إطلالة خجلى…

إطلالة خجلى…

قصة قصيرة :                              

عبد الحق السلموتي

 لم يسبق له أن سمع ضحكة الواحد منهما، ولا رأت عيناه وجه أحدهما، يفصح عن ابتسامة ولو كاذبة. لم يكن البؤس البادي على سحنة كل واحد منهما، ناتجا عن الإدمان على القمار فقط، بل كان بسبب مخلفات ظروف جد مزرية، عاشها كل منهما على حدة، وإن بطرق وأشكال مختلفة بين الواحد والآخر، وفي أماكن أيضا متباعدة عن بعضها. كثيرون مثلهم عانوا الأمرين، في فترات سابقة من حياتهم، وعندما تبدلت الأوضاع ولو نسبيا، ونضجت الأنفس، تصالحت الوجوه وأصحابها مع الابتسامة المهذبة، والروح المرحة. على عكس هؤلاء حافظ وزميلاه في المقهى، حيث يحتسي فنجان قهوة الصباح، على عبوسهما وتكشيرتهما البارزة، في وجهي بعضهما البعض، كما في وجه كل من تلاقت بنظراته، أو بنظراتهما معا.

غير بعيد عن الطاولة حيث يجلس، يأخذان مكانهما. يخرج كل واحد منهما من أحد جيوبه، ورقة خاصة بالرهان على سباق الخيول. بواسطة قلم في ملكية النادل، يشرعان بالتناوب بينهما، في تعبئة ورقتيهما. كل واحد ينجز العملية بمفرده، وكأنه في اختبار كتابي يخبئ باليد اليسرى، ما تخطه اليمنى، ثم يطوي المكتوب على أربع، قبل أن يدسه في أحد جيوبه.

هما مقامران غريبا الطباع والأطوار، لا أحد منهما يحدث الآخر، بما ينوي الرهان عليه. ولم يسبق للجالس غير بعيد منهما، أن سمع أحدهما يخبر الآخر، بنتائج ما راهن عليه سالفا. يتحفظ الواحد منها ويتستر، على خصوصيات ما هو مدمن عليه منذ عقود خلت. التستر هذا، يرمي عرض الحائط، أو على قارعة الطريق، عندما يغدو الأمر مرتبطا بعدوهما اللدود، الذي يبغضانه ويحقدان عليه ويحسدانه، ولا يكلا ويملا من النميمة فيه، وفبركة قصص وحكايات أغرب من الخيال عنه. يتلذذان في تأليف فصولها وأحداثها، كل مرة بلون وشكل جديدين. لا يدريان أن الذي يختلقان حوله كل تلك الأساطير، هو صديق عمر الجالس غير بعيد عنهما، صديقه من الطفولة المبكرة إلى اليوم، وكلاهما يعرف الآخر أكثر مما يعرف نفسه.

 بطل تلك الأساطير المحكاة عنه، هو في الواقع مواطن كأيها الناس. مكلف بإدارة شؤون موظفي إحدى الشركات التابعة للقطاع الخاص. ومحبوب ومحترم من قبل جل العاملات والعمال، وأحد المقامرين كان يعمل تحت إمرته قبل أن يتقاعد منذ ثلاثة أعوام، ومجالسه حرفي شبه عاطل على الدوام، وزوجته لا تزال تعمل ضمن هيئة الخدمات بالشركة ذاتها.

 صبيحة أحد الآحاد، قرر ألا يتوجه لمقهاه المعتاد، بعد أن تعب من سماع هرطقة ذينك الأفاقين. آثر أن يحتسي فنجان قهوته، ببيت صديق عمره، ليستفسره مجددا عن سبب كره بعض الأشخاص له، رغم معاملته السمحة لهم. لم يكن يظفر من هذا الخل الوفي، سوى بابتسامة صغيرة بالعينين والشفتين، سرعان ما تنمحي معالمها، لتعتري الوجه مجددا ملامح الجد والوقار الملازمين له، لولا أن طارح السؤال، كان محظوظا، إلى حد ما هذه المرة، فالمعني بالاستفسار، أعقب ابتسامته برفع يديه قليلا، وباعدهما عن صدره، وهو يلقي عبارته المقتضبة، كممثل في مشهد مسرحي، أو لقطة سينمائية.                                    

– أموت… أموت، وأعرف سبب بغض هؤلاء لي؟

 وعلى غير المتوقع ألحق جملته القصيرة جدا، بضحكة صاخبة، ما كان من الضيف إلا ساير مضيفه فيها، بصوت جهوري، من قبل كل واحد منها، لدرجة فاجأت سيدة البيت، الثلاثينية العمر، الرشيقة الشكل والقوام، وذات الوجه الصبوح ببشرته البيضاء، التي أطلت من المطبخ، طالبة منهما بطريقة خجلى، أن يضحكاها معهما. متسائلة، وقد زادها احمرار الوجنتين ألقا وجمالا، إن كان لا يحق لها هي الأخرى، أن تضحك مما يضحك زوجها والجالس بجواره، أخاها الأكبر.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *