الإخوان ميكري
تجربة الإخوان ميكري لبنة مميزة في الأغنية المغربية
كانوا أربعة بلباس بسيط، بآلات لم تألفها العيون، يغنون كلمات ليس كالكلمات، وألحانا عصرية تحمل النفس الغربي، خلقوا الحدث بأغانيهم العذبة والرشيقة، وبموسيقاهم الجديدة المنفتحة على الموسيقى العالمية، كانت انطلاقتهم سنة 1962 على يد محمود وحسن في قطعة (من يوم حبيتك) ثم التحقت بهم جليلة سنة 1966 واكتمل عقدهم الرباعي بيونس سنة 1970، صحيح أن المحافظين عارضوا تيارهم التجديدي ولكن الشباب آلمتعطش للتغيير عشقهم وردد إبداعاتهم (ليلي طويل ـ دي دم دم ـ يا مرايا ….) فذاع صيتهم محليا وعربيا بل وعالميا، إنهم الإخوان ميكري.
انبثقت جذور عائلة ميكري من جهة الشرق وبالضبط من مدينة وجدة، نشأ الإخوة في وسط متفتح، ومؤمن بالفن، كان الغناء سلطانا متوجا في البيت، فالأب يهوى الرسم والتشكيل، ويعزف على العود ضمن جوق للموسيقى الغرناطية، أما الأم فكانت منشدة داخل فرقة نسوية للمديح والسماع، وداخل أرجاء المنزل تتردد أغاني اسمهان ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفيروز وغيرهم من أعلام الموسيقى العربية، وأما المدارس التابعة للبعثة الفرنسية والتي تلقوا فيها تعليمهم فبسطت جسورا بينهم وبين الموسيقى العالمية عموما، كانت آذانهم تنهل من (البينك فلويد) و (والبيتلز) ومن عمالقة الجاز ومن هنا نفهم أن الألق الفني الذي يلغوه لم يكن من فراغ، ونفهم سر هذه التنويعة التي نلمسها في موسيقاهم بين الأنغام المغربية والشرقية والعالمية.
هم في عيني مشموم من الورد العابق، ولكل وردة شكلها وعبيرها الخاص، محمود الأخ الأكبر بصوته الحامل للنفس المغربي العربي وهو يشدو بأغان بهية قاومت الزمن (حورية ـ يالهايم ـ مغروم….) ثم نراه يبدع في روضة الرسم والكتابة، وحسن بكتاباته المتميزة، وألحانه ذات البعد العصري والعالمي، وبأنشطته ومبادراته الفريدة وهو يؤسس المجلس الوطني للموسيقى، وهو يحدث جائزة زرياب للمهارات، وهو يبدي براعته في الخط الفارسي وجليلة بصوتها المحلق في السماء، وبآهاتها الحاملة للسحر، وبمنتهى العذوبة وبعالي الإحساس وفرت لنا ـ نحن السميعة – كؤوسا من شراب المتعة وهي تصدح (ماتفهمنيش ـ فراق الحمام ـ علموك الحساب ـ علاش أنت بالذات ـ لا تكونشي أناني…) ويونس بقيثارته وشجن أغانيه(ليلي طويل ـ يامرايا ـ ما…) غدا نجما يتهافت عيه المعجبون وها هو يحققها مرة ثانية في مجال السينما كممثل (علي ربيعة والآخرون ـ جوق العميين ـ حجاب الحب ـ السمفونية المغربية ـ الحوت الأعمى..) وكواضع للموسيقى التصويرية) العربي ـ ألو 15 ـ قصة حب ـ قصة وردة ـ مبروك ـ علي ربيعة والآخرون…( كان الأربعة كعقد من حبات اللؤلؤ، تتعانق فيه إبداعاتهم، وتتكامل فيه عطاءاتهم، يكتبون لبعضهم البعض، يلحنون لبعضهم البعض، يغنون أحيانا في شكل رباعي أو ثلاثي أو ثنائي، وأحيانا أخرى يغنون فرادى، ورغم هذا لم تكن تجربتهم منغلقة على ذاتها بل انفتحت على مبدعين من خارج العائلة مثل الزجال علي الحداني والذي لحن له الإخوان ميكري العديد من القطع مثل (أيواصحيني ـ علاش انت ـ ماتفهمنيش….) والمطرب عبد المنعم الجامعي الذي لحن له محمود ميكري قطعة جميلة تحت عنوان (أنت الهدف) من تأليف أديب السلاوي، والمطربة فاطمة مقدادي التي لحن لها حسن ميكري أغنية (دوز دوز.)
حصد الإخوان ميكري العديد من التتويجات والتكريمات، من ذلك أنهم فازوا بشرف الغناء على مسرح الأولمبيا بفرنسا سنة 1976، وحصلوا على الأسطوانة الذهبية من شركة (فيليبس) ومن شركة (بوليدور)، وحصل حسن ميكري على الرباب الذهبي من المجلس الدولي للموسيقيين برعاية اليونسكو، وعلى ميدالية الحرية العالمية من المعهد الامريكي للسيرة الذاتية، وكرم يونس ميكري مرات عديدة من بينها مهرجان العالم العربي للفيلم القصير بإفران في دورته الثالثة عشرة شأنه في ذلك شن محمود ميكري (في الجديدة- مراكش ـ ورزازات ـ آزرو ..) وأما جليلة ميكري فأهم تكريم حظيت به كان بصيف الأوداية سنة 2018.
كان الإخوان ميكري بحداثة تجربتهم، على مستوى الآلات، وعلى مستوى الألحان، وعلى مستوى الكلمات سباقين لعصرهم، وهاهي السنوات تمر وقد خبا بريق العديد من النجوم، والكثير من المجموعات، ولكن أغاني الإخوان ميكري لازالت تحتفظ ببهائها كأنها بنت اليوم، صحيح أن نشاطهم قد تضاءل إلى حد كبير، وجديدهم غدا نادرا، ولكن اسمهم سيستمر على يد نصر ابن الراحل حسن ميكري والذي يواصل مسيرة الإبداع في المجال الفني بثبات.
