الوسيط والوسائطية

الوسيط والوسائطية

قراءة في كتاب الوسيط والوسائطية

حيدر غضبان

 للدكتور حيدر غضبان

قراءة : محمد لحسن الحراق

كاتب وباحث مغربي مقيم ببروكسيل / بلجيكا

:تقديم

أصدر الدكتور حيدر غضبان أستاذ اللسانيات بجامعة بابل بالعراق كتابا جديدا في مادته ومنهجيته في تناول مدرسة هامة جدا في اللسانيات الحديثة تحت عنوان ” الوسيط والوسائطية : تأطير لساني ودراسة إجرائية ، في نصوص عارف الساعدي الشعرية”

صادر عن دار ركاز للنشر والتوزيع بعمان بتاريخ: 22/12/2022

لذلك أشارك مع القراء هذه القراءة وفي قلق السؤال والإشكاليات التي تطرحها عادة أية قراءة لمنتوج جديد وفي موضوع جديد، لذا أعده أن أكون وفيا لروح النص ولا أحرق الكتاب بهذه القراءة بحيث يُسْتَغنَى عن قراءة الكتاب وأن لا أقوم بقراءة  تأويلية أو حتى تفكيكية لمحتوى الكتاب وأهدافه على غير ما أراد المؤلف وهنا أستعير مقولة هامة للفيلسوف المغربي عبد السلام بنعبد العالي “التفكيك في علاقته بالتأويلات يمكن أن يشكل فرملة للقوة الهيرمنوطيقية التي يمكن أن تعتدي على حرمات النص”

كما أن قراءتي لم تكن قراءة استكشافية فقط، أو ترفيهية للمتعة الذهنية أو تحسينية لإغناء رصيدي الثقافي من معلومات إضافية. بل كانت قراءة تأملية معمقة ومشاكسة أحيانا. ففي البداية التهمته والتهمني خاصة في الزمن القرائي، لكني تمكنت من تلابيبه وتمكن مني حتى وصلت إلى درجة التفاهم مع الكتاب والكاتب وفهم رسالته وتحليلها والأفكار التي فجرها من خلال مفاهيمه وتعابيره الخاصة  كما يقول “مورتيمير آدلر” (كيف تقرأ كتابا)

لكني لا أخفيكم سرا أني كنت أمام تحدي فكري أمام هذا الكتاب القيم، لأني كنت أنهل من مدرسة أخرى هي المدرسة التأويلية سواء عند علماء المسلمين منذ أن ناقشت رسالتي الجامعية سنة 1994 بجامعة محمد الخامس وقراءاتي المتتالية في هذا المنهج التأويلي في كل أبعاده الفلسفية والنقدية في الدراسات الغربية مثل الألماني هانز جورج غادامير  سليل مدرسة ديكارت والديكارتية وتأثيره على مدرسة التأويل المعاصر أمثال الإيطالي جياني فاتيمو والأمريكي ريشار روتي والفرنسي بول ريكور. ثم المدرسة التأويلية المغربية التي تأسست حديثا على أيدي مجموعة من اللسانيين المغاربة والتي توجت بمختبر الدراسات التأويلية بكلية الآداب بتطوان

        فإذا بي أجدني في بحر مدرسة أخرى هي مدرسة الشكلانية واللسانيات التواصلية بتعبير جاكبسون أو الوسائطية بتعبير المؤلف الدكتور حيدر غضبان محسن الجبوري، فانغمست في بحرها وقد كنت قبل اليوم  لا ألامس سوى شواطئها وأرمقها من الساحل دون مغامرة الغوص، قرأت عنها بصفة عامة  كما قرأت عن باقي المدارس اللسانية من بنيوية ونسقية وسياقية وسلوكية وتوليدية ووظيفية وغيرها … لكني بواسطة هذا الكتاب النفيس تمكنت من سبر أغوار هذه المدرسة بشروحها وتنقيحاتها وكذا النقائص الهامة التي استدركها أو أضافها المؤلف لما وجد من نقص أو نقط ضعف مهمة جدا يجب تداركها

:سيمسيائية الغلاف والعنوان

:الغلاف

غلاف الكتاب اختار اللون الأزرق ولوحة سوداء بخطوط عمودية بيضاء وهذا دليل على أنه لیس مجرد صورة، لكنه يشير ضمنا إلى محتوى الكتاب، و عوالمه، وهو حامل لثقافة بصریة مرتبطة ارتباطا وثیقا بالكتاب، فالعلاقة بین النص وتصمیم الغلاف علاقة تكاملیة فكل منهما یشیر إلى الآخر بصورة أو بأخرى. فباختصار شديد اللون الأزرق يشير إلى السماء والبحر وهو دلالة على الخيال الخصب والموسوعية وهو قناة تواصلية تشير إلى رسالة الكاتب العلمية إلى أهمية هذه الدراسة في تحليل الابداع الشعري الحديث الذي لا حدود لخياله وصوره الإبداعية. أما اللوحة السوداء ربما تشير إلى هذا المشهد العالمي المتأزم الغامض لدرجة السواد لكن تخترقه خطوط النور البيضاء التي تشير إلى العلوم المختلفة والمتنوعة التي استطاعت وتستطيع ترك خطوطها العريضة في المشهد وفي هذا العالم ، ومنها المدارس اللسانية بكل حمولاتها الفلسفية والمعرفية واللغوية

أما بالنسبة للعنوان كما يقال هو محطة الكتاب، فهو محطة الوصول بالنسبة للكاتب الذي يرتاح فيها من عناء السفر الطويل في الكتابة والبحث والتحليل، لكنه على العكس تماما بالنسبة للقارئ هو محطة للانطلاق في سفر جديد استكشافي طويل يسبح بين ثنايا فصول الكتاب وصفحاته وسطوره وما وراء سطوره، يبحث عن متعة وإفادة وزاد معرفي وعلمي يغني به رصيده في حياته العلمية والثقافية

العنوان كاملا هو بالعريض : الوسيط والوسائطية

تحته بخط أصغر: تأطير لساني ودراسة إجرائية ، في نصوص عارف الساعدي الشعرية”

صادر عن دار ركاز للنشر والتوزيع بعمان بتاريخ: 22/12/2022

:الوسيط والوسائطية

الوسيط في اللغة هو الرجل الشريف بين قومه، يمكن له أن يتوسط بين الناس في أغراضهم ونزاعهم ، لكن الوسائطية ، مؤنث وسيط فعيل وفعائل من جمع المؤنث المعنوي وهما مصطلحان جديدان في الدراسات اللسانية التواصلية

لذلك فإن اجتراح هذين المصطلحين ، يهدف كما قال المؤلف إلى تأسيس يرتكز على جانبين؛ مناقشة التأطير الجاكوبسني في خطاطته التواصلية، ومن ثم تعديل ذلك التأطير والإضافة عليه

:أما العنوان الفرعي

تأطير لساني ودراسة إجرائية في نصوص عارف الساعدي

فإن هذا الكتاب يتضمن دراستين تكمل إحداهما الأخرى؛ عناصر التواصل اللغوي ووظائفها، مناقشة لخطاطة جاكوبسون واقتراح نموذج موسع ، وتتسم بكونها دراسة تأسيسية وتنظيرية. أما الدراسة الثانية فكانت حول (شعرية الوظيفة المهيمنة في قصائد الشاعر عارف الساعدي وأثر الوسيط التواصلي فيها) وهي -على ما يبدو من عنوانها- دراسة إجرائية لما سبق تأسيسه في الدراسة الأولى

:الشخصيات اللسانية التي يناقشها الكتاب

إذن من خلال غلاف الكتاب فنحن أمام ثلاث شخصيات لسانية  رئيسية: الكاتب حيدر غضبان و رومان جاكبسون صاحب الخطاطة التواصلية التي أضاف إليها الكاتب عنصرا آخر هو عنصر الوسيط ووظيفته الوسائطية ثم الشاعر عارف الساعدي، ثم هناك شخصيات أخرى ناقشها الكاتب في خضم اشتباكه ومحاوراته ونقده في ثنايا الكتاب

أولا :الكاتب :  حيدر غضبان محسن الجبوري، حاصل على الدكتوراه من جامعة بابل بالعراق سنة 2010، بعد مناقشة أطروحته في تخصص اللسانيات المعنونة: ” الوصفية في اللسانيات العربية الحديثة” . شغل منصب رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة بابل ومدير تحرير مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية. كما يعمل أستاذا لمادة اللسانيات بجامعة بابل بالعراق

لكن جولة في البحوث التي أنجزها والمؤلفات التي أصدرها تعطينا صورة واضحة عن الإشكاليات اللسانية التي يشتغل عليها، والاهتمام الكبير الذي كرس له حياته العلمية والتخصصية

المغالطة في تصنيف المناهج اللسانية، القسم الأول (عند الغرب. بحث منشور في مجلة سياقات اللغة والدراسات البينية الدولية المحكمة، المجلد الثاني، مصر، الإصدار الخامس، 2017

نظرة في آراء الخليل الصوتية، بحث منشور ضمن كتاب اتساق المعرفة اللغوية، تحرير الدكتور مؤيد صوينت. منشورات ضفاف، بيروت- لبنان، 2016

إشكاليات المصطلح اللساني العربي ومرجعياتها في ضوء ثوابت علمية اللسانيات، ضمن كتاب اللسانيات بين منجزات الحداثة وهواجس التأصيل، تموز للطباعة والنشر، دمشق، 2016

إشكالية المصطلح وأثرها في تصنيف المناهج اللسانية (الوصفية والبنيوية والتوليدية واللسانيات) أنموذجا، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية- جامعة بابل، المجلد 24، 2015

سياق الحال بين لسانيات الجملة والتراث النحوي العربي، بحث منشور في مجلة جامعة بابل، المجلد 23، 2015

حتمية العولمة واللغة العربية، بحث مشارك في الندوة الدولية الأولى (اللغة العربية وأهلها) التي اقامتها جمعية تنمية اللغة العربية وحمايتها بتونس للمدة 29-31 ماي 2014

منهج سوسير في دراسة اللغة ثنائيات أم ثلاثيات، بحث منشور ضمن كتاب سوسير حياة في اللغة، كلية الآداب الجامعة المستنصرية، مكتبة الحضارات، بيروت- لبنان، 2013

المغالطة في تصنيف المناهج اللسانية القسم الثاني(عند العرب) بحث قيد النشر في مجلة سياقات اللغة والدراسات البينية، مصر، في العدد السابع 1/1/2018
القواعد التوليدية في لسانيات النص عند دي بوجراند، بحث مشارك في مؤتمر لسانيات تشومسكي، مراجعة نقدية. في كلية دجلة الجامعة للمدة 9-11 كانون الأول 2017

المقبولية (Acceptability) في القواعد التوليدية، بحث مشارك في مؤتمر قسم اللغة العربية الدولي (المصطلح في الدرسين اللساني والنقدي، التلقي والتمثل) في كلية التربية- ابن رشد، جامعة بغداد

قواعد التخاطب اللساني في تفسير التبيان للطوسي (ت460هـ)، بحث مشترك مع الباحث علي محمد نور، منشور في مجلة جامعة بابل

المغالطة في تصنيف المناهج اللسانية عند العرب ، القسم الثاني، قيد الإنجاز

ترحيل المصطلحات وتحوّل المفاهيم، بحث منشور ضمن كتاب المناهج اللسانية بين التنظير والإجراء، تنسيق د.حيدر غضبان
عناصر التواصل اللغوي ووظائفها مناقشة لخطاطة جاكوبسون واقتراح نموذج موسع. مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية المجلد الثامن والعشرون، العدد الثامن،2020

شعرية الوظيفة المهيمنة في قصائد الشاعر عارف الساعدي، وأثر الوسيط التواصلي فيها
:المؤلفات

تحرير وإشراف على كتاب اللسانيات العربية رؤى وآفاق، موسوعة لسانية بأربعة أجزاء. من إصدارات عالم الكتب الحديث الأردن،ط1، 2019

اجتهادات لسانية، دراسات في إشكاليات المصطلح وتصنيف المناهج اللسانية، قيد الطبع في دار عالم الكتب الحديث، الأردن، قيد الطبع

اللسانيات: المداخل والمدارس والمستويات. قيد الإنجاز

الوصفية في اللسانيات العربية الحديثة، أطروحة دكتوراه مخطوطة

علم الأصوات العام عند العرب (أبو حيان الأندلسي أنموذجا)، رسالة ماجستير مخطوطة

تحرير وإشراف على كتاب المناهج اللسانية بين التنظير والإجراء، من منشورات عالم الكتب الحديث، عمان- الأردن، ط1، 2020

ثانيا: رومان جاكوبسون

(رومان أوسيبوفيتش جاكوبسون بالانجليزية والفرنسية أو ياكبسون لأن حرف J ينطق بالياء في بعض لغات أوربا الشرقية والهولندية بهولاندا وبلجيكا بغرب أوربا (، هو عالم لغوي، وناقد أدبي روسي 1896) /1982 )من رواد المدرسة الشكلية  أو الشكلانية الروسية وأحد أهم علماء اللغة في القرن العشرين وذلك لجهوده الرائدة في تطوير التحليل التركيبي للغة والشعر والفن

عاش “جاكبسون” وسط عائلة ميسورة من أصل يهودي  في روسيا  لكن كانت  لديه اهتمامات باللغة منذ نعومة أظافره. وقد كان في مرحلة الدراسة أحد البارزين في الدائرة اللغوية في موسكو، وقد شارك في أنشطة جماعة الطلائع في الفن والشعر. كانت الحالة اللغوية في ذلك الوقت منصبة على منهج النحويين الجدد الذين كانوا يؤكدون على أن الدراسة العلمية الوحيدة الممكنة للغة تتمثل في دراسة تاريخها وتطور مفرداتها خلال الزمن (وهو المنهج التاريخي الذي وضعه سوسير) إلا أن “جاكبسون”  كان قد اطلع في تلك الفترة على أعمال اللغوي المشهور حينها فيرديناند دي سوسير ونجح في تطوير منهج ركز فيه على أن بنية اللغة هي التي تؤدي وظيفتها الأساسية وذلك من أجل تناقل المعلومات بين مستخدمي اللغة. (حسب ما جاء في الموسوعة البريطانية )

وعند حلول سنة  1920 حيث شهدت روسيا تقلبات سياسية عارمة انتقل “جاكبسون”  إلى” براغ”  في إطار البعثة الدبلوماسية السوفييتية لإتمام دارسته العليا. لكنه سرعان ما انغمس في الحياة الأكاديمية والثقافية في تشيكوسلوفاكيا حينها وأقام علاقات وثيقة مع عدد من الشعراء والشخصيات الأدبية في التشيك. وقد كان له أثر يذكر على الأكاديميين في التشيك من خلال دارساته التي كان يجريها على النصوص التشيكية, وقد تكللت جهوده بإنشاء “مدرسة براغ” في النظريات اللغوية حيث أسسها مع زميله نيكولاي تروبيتسكوي , بالإضافة إلى رينيه فيليك و جان موكاروفسكي. وقد ساعدت أعماله العديدة في مجال الصوتيات على المضي قدماً في القضايا المتعلقة بالبنية والوظيفية اللغوية. وقد كانت نظرية ياكوبسون العالمية في الصوتيات البنيوية الوظيفية, والتي اعتمدت على تسلسل درجات التمييز للسمات المميزة, وقد كان ذلك أول مستوى ناجح للتحليل اللغوي وفق الفرضيات التي طرحها سوسير

(يتبع)

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com