لمسة وفاء في حق الفنان الراحل “محمد الخلفي”

لمسة وفاء في حق الفنان الراحل “محمد الخلفي”

الخلفي”فارس التشخيص”

                                                                                    محمد الخلفي ( 2024-1937) 

ألوان: (مكتب الدار البيضاء) إعداد: ل. وريغ

                         حميد نقراشي

خصص الإعلامي حميد نقراشي خلال الأسبوع الماضي، حلقة جديدة من برنامجه الإذاعي الشيق “ذكريات عبرت” لرحيل الفنان المقتدر السي محمد الخلفي الذي وافته المنية أياما قليلة عن اسدال الستار عن السنة الميلادية 2024. وحملت الحلقة عنوان “لمسة وفاء لرحيل محمد الخلفي”.
وقال النقراشي في تقديمه: “في هذه الأيام الأخيرة من العام الجاري الذي يوشك أن يلملم أوراقه، يطوي دفتر الفقد صفحة أخرى من صفحات الإبداع الفني المشرق.
اسم آخر من فصيلة الكبار يمتطي جناح الموت ويترجل عن صهوة الحياة بعد مسار فني مرصع بأجمل الإبداعات المسرحية والدرامية. إنه الفنان محمد الخلفي الذي لبى نداء السماء بعد طول معاناة مع المرض، وبعد أن انسلت سيوف التخلي من غمدها وصارت بسنها تخدش جسده الضامر”.
وأضاف حميد النقراشي مشيرا إلى أن الراحل “آمن منذ أن استهل مشواره الفني بأن الإبداع هو العنصر الفني الإنساني الخاص بالانفعالات والأفكار والتطلعات، وأنه السبيل الأفضل لإخراج الإنسان من وهدة التخلف والخمود مما تسمعه الآذان الصماء وتبصره البصائر العمياء”.
وقال النقراشي إن الراحل قدم خلال مساره الفني الطويل” أعمالا وازنة رسخت مكانه في التشخيص سواء في المسرح والتلفزيون أو السينما”. ووصف النقراشي الراحل بكونه “فارس التشخيص”..
واستعرض صاحب “ذكريات عبرت” نبذة مقتضبة عن أهم المحطات من حياة الراحل السي محمد الخلفي انطلاقا من مدينته الأم الدار البيضاء التي احتضنته إنسانا وفنانا ولَم يهجرها بعد أن استجاب لقضاء الله وقدره.
وقال الإعلامي المغربي “صحيح أن الخلفي غاب في السنوات الأخيرة عن الركح والشاشة، لكنه لم يغب أبدا عن الذاكرة والوجدان”.
واعتبر النقراشي أنه برحيل هذا الاسم الفني “سنفقد النظرة الطويلة تجاه المدى البعيد التي كانت تعني الكثير للممثلين الشباب الحالمين بركوب صهوة المسرح.. سنفتقد صمته العميق الذي كان أكثر تعبيرا عن أشياء كثيرة خالجة الروح..
سنفتقد تألقه المعهود متى امتشق خشبة المسرح أو وقف أمام الكاميرا حيث تتناسل المشاهد واحدا تلوى الآخر أكثر عذوبة وجمالا”.
وبعد هذه المقدمة التي حملت بين كلماتها مشاعر الحزن والأسى والنعي والعزاء لأسرة الراحل الصغيرة والكبيرة، استضاف الإعلامي حميد النقراشي بعض الضيوف الذين جمعتهم بالسي محمد الخلفي روابط متينة امتزج فيها الفني بالإنسانية، مما جعل شهاداتهم صادقة ومضيئة لجوانب لا يعرفها إلا من عاشر الراحل عن قرب.
في بداية الحلقة التأبينية، تحدث الإعلامي والمسرحي عمر عزيز السملالي عن علاقته بهذا “الفنان الكبير”، على حد تعبير الراحل الطيب الصديقي. واستهل عمر عزيز شهادته، كما تجري العادة في مثل هذه المناسبات، بتقديم واجب العزاء إلى جميع أفراد عائلة الفنان السي محمد رحمه الله.
وقال عمر عزيز بأن الخلفي كان من “أحسن الممثلين، ليس في المغرب فقط، بل في العالم العربي، نظرا لإمكانياته ونظرًا لحضوره على الركح، ونظرًا لعدة مواهب تتجسد في شخصيته…”.
واستطرد عمر عزيز مشيرا إلى أن القدر كان أكبر من تحقيق أمل زيارة الراحل بمقر إقامته ( رفقة الفنان صلاح الدين بنموسى) حيث كان يقضي عزلته الفنية والاجتماعية بسبب المرض الذي ألزمه الفراش لسنوات عديدة.
واعتبر عمر عزيز أن البدايات الأولى لعلاقته بالسي محمد الخلفي تعود إلى سنة 1959، علما أنه ولج عالم المسرح في سنة 1957، رفقة الفنان عبد القادر البدوي. وهنا توقف عمر عزيز لتصويب خطإ تردده بعض الألسنة والأقلام من حين لآخر، حيث تعتقد أن الخلفي بدأ المسرح مع الطيب الصديقي، بينما الصواب، يقول الإعلامي والمسرحي المغربي، كان مع الأستاذ عبد القادر البدوي ضمن فرقة” العهد الجديد”. وأضاف عمر عزيز أن مكتشف الموهبة الفنية للخلفي هو الفنان الراحل مصطفى التومي. وقال عمر عزيز في هذا السياق: “إن مصطفى التومي هو الذي اكتشف محمد الخلفي وأخذ بيده وقدمه للمرحوم عبد القادر البدوي.. وكانت المناسبة هي مسرحية “في سبيل التاج”[مسرحية شعرية من تأليف فرانسوا كوبيه سنة 1895 وترجمها للعربية مصطفى لطفي المنفلوطي]، التي أدى فيها المرحوم عبد القادر البدوي دور “قسطنطين” بينما أسند دور الوالد لمصطفى التومي وقدمت الفنانة خديجة نادر دور ميليتزا”.
وتابع عمر عزيز مؤكدا أنه لحظة نشوب خلاف بين التومي والبدوي، لجأ هذا الأخير إلى خدمات الخلفي الذي سيؤدي باقتدار دور الأب “برانكومير”. هذه المسرحية تم عرضها على نطاق واسع، يقول عمر عزيز، وفِي أكثر من قاعة سينمائية بالدار البيضاء ولاقت نجاحا منقطع التنظير.
ولاحظ الإعلامي المغربي أن السي محمد الخلفي سيتابع مساره الفني بانخراطه في مسرح الطيب الصديقي، حيث سيتألق سنة 1963 عندما حظي بالمشاركة في مسرحية تحت عنوان “في انتظار مبروك” التي ترجمها الى العربية سعيد الصديقي رحمه الله عن مسرحية في “انتظار غودو” لصامويل بيكيت.
والعجيب في الأمر أن المسرحية لم يؤد أدوارها إلا ممثلان: الصديقي والخلفي فقط.
وتابع عمر عزيز شهادته مشيرا كذلك إلى أن الحياة الإنسانية والاجتماعية للراحل السي محمد الخلفي عرفت محطات عديدة أبرز عناوينها زواجه من الكاتبة زينب فهمي الملقبة ب”رفيقة الطبيعة”، كما أنه كان” متواضعا وضحوكا ويحب النكتة وشغوفا بالمسرح”.
وختم عمر عزيز مشاركته في البرنامج بالتذكير أن السي محمد الخلفي اختار العزلة بسبب مزاجيته ومرضه، رغم أن الإشاعات لم ترحمه حتى وهو في عزلته تلك”.
أما الضيف الثاني فكان هو الفنان المسرحي صلاح الدين بنموسى الذي استجاب لدعوة البرنامج من أجل الإدلاء ببعض الكلمات والجمل في رحيل السي محمد الخلفي. واعتبر بنموسى أن خبر رحيل الخلفي كان بمثابة مفاجأة وفاجعة كبيرة.
وتساءل بنموسى: ماذا عساني أن أقول عن الخلفي..؟
هذا السؤال يخفي خلفه ذكريات وأحاديث لا حد لها، لذلك بدأ بنموسى في تعداد خصال صديق دربه الفني الذي كان شغوفا بالقراءة والكتابة، حيث كتب عدة مسرحيات وكانت ناجحة ومن أشهرها:” زوجتي مشكلتي”، “العائلة المثقفة” و “الزوجة الموظفة” و” عريس من الخارج” …إلخ.
وتابع بنموسى مستحضرا أسماء الفرق المسرحية التي أسسها الراحل منذ الستينيات: المسرح الحديث، المسرح الشعبي، فرقة الفنانين المتحدين.
وكشف بنموسى أن الخلفي استطاع أن يلج التلفزيون المغربي منذ بداياته الأولى، حيث قدم العديد من الأعمال المسرحية مباشرة (كل يوم ثلاثاء وجمعة) والمسلسلات (كل يوم سبت)، إضافة إلى البرامج التلفزيونية بمعيّة عبد الله المصباحي من بينها: “فكر وقدر”، “أشكال وألوان”. وعزا بنموسى هذا الحضور التلفزيوني للخلفي بسبب الخلاف المغربي المصري جراء حرب 1967.
أما الضيف الثالث الذي وافق على الإدلاء بشهادته في حق الراحل السي محمد الخلفي، فلم يكن سوى الإعلامي والفنان مصطفى أهريش الذي جمعته هو الآخر صداقة متميزة بالراحل خاصة أنهما عاشا وترعرعا بحي درب السلطان بالدار البيضاء، الذي بدأ يفقد العديد من نجومه الفنية مثل: مصطفى الزعري ومصطفى الدسوكين ونعيمة المشرقي.
وقال أهريش إن السي محمد الخلفي هو مكتشف الفنان عبد القادر مطاع الذي يعيش هو الآخر في وضعية صحية حرجة.
ولاحظ أهريش أن القيمة الفنية للراحل الخلفي لم تعكسها شاشة التلفزة، وإنما خشبة المسرح بعد سنة واحدة من استقلال المغرب.
وتعزيزا لما ورد في شهادتي عمر عزيز وصلاح الدين بنموسى، أكد أهريش أن الراحل الخلفي عشق القراءة والكتابة حتى أن مسكنه المتواضع لم يكن خاليا من الكتب العربية والعالمية، مما ساعده على تأليف ما لا يعد ويحصى من الأعمال الفنية. بل إن علاقته بزوجته “رفيقة الطبيعة” ساهمت بشكل كبير في تعزيز ثقافته الأدبية والفنية.
وخلص أهريش إلى أن الراحل الخلفي دخل عالم الفن المسرحي بعد أن كانت له تجربة مع الوظيفة العمومية من خلال سلك الشرطة. وأضاف المتحدث قائلا بأن الراحل كان من بين المساهمين في تأسيس مجموعة ناس الغيوان من خلال دعمها بكثير من النصوص. ثم إن عشق الخلفي لكرة القدم جعلته واحدا من محبي نادي الوداد البيضاوي. ولَم ينس أهريش الإشارة إلى موهبة الراحل الخلفي في العزف على آلة العود.
جدير بالذكر أن هذه الحلقة من برنامج “ذكريات عبرت” التي أذيعت على أمواج الإذاعة الوطنية بطنجة، عرفت إعادة بث مقتطفات من لقاء إذاعي سابق كان نجمه هو الفنان محمد الخلفي بمشاركة عبد القادر مطاع أطال الله في عمره. هذه الوثيقة الصوتية تنفرد بها إذاعة طنجية وكانت ضمن البرنامج الإذاعي “أنيس المبدعين” من إعداد وتقديم الإعلامي حميد النقراشي نفسه.
وتضمنت الحلقة – الوثيقة كشفا لأهم المراحل الإنسانية والفنية لهذا الفنان الذي جعل من الفن إكسيرا لحياته.

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *