أفلام الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم – الأفلام الوثائقية

  أفلام الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم – الأفلام الوثائقية

عندما تحكي الوثيقة.

            ذ. محمد صوف

الوثائقي أولا اختيار. نقل أمين لواقع ملموس. نقل بطريقة لا تدعو إلى تحليل أو تفكيك رموز. باختصار هو وصف لواقع حي. ثم إنه في الغالب الأغلب مصحوب بتعليق من صوت خارج الإطار. كأن المخرج يلقي درسا في موضوع ما على متلقين يفترض أنهم لا يعلمون عن الموضوع شيئا.

قد يكون هذا الموضوع قطعة جغرافية، أو منتجا طبيعيا، أو عرقا بشريا، أو شخصا له مكانته في اللوحة البشرية، أو حيوانا، أو تقاليد يرفض لها الفناء .. أو.. والمواضيع لا نهاية لها.

إذن هي الحقيقة تتدخل بواسطة الكاميرا.. والمخرج في هذه العملية لا يقوم بغير تسجيل ما يراه صوتا وصورة.

غير أن سينما الحقيقة تجعل سؤالا علينا نفسه.. هل نحن أمام شريط وثائقي بالمعنى الحرفي للمصطلح. لاسيما عندما نعيش مع أشخاص شخصيات.. في الوثائقي الصرف ثمة أشخاص نراهم بالعين المجردة يتفاعلون داخل فضاء حقيقي يمكن لمسه حتى. في بعض الأشرطة الوثائقية يمتزج الشخص بالشخصية، كما هو الحال في شريط مول الما للأستاذ فؤاد سويبة. الشخص حقيقي يزاول مهنة حقيقية أي غير متخيلة. يحدثنا عن شجونه التي نراها بالكاميرا المجردة. أكثر من ذلك يفضي بنا الشريط إلى العقدة، وتتمثل في شخصية أخرى حكائية لها دور أساسي وهي الشاحنة التي تنقل الماء إلى ناس الصحراء. ثم يأتي الحل لنتنفس جميعا الصعداء. هنا تمتزج الوثيقة بالعمل الروائي. هل يمكن أن نقول نفس الشيء عن شريط” سكين بلا قماش ” لأميمة العشي. مسار شخص يحكيه هذا الشخص نفسه عبر تسلسل مدروس وإيقاع سلس وتدخل لشخصيات عايشته ومنها والدته وزوجته.. كل ذلك وفق سيرورة مخطط لها.. كيف تحول الشخص الشخصية من شاب لا طاقة له إلى فنان فطري يجلب الأنظار.. هنا أيضا ينتفي التعريف التقليدي للشريط الوثائقي. التعريف التقليدي هذا يريد للفيلم الوثائقي أن يعرض بموضوعية واقعا ما. غير أن في شريط” سكين بلا قماش ” ثمة تركيب لأحداث تغنيه – والهاء تعود على الشريط. ” مع احتفاظها بخاصية الإخبار. يضاف إليها تعاطف المخرجة مع موضوعها.. هو إذن شريط وجهة نظر. قد تكون وجهة النظر هذه هي منطلق الأفلام الوثائقية. رؤية مسبقة لواقع ما، ثم تفكير في إنجاز العمل. ثم انتقال محمل بأجهزة إلى عين المكان وهو ما حدث – على سبيل المثال لا الحصر لخالد زايري الذي انطلق من حكاية معمر أصبح شبه أسطورة، ميزته أنه تمكن لأسباب اجتماعية ساعدته من إرسال شبان مغاربة للعمل في مناجم الفحم بشمال فرنسا. هنا أيضا حكاية وحوارات وكشف لواقع معين. تعاطف السينمائي جلي مع أشخاص شخصيات.. هو إذن سيناريو أعد من قبل الشروع في التصوير   بناء على بحث ميداني. فكان فيلم “مورا يشكاد “. ثم يرحل بنا في نفس السياق عزيز اخوادر في شريط ” كوباوريون”  عبر حب الأرض والوطن المتجذر في مغلاها، فتاة صحراوية عاشت طفولتها وجزءا من شبابها في كوبا حيث ربطت علاقات حميمية وهزها الحنين إلى هذا البلد للقاء بناس أحبتهم وأحبوها في عملية رتق للذاكرة حيث تسود العلاقات الإنسانية. أساسا. قد يتيح لنا هذا الشريط منح الصدارة للعاطفة الإنسانية وجعلها شخصية الشريط الرئيسية.

 والبحث هنا ينطبق على جل الأشرطة المعروضة في المهرجان ومعناه دون مواربة صحة في المعلومات. ومنهجية في التناول دون حيادية في الوصف. في جميع الأشرطة التي عرضت كانت وجهة نظر السينمائي جلية وتعاطفه مع الشخوص الشخصيات لا غبار عليه.

لا مجال للخيال كما هو الأمر بالنسبة للفيلم الروائي. ثمة فقط إبداع في مجال الكتابة السينمائية، عندما يحدد المخرج نقطة البداية ونقطة النهاية. نرى ذلك في شريط” رزق من ورد ” حيث الوصف والحوار مع سيدة مناضلة تمكنت من تأسيس إطار يضمن العيش لنساء اتخذن من الاشتغال على نبتة الزعفران مصدرا لقوتهن. واضح تعاطف، بل حب المخرجة مونية الكومي لهؤلاء النساء.

ولو اقتفينا أثر المخرجة عيدة يوي للاحظنا نفس الارتباط العاطفي لقصر آسا وحراسه الذي يحرصون على الاحتفاظ بهذا القصر تراثا حيا. نفس الأمر يقودنا إلى ذكر شريط أحمد بوشلكة الذي أصر على منح قرية تلمزون حياة ثانية أساسها تعلق أهلها بها.  ذاكرة لا تبلى. قوامها البساطة والحكمة وطبعا التعلق بالأرض. عنوان الشريط بليغ “حراس لكصر “

في نفس السياق الإثني قام عبد اللطيف أفضيل بالكشف هذه المرة عن القصيدة في قبائل من الأطلس المتوسط. والقصيدة هنا هي الشخصية الرئيسية التي يتداولها رعاة بسطاء ويدخلون في جدل شعري   حصيف بلهجة المنطقة وتجارب الإنسان.. يتفاعل مع هذا النوع من القصائد كل متذوق للقصيدة بغض النظر عن انتمائه القبلي.. ثمة الإنسان. تلك تيمة شريط ” ثلاثة أقمار وراء تل” عنوان لا يخلو من دلالة. فالمخرج يحب التل والأقمار.

وفي “خيمة الراك ” لسيدي محمد فاضل الجماني “نزور الصحراء ونحضر حفل زفاف بأدق تفاصيله. هنا شخصية الفيلم ليست شخوصا أو مكانا بقدر ما هي عادة تشهد بأصالة المنطقة. كما أن شريط ” فقاعات ” لحسن معناني يمنحنا صورة لفن يمكن اعتباره جديدا عندنا ويتعلق الأمر بالفن التاسع، أي القصص المرسومة وهواتها، لذا فقطب الرحى في الشريط فن له مقوماته وعشاقه.

غنى الوثائقي جعلنا أيضا نتعرف على سير أشخاص معروفين في مجتمعنا مثل “جوك الأخير في الملاح”  لحسن بنجلون و”العربي وجوستو والآخرون” وهم نجوم كرة القدم نفتخر نحن ضمنهم بالعربي بنمبارك. جوهرتنا السوداء. وكمال أورحو يرسم لنا صورة نسيم لشهب، أول متزلج مغربي محترف. نفس الرسم لسيرة شخصية حقيقية تتحفنا به المخرجة زينب التوبالي في حديثها عن الشايعة وكيف استطاعت امرأة بسيطة أن تصبح رائدة في الصناعة التقليدية الصحراوية رافضة لتراثنا أن يندثر.

أما شريط ” كذب أبيض” فيتميز بنوع من التجديد لم تعرفه السينما الوطنية من قبل.. جعلت شخوص حكايتها. إذ إن في الشريط حكاية. إضافة إلى أسرتها وإليها أيضا، من مجسمات. هذه المجسمات حملت إلى الشاشة مكانا وشخوصا وحالة عاشتها مدينة الدار البيضاء سنة1981. وظفت شخصا / شخصية عاش الأحداث واستعانت بالمجسمات والمؤثرات الصوتية التي أغنت الحكاية الوثيقة..  عمل تطلب وقتا طويلا ونفسا أطول، فكانت المرحلة هي بطل الحكاية/الوثيقة.

اعتمدت الأشرطة أعلاه على اعتماد المنظور نصا فيلميا وبالتالي فهي ليست كالفيلم الروائي الذي قد يدعو المتلقي إلى إدراك اللامنظور وراء المنظور ما عدا في شريط كذب أبيض الذي يخاطب اجتهاد المتلقي في إدراك ما وراء المنظور ومن هنا يتجلى جانبه الروائي الذي أبى إلا أن يمتزج بالوثائقي.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *