خواطر امرأة

خواطر امرأة

أدب الشيء وجوهره

ثريا الطاهري الورطاسي
         ثريا الطاهري الورطاسي

وتبقى الحياة حكايات وبدايات ، حكاية تبدأ بالأدب واخرى تنتهي بالجوهر ، فالأيام تمضي تباعا لتكشف لنا ان التعامل لن يكون مرهونا بالخطوة الأخيرة ، بل هو مرهون بالأولى ، فنحن عادة ما نستأذن وبالكثير من الأدب لننتقل إلى الجوهر الذي يرادفه .

فأدب الشيء هو القيام به وفعله ، وجوهره هو حقيقته وذاته ، والحياة اليومية للإنسان من الأكل والشرب وما يدور في فلكهما ، والحب والمظاهر والتعامل بأشكاله وأفعاله تبقى جميعها من أدب الشيء ، وبها يتحدد جوهره لنصل إلى عمق الإحساس بالشيء الذي نفعله . وينبغي ان نشير هنا إلى الفرق الكبير مابين أن تقدم على الشيء بأدب وأن تفعله بيقين وإيمان ، فقد نجد أن الكثير من الناس يبالغ في التظاهر والمظهر ، ولكن يتناسون الجوهر .. وعلى سبيل المثال لا الحصر ، لم ينبهر العرب – قديما – بملابس الرسول (ص) ولا بأكله ولابشربه ، ولكنهم انبهروا بأخلاقه الفاضلة وطيب سيرته وسلوكه ولين معاملته ، فالاسلام ليس عبادة فقط لها مجموعة من المبادئ ، ويبقى جوهره اتقانها بقلب مؤمن خالص في ايمانه ومشبع بها .

وقد يكون إلقاء السلام بين الناس من آداب الإسلام، لكن إفشاءه هو الجوهر، واذا كان اكرام الضيف وحسن معاملته من مكارم الأخلاق وادابها ، فإن جوهره شعبة من شعب الإيمان وجود من بحر الإكرام . وقد أكد القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ” (سورة آل عمران ) . فأدبنا مع الضيوف واجب ، لكن أن نشاركهم الوقت واللقمة دون مجاملة ونقول بقلب صاف : اللهم ازرع مزيدا من حبنا في قلوب خلقك فذاك هو الجوهر . وأن تنفق وتتصدق من آداب الشيء ، لكن عمق الإحساس هو الثقة مما نحب وفيما نحب ، فكان أحد الصالحين إذا دخل عليه من يريد صدقة يقول : مرحبا بمن جاء يحمل حسناتي إلى الآخرة ، ويستقبله بالفرحة العارمة وما أحوجنا في هذا الوقت الى المحسنين الذين هم على هذه الشاكلة .

أجل ان مشاعر الإنسان تتغير عندما يتغير فهمه وتحليله للمواقف ، وما فائدة تعلم الأدب إن لم تكن الزيادة في الفضل والدليل على استحضار العقل في كل المواقف ، والصاحب في الغربة والأنيس في الوحدة ؟ وقد نختلف في المواقف وبالأدب نتباعد ، لكن يفترض منا أن لا ننكر الفضل ولا نفشي السر ولا نهتك العرض ، فحظ المؤمن منا ثلاثة : إن لم ننفعه فلا نضره ، وإن لم نفرحه فلا نغمه ، وإن لم نمدحه فلا نذمه ، ويبقى ذلك هو جوهر الإيمان الصادق الذي يفترض ان نتحلى به . ومع كل ذلك تبقى ذروة العطاء هي السعادة ، رغم انها مفهوم اهليليجي وشعور يصعب تلمسه أو القبض عليه ، أما جوهر العطاء فيبقى هو الرضا ، انسجاما مع قوله تعالى : ” ولسوف يعطيك ربك فترضى ” . وإذا كانت الأناقة هي أدب اللسان ومتعة الكلام فإن العقل والقلب والسلوك هو جوهر الأناقة الحقيقية اذا ماكنا نبتغي أفكارا أكثر تهذيبا ، ومشاعرا أزكى عطرا ، وخلقا أكثر جاذبية . ومن كل ذلك يبقى أدب التعامل قائما على احترام الآخر والابتعاد عن كل مايصب في خانة الترفع او التكبر عنه ، لأن عزة النفس الحقيقية هي ان نكون أغنياء بقناعاتنا وايماننا وسلوكاتنا ، فنرقى إلى مرحلة الصمت أوالتجاهل وكأننا لم نر ولم نسمع أي شيء ونتصنع دور المكتفي رغم أننا في أمس الحاجة لكل شيء ، ليس ضعفا او جبنا وإنما رغبة في المحافظة على النقاء والصفاء وبعيدا عن أي إساءة ، والتزاما بقناعاتنا وشيمنا الناهلة من سمو ما نحبه ونؤمن به ، فعندما نحجم عن الكلام في الأمور التي لاتعنينا ولا تهم من هم معنا ، نكون قد أصبنا لان صمتنا والحالة تلك هو قيمة غير مشروطة ممزوجة بالاحترام والاهتمام رغم ان الجوهر في الكلام والتعليق يبقيان حقا مشروعا للجميع وعلى الجميع ، وكم هو جميل وممتع أن نفرج على المهموم إن هو قصدنا ، والأجمل منه أن ننصت إليه واليها بمنتهى الامان والتواضع والإحترام . خاصة وأن الأمان يتحدد في أن يستأمننا أحدهم على عيوبه وزلاته ويشاركنا في آلامه تائها لا يدري مايقدم أو يؤخر ، فنحتضنه ونؤازره خوفا عليه من كل التبعات اللامحتملة ومحبة صادقة فيه . كما أن الأدب لا ينحصر في التأدب مع الناس فقط ، بل يمتد الى كيف ينبغي لنا أن نتأدب في فهمنا للأخر والانتباه للأنفس ، فالأصيل إذا أخذ شكر وإن رأى ستر ، وان أحب بذل وحتى في خصامه ينبغي أن يكون أصيلا فذاك هو جوهر كل سمو ، لأن الحياة كفاح واختيار للطريق الصحيح مع الحرص على أن نقتنع دوما بأن الرحلة الداخلية تبدأ فقط عندما نفهم الأمور بشكل واضح ونقتنع بأن لا شيء في الخارج يمنحنا طمأنينة القلب ، ومن باب الأدب أن نستمع للاخرين بشكل جيد ونتفهم قصدهم كي نكتشف الحقيقة من الخطأ ، ونحرص على ثنائية التسامح والتجاهل ، فالنفس الخيرة يجزيها القليل من الصدق المقرون بالأدب ، والقلب الجميل يعيش دوما على أمل أن يسود الجمال وتعم السكينة والطمأنينة . وتبقى قمة الأدب وجوهر السلوك أن نحسن لمن أساء إلينا مع مرور الزمن شريطة أن لا تخدش كرامتنا ، وقد نعمد الى التغافل ونعفو عن كل اساءة ، فقديما قيل : العفو عند المقدرة ، وهو ما لا يستطيع أن يفعله منا إلا الفضلاء و العظماء .

واخيرا أجدني أردد مع نفسي وفي خلوتي قائلة : ان أناقة الكلام من أناقة الشكل ، وأن القلوب لا يسرقها سوى الصادق والطيب من الحديث وهو ما يبقى راسخا بين أدب الشيء وجوهره ، ويدفع إلى ضرورة وحتمية مراجعة الذوات ليس لجلدها ، ومن هنا ألا يحق لكل من اساء الينا – بقصد او عن غير قصد – ان يراجع نفسه ويتحلى بالجراة ليطلب منا السماح عن كل إساءة منه او منها تكون قد وصلتنا ، طلبا للمودة والإحترام والحب الصادق ، وعندئد تزداد سعادتنا ونعرف قيمة الدنيا غير مبالين بأي تصرف أرعن ، قبل أن نعتزل بأدب إن نحن ارتوينا من الأذى ، أو عندما تكون قلوبنا قد شبعت مما لحقها .

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية مديرة وإعلامية موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بمغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام. Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com للتواصل و المراسلات:jaridatealwane@alwanne.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *