اليوم العالمي للغة العربية:عنقا الادريسي.
اللغة العربية جزء من الهوية والتراث الثقافي للشعوب
في جريدة ألوان الإلكترونية و بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، نتوخى إثارة الانتباه لضرورة توسيع نطاق المهتمين بهذا الأمر / القضية، حتى تبقى شغلا شاغلا للرأي العام من أجل المتابعة والاهتمام في زمن أصبح المواطن فيه مدمنا على منصات التواصل الرقمي التي أضحى الكثير منها يحمل في طياته خطط ومعاول ضرب اللغة العربية ، بل نجدها ماضية بتؤدة في تنفيذ تلك الأهداف .
في هذا الصدد يسعدنا أن نقدم ورقة في موضوع اليوم العالمي للغة العربية، أعدها مشكورا الأستاذ المختار عنقا الادريسي.
ان الذي ملأ اللغات محاسنا
جعل الجمال وسره في الضاد
أحمد شوقي
أولا: وقفات تاريخية للتأمل
- منظمة الأمم المتحدة واللغة العربية أصدرت الجمعية العامة في 18. 12. 73 خلال دورتها الثامنة والعشرين، قرارها رقم د .18 – 3190 القاضي بإدخال العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المعتمدة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسية، والقيام بناء عليه بتعديل أحكام النظام الداخلي للجمعية العامة المتصلة بالموضوع وقد كانت اللغة العربية معتمدة كلغة رسمية قبل ذلك التاريخ، في الجمعية العامة لليونسكو ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الوحدة الافريقية .
- اليونسكو وتأسيس المجلس الدولي للغة العربية
اتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته 33 القرار رقم 33 م. 01 بتاريخ 20 أكتوبر 2005، معلنا فيه أن 2008 يعد عاما دوليا للغات. وفي 16 ماي 2007 صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61. 266 تؤيد فيه قرار اليونسكو المشار اليه ، وأن تكون اليونسكو هي الوكالة المكلفة بهذه المهمة واعتبرت اليونