اسمهان المغرب: الفن قادر على إسكات صوت الرصاص …

اسمهان المغرب:  الفن قادر على إسكات صوت الرصاص …

                  الفنانة كريمة الصقلي: شجن الموشحات!                        

ذ. عبد المجيد شكير

 المطربة كريمة الصقلي / (اسمهان المغرب) : صوت يحلق في الأعالي ينثر الجمال على العطاش، شجن الموشحات ينبع من فيها ساحرا يأسر القلوب، وجميل الشعر يقطر منها عذبا كأنه اللؤلؤ المكنون، وتخالها متصوفة سمت بروحها على الأنام وهي تترنم بكلمات الحلاج ، ابن القارض، ابن عربي وغيرهم.
تسافر بك إلى محراب الزمن الجميل لتحيي تحفا خالدة لأم كلثوم، اسمهان، عبد الوهاب، زكرياء أحمد، سيد درويش، ليلى مراد……… وكلما غنت سجا الفضاء، ورفرف السحر بالحضور فكأنهم سكارى من فرط رحيق النشوة في صدورهم.
تمشي متئدة الخطى على درب هواها، لتروي ذوقا ترعرعت عليه في أحضان الأسرة، لا تلهث وراء النجومية، ولا المال، وفي زمننا الموبوء بالابتذال والسوقية اختارت مع سبق الإصرار والترصد أن تحرس آخر وردة في آخر بستان، وأن تغني على مقام الحب وعلى إيقاع الروح باسطة لعشاق الشاعر عبد الرفيع الجواهري ظلالا وارفة.
هي لا تغني إلا إذا وجدت ما يشبهها وما ينسجم مع قناعاتها، صوتها يحضر في فضاءات محترمة مثل: دار الأوبرا بمصر، معهد العالم العربي بباريس، جامعة السوربون الفرنسية، منصة اليونسكو ببيروت ، مسرح مؤسسة سلطان بن علي العويس بدبي، مسرح داوني سيفيك بلوس انجليس بأمريكا، مسرح ليونارد دافنتشي بمونتريال بكندا ولا تشارك إلا في مناسبات ذات طابع ثقافي كمهرجان الموسيقى العريقة او الموسيقى الروحية والثقافة الصوفية بفاس، مهرجان مؤتمر الموسيقي العربية بمصر، احتفالات العديد من المدن عندما يعلن عنها كعاصمة للثقافة العربية ) القدس 2009 ـ الدوحة 2010 -الأقصر سنة 2017( وتجدها في تظاهرات الشعر والكتاب، وفي حفلات التكريم الخاصة بكبار الأدباء والفنانين (أدونيس ـ عمر الخيام ـ أمل دنقل – محمد عبد الوهاب…)
تموج صوتها العذب مع أوتار سعيد الشرايبي (الهوى راشقي…) وعزيز حسني(خبئ الشمس) ، ومع نفخات الناياتي رشيد زروال (زدني بفرط الحب…) وصدحت صحبة أجواق أخذت على عاتقها صيانة الأصالة والجمال في الموسيقى، (فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية بقيادة صلاح غباشي، الأوركسترا العالمية بلوس أنجلس بقيادة المايسترو نبيل غرام، الأوركسترا الفيلارمونية للسوربون بقيادة المايسترو كورينا بتمييز، والأوركسترا اللبنانية الشرق عربية بقيادة المايسترو أندري الحاج،
وحتى نجوم الفن الجميل بايعوها فقدموا لها الحانهم وفي الطليعة مارسيل خليفة الذي لحن لها (يا نسيم الريح) ولطفي بوشناق الذي لحن لها مجموعة من القطع من أهمها (غن يافنان) وكذلك نصير الشمة في لحن (مطر).

عشق العارفون صوتها، واحترموا اختياراتها، وقدروا قناعاتها، فهي فنانة متمسكة بجذورها المغربية، إنها تغني تراثنا الأندلسي وأغانينا العصرية (موشح يا ليل طل ـ حبيبي تعالى ـ يا بنت المدينة …) ولكنها أيضا منفتحة على الغناء
العربي الشرقي تعيد روائع أساطينه، وهي ملتزمة بقضايانا القومية (قطعة أطفال الحجارة التي لحنها لها عبد العاطي آمنا) بل هي تؤمن بأن الفن قادر على إسكات صوت الرصاص، والموسيقى قادرة على اختراق الحدود ومحو الاختلافات لذلك نراها تدعو للمحبة والسلام والتسامح والتعايش، وخير دليل على هذا هو القطعة التي غنت للفنان الكبير سليم دادا (الحب ديني)، وتحية السلام التي عادة ما تفتتح بها حفلاتها.
وكيف لا تكبر في عيوننا وصوتها حاضر بقوة في الأعمال الخيرية الإنسانية، إنها تغني للمرضى ولذوي الاحتياجات الخاصة، وتناهض ظاهرة الإدمان عند الشباب، وتدعم تعليم الفتاة القروية، وهذا جزء من مسؤوليتها كفنانة، فالفن في نظرها إن لم يسع لإسعاد الناس والرقي بهم لا جدوى منه.
حظيت كريمة الصقلي بالتكريم أكثر من مرة (المهرجان الدولي للحكاية والفنون الشعبية بزاكورة سنة 2019 ـ مهرجان بن امشيش الدورة الخامسة سنة 2009 ـ مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية الدورة 13 سنة 2016 ـ تظاهرة (مسارات نسائية) ـ تظاهرة (متألقات) وهاتان التظاهرتان كانتا في إطار اليوم العالمي للمرأة، بل إن بيتها تحول إلى متحف جوائز (وسام الاستحقاق الذهبي من اليونسكو ـ وشاح “خميسة” عن فئة الثقافة والفن ـ مجموعة من الدروع التقديرية من دبي، القاهرة، بيروت، لوس أنجلس ـ لاهاي …) وقد جاء هذا التقدير المستحق بفضل مشوارها المذهب والذي حافظت فيه على الرسالة النبيلة للفن.
لقب (اسمهان المغرب) الذي أطلق عليها على قدر ما فيه من تعظيم لصوتها على قدر ما فيه من إجحاف في حقها، ذلك أن صوتها يتزركش بحليات عديدة، فهو مثلا دافئ عندما تصيخ لها السمع وهي تشدو برائعة نجاة الصغيرة (أسهر وانشغل أنا) وهو أيضا عذب الرنة وهي تنشد (آمنت بالله نور جمالك آية من الله) للمطربة لورد كاش، هي ليست نسخة مكررة من اسمهان أو غيرها، بل هي كريمة الصقلي المطربة المغربية، وحبذا لو أن فنانتنا التفتت أكثر إلى “ربيرطوار” أغانينا العصرية ففيه كنوز من القصائد الجميلة لبهيجة ادريس (الشوق القاتل ـ هجران ـ سنواتي ـ اغضب كما تشاء …) أو لسعاد محمد (أشواق الحبيب ـ حديث الغرام ـ ذكريات ـ بسم الورد ….) أو لفوزية صفاء (ساعة لقاء) وغيرهن، وفيه أيضا درر من الدينيات (خير البشر لإسماعيل أحمد ـ نبدأ باسم الفتاح لمحمود الإدريسي ـ يا محمد يا شفيعنا الهادي لعبد القادر الراشدي … إنها فرصة لنفض الغبار عن روائع راقدة ومنسية من إبداع الفنان المغربي.
وختاما أقول للفنانة كريمة الصقلي: قوية وأنت تسبحين ضد التيار، قوية وأنت تصونين الفن الرفيع من السقوط، حقا أنت شهرزاد الغناء في عصرنا تخلقين لنا من المتعة الف ليلة وليلة، ويكفيك فخرا أنه ـ في زمن الجفاف ـ يتدفق منك الرواء، وهذا منتهى الكرم منك يا كريمة..

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية :مديرة موقع صحيفة ألوان: منبر إعلامي شامل يهتم بالأدب والثقافة ومغاربة العالم. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر. رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل :jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *