في القنطرة جلجلة
في القنطرة جلجلة (الجزء السادس-3-)
وكما تنبأ العميد مجدي، فقد خرج مفيد من جحره، ووضع نفسه تحت تصرف الشرطة. انتدب مفيد مجموعة محامين معروفين جدا، اكتسبوا شهرتهم من الترافع في القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، وإن لم يكسبوا أيا منها أبدا على مدار ثلاث عقود. وجرى الاستجواب على فترات، وكان أول استجواب مربض الفرس وأداره العميد مجدي
ـــ أنا أجهل سبب استدعاء موكلي، بادر المحامي الذي كلفه الآخرون بالحضور نآخريابة عنهم، بالملاحظة
ـــ تم سرد إسم موكلك في التحقيقات حول قضايا انتحار وحوادث سير تظن الشرطة أنها تتشابك فيما بينها، أجاب العميد
ـــ كل هذا افتراء؛ لأن موكلنا شخصية معروفة، وسمعته لا تشوبها شائبة
ـــ رجاء، دعني أقوم بعملي، وإذا كان لك اعتراض أثناء التحقيق، يمكنك التدخل في حدود القانون
ـــ موافق، أذعن المحامي
أخذ مجدي ما يكفيه من الوقت. وبعد أن سلم نسخة من محضر استجواب مستتر و’ولد الكحلة’ ومنتفع إلى المحامي، بدأ في استجواب مفيد
ـــ ما علاقتك بمستتر؟
ـــ علاقة عمل
ـــ أي نوع من العمل؟
ـــ يستشيرني في مواضيع تتعلق بالمضاربات العقارية
ـــ وهل تعرف سيدة إسمها انتظار؟
ـــ نعم، هي أرملة أحد أثرياء المنطقة. كما أنها سيدة جميلة ورجال كثيرون كانوا يحومون حولها
ـــ بمن فيهم أنت؟
ـــ نعم، بمن فيهم أنا
ـــ إذن، لماذا وضعت بيتك في ‘دار بوعزة’ تحت تصرف مستتر لعقد قرانه على انتظار؟
ـــ أنا لم أكن مثله، أجهز على الأرامل بعد الاستلاء على ممتلكاتهن
ـــ ولكنك، كنت تساعده
ـــ نعم
ـــ لماذا؟
ـــ كان صديقا عزيزا، كما كانت مناوراته تعجبني
ـــ ولكن ذلك كان على حساب مصالح سيدات لا حول ولاقوة لهن؟
ـــ انتظار، لم تكن من هذه العينة
!ـــ كيف؟ إشرح
ـــ انتظار نفسها نصبت على زوجها التي توفي في حادثة سير
ـــ ولكنها كانت في السيارة معه، وكادت أن تموت أيضا؟
ـــ أنا أشك في ذلك. أعني أنها هي التي تكون قد دبرت الحادث
ـــ كيف؟ إنها كانت حامل
ـــ صحيح، ولكنها لم تتوقع أنها ستفقد جنينها من جراء الحادث
ـــ وكيف أمكنك الحصول على كل هذه المعلومات؟
ـــ أنا شخصية معروفة، وأتابع أخبار المنطقة على مدار الساعة، من أجل البريستيج والصفقات وغيرها مما تفرضه وضعيتي الاجتماعية
:تدخل المحامي
ـــ أظن أن موكلنا أدلى بكل ما لديه، وبناء عليه، أطلب أن يغلق المحضر، والسماح له باستعادة حياته الطبيعية
:تجاهل مجدي ملاحظة المحامي، وسأل مفيد
ــ لماذا اختفيت كل هذه المدة؟
ـــ لم أختف، كنت في عزلة. أردت أن أخلد إلى فترة استمزاج
ـــ حسب معلوماتنا، أنت كنت تعرف مضياف زوج انتظار معرفة جيدة، ومن زمان
ـــ هذا غير صحيح
:تدخل المحامي من جديد
ـــ أنا أعترض. لا أسمح لك، سيدي العميد، بأن تقحم موكلنا في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل
ـــ هون عليك يا أستاذ. السيد مفيد يعرف تماما ما الذي أقصده
ـــ لا أعرف، احتج مفيد
ـــ بلى، أنت تعرف جيدا عائلة مضياف، لأن جد مضياف استولى على أرض كان مفروضا أن تؤول إلى أبيك
توردت وجنتا مفيد، حمل يده إلى رأسه بطريقة وأخذ يعبث بشعره بهستيرية. نظر إلى محاميه، وكأنه يطلب منه النجدة، ولكن هذا الأخير بدا أكثر منه تائها، شاردا، لا يعرف كيف تدخل لإنقاذ الموقف. تابع مجدي
ـــ نعم يا سيدي، أبوك كان يشتغل عند السيد فريدريكو ماتيو، المعمر، والذي ترك له توكيلا ليتمتع باستغلال ضيعته الكبيرة وممتلكات في منطقتنا، كما ترك وصية بموجبها تتحول الأملاك إلى ملكية أبيك في حالة وفاة ماتيو. ماتيو فقد متعة الحياة بعد غرق ابنته ساندرا في ضاية ‘سيدي مسعود’ قبل سنوات. توفي ماتيو، وبقدرة قادر، انتقلت ملكية الضيعة والأراضي إلى جد مضياف
