعرفا طريقهما، وأن يعرفا إلى أين يمكن أن يؤدي هذا الطريق، والمهم، او الأهم، ليس هو الوصول إلى اية محطة، ولكنه السير الصحيح في الطريق الصحيح، بحثا عن الوجود الصحيح وعن الزمن الصحيح وعن المعنى الصحيح
فالأمر إذن، في هذا الكتاب، يتعلق بجسد الاحتفالية الحي، والذي هو جسد يتحرك في هذا الزمن المتحرك، ومادام أن هذا الجسد قد كان له ماض أتى منه، وان له اليوم حاضر يحيا فيه، فإنه لابد أن يكون له مستقبل يمضي إليه، وبالتأكيد فان هذا المستقبل الممكن الوجود لا يمكن ان يكون إلا مشابها، قليلا او كثيرا، لذلك الماضي الذي كان، ويبقى ان وجود الاختلاف بينهما، هو بالضرورة اختلاف في الكم وليس في النوع، اي في ثقل ووزن وفي مساحة وقوة وسرعة هذه الاحتفالية، بين الأمس واليوم وغدا، والتي لابد أن تكون مستقبلا أقوى واعنف، وذلك مادام أن هذا الاحتفالية الحية تمشي، إلى الأمام، وتمشي الى الأعلى، وتمشي باتجاه الأفق البعيد، وجوابا على نفس هذا السؤال، يقول الاحتفالي في مقدمة الكتاب ( إن مستقبل هذه الاحتفالية – سواء في مسرح الحياة او في، حياة المسرح – لا يمكن أن يحققها إلا احتفالية المستقبل، والتي هي بالأساس إمكانية واقعية ومنطقية وحقيقية، وذلك مادام أنها مرتبطة – عضويا ووجدانيا – بهذه الاحتفالية الكائنة اليوم، والتي يمكن أن تتمدد بفعل حرارة الحياة، والتي لها اسم مرسوم، ولها في الأيام مسار معلوم، ولها سرعة سير ايضا، تختلف بين مرحلة وأخرى، وبين ساعة واخرى، ولها في الناس من يسير معها في نفس الخط والاتجاه، ومن يسير ضدها، ومن يتفرج عليها)
بل وهناك من حاول، عبثا وعلى امتداد عقود طويلة جدا، أن يعرقل هذا السير، ذلك باتجاه الجمال والكمال وباتجاه الحق والحقيقة، وباتجاه المستقبل الحقيقي لهذه الاحتفالية، والتي هي اساسا حركة، والتي هي قل ذلك طاقة محركة، وهي روح وجوهر هذه الطاقة المحركة يمثله الاشتعال والاحتراق، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ( يقول فريد الدين في ( منطق الطير) ” اشتعلت ارواحنا، واشتعلت النار، والفراشة لا تنفر من النار” وكذلك هي الاحتفالية أيضا، إنها لا تنفر من النار، ولا يزداد حبها للنور إلا اشتعالا، ولا تكف عن الرحيل إلى المدينة الفاضلة، والتي لا يمكن أن تكون إلا مدينة احتفالية بامتياز) هذه الاحتفالية تؤمن بأن الآتي ينبغي ان يكون اجمل واكمل واصدق وارحب، واذا لم يكن الأمر كذلك، فمعنى ذلك أن عجلة التاريخ متوقفة، وأن الحياة قد ضيعت حياتها وحيوتها، وأن الزمن لم يعد يمشي إلى الأمام وإلى الأعلى وإلى الأبعد والأسمى، وفي اكتاب (فلسفة التعييد الاحتفالي) يقول المتفلسف الاحتفالي (ولأن هذه الاحتفالية تؤمن بالزمن، فلم يخذلها الزمن، ورغم كل ما تعرضت له من معارك ومن حروب، فإنها لم تزدد مع الأيام إلا قوة وصلابة، وكل ذلك لأنها راهنت على الأساسي والجوهري في الحياة، وانها راهنت على ثقافة العصر، وانها قرأت كتابات هذا العصر، وتفاعلت مع إبداعه، وحاورت نظرياته، وكل ذلك انطلاقا من الإحساس بالندية وبالأهلية، اقتناعا منها بأنه لا وجود للممنوعات والمحرمات في الحقل العلمي والفكري والجمالي)
وآخر ما يمكن أن نختم به هذا البوح الفكري، هو أن نشير إلى الحقيقة التالية، وهي أن هذه الاحتفالية قد انكتبت فكرا وعلما وابداعا باللغة العربية، وهذا ما ينبغي أن نتذكره وأن نستحضره، وأن لا ننسى بأن جماليات هذه الاحتفالية من جماليات لغتها الغنية لحد البذخ، وفي هذا المعنى يكتب الدكتور نور الدين الخديري معلقا على لغة هذه الاحتفالية بقوله
تحية عطرة ملؤها الحب والتقدير، أخي واستاذي المبدع السامق سيدي عبد الكريم برشيد، الذي يعشق اللغة العربية، وبها أمكن له أن يشيد عوالمه الاحتفالية بكل هذا السخاء المعرفي المتفرد، وبهذا النفس المتدفق من المشاعر والأحاسيس الإنسانية العميقة، دمت ودام إبداعك، مودتي الصادقة