:تجهم وجه مفيد، وطلب كوب ماء. واصل مجدي
ـــ أنت كنت صغيرا آنداك. كنت تظن أن الضيعة وما فيها ملك لك. كان ماتيو وابنته ساندرا يحبانك كثيرا
ـــ أنا أعترض، تدخل المحامي، عن غير قناعة
ـــ إعترض على هواك، وأنا سأتابع الكشف عن استنتاجاتي، وكما ترى، فموكلكم لا يعترض، لأنه يعرف جيدا أن معلوماتنا صحيحة. المهم، هو أنك، يا سيد مفيد، لم تقبل بأن تحرم من ضيعة كانت كالجنة بالنسبة إليك. استغل جد مضياف سذاجة أبيك وأقنعه بالإمضاء على عقد بيع، وكأنه عقد كراء للضيعة وما إليها. وعندما فطن إلى اللعبة، طرده، فشرد أسرتكم. لم يتحمل أبوك الصدمة ومات على إثر سكتة قلبية مفاجئة، في ‘درب الكدية’ غير بعيد عن هنا. انتظرت طويلا لكي تحاول أن تنتقم
ـــ كل ما تقوله استنتاج خاطئ
ـــ لن أتوقف عن الطريقة التي اغتنيت بها، لأنها لا تهمنا الآن. المهم، هو أنك حاولت التقرب من مضياف، ولكنه تجاهلك. لسبب بسيط، وهو أنه كان يعرف من تكون. ثم ظهرت انتظار
ـــ انتظار؟ صرخ مفيد، كانت كارثة بكل المقاييس
:تدخل المحامي متوجها إلى مفيد
ـــ أنصحك بعدم الانفعال. إن السيد العميد يسعى إلى الإيقاع بك وتوريطك في قضية لا علاقة لك بها
ـــ نعم، كانت انتظار كارثة. أفسدت كل شيء، أكد مفيد
ـــ كيف؟
ـــ حولت رجال المنطقة إلى دمى تلاعبت بهم كيفما شاءت. ثم رمت بشباكها على مضياف
ـــ لم يعجبك هذا؟
ـــ في الأول، لا
ـــ وبعد؟
ـــ تطورت الأمور
ـــ توفي زوجها في حادثة مدبرة؟
ـــ توفي والسلام؟
ـــ كان من المفروض أن يتخلص مدبروا العملية من مضياف، ولكن لسوء حظهم، كانت انتظار معه. توفي مضياف، ونجت انتظار
ـــ لا أدري ما الذي تبحث عنه؟ ولكن لا علاقة لي بالحادثة
ـــ وهل تنكر أنك كرهت مضياف وعائلته؟
ـــ لا أنكر. لقد حرموني وإخوتي من حقنا. كما أن موت أبي بتلك الطريقة كان صادما
ـــ إذن، كان لك أكثر من دافع لتدبر مؤامرة قتل مضياف
ـــ أنا لم أدبر شيئا. وكما تعلم، فأنا كونت نفسي بنفسي وأصبحت من أغنياء المنطقة
ـــ لا مانع من تسجيل وجهة نظرك، ولكن عندي سؤال آخر: هل كنت تحاول إغراء زوجة مستتر التي انتحرت؟
ـــ أبدا
ـــ ولكنك كنت تزورها في البيت، عندما يكون مستتر يزور زوجته الأخرى في بني ملال؟
ـــ هذا غير صحيح
ـــ ثم إنك استشطت غيضا لما فاتحك في نيته الارتباط بانتظار؛ لأن ذلك كان سيفشل خطتك
ـــ أية خطة؟
ـــ الارتباط بانتظار بعد التخلص من مضياف؟
ـــ هذا أغبى استنتاج توصل إليه محقق من طينتك، سيدي العميد، تدخل المحامي
:لم يعره مجدي أي اهتمام، وقرر أن يهاجم بعنف ليخلق الفجوة المتوخاة
ـــ هل لك يد فيما حصل؟
ـــ لا جواب عندي
ـــ على كل حال، أنا لا أفهم كيف أنك تحاول توريط مستتر، وكيف يحاول مستتر توريطك، رغم أنكما كنتما تستفيدان من الأوضاع؟
ـــ مستتر، ضعيف الشخصية، وكنت أتلاعب به على هواي
ـــ إذن أنت متورط في شيء ما، وتحاول التخلص منه
ـــ لو كنت أحاول التخلص منه، لأبلغت عنه في حينه
ـــ تبلغ عن ماذا؟
ـــ لا شيء، أنا أهلوس
ـــ سنسجل هذه الملاحظة، وسوف ننتظر منك توضيحا. السؤال الذي سوف نوجهه إليك من الآن فصاعدا هو الآتي: ما هو الشيء المهم الذي يهم التحقيق في موضوع مستتر وأنت تتستر عليه؟
ـــ كل شيء في حينه
ـــ إذن نسجل أنك تعرف شيئا ما وسوف تنير بصيرتنا حين يحين الوقت المناسب
ـــ أنصحك بالسكوت، تدخل المحامي
ـــ ممتاز! سوف نرى من سينجح في الإيقاع بالآخر، ونغلق الملف
ـــ إنك تسير في سكة خاطئة، سخر مفيد
ـــ طيب، وقع على المحضر، وأنا متأكد أننا سنلتقي مرات عديدة. لا تسافر، وضع نفسك تحت تصرف الشرطة
(يتبع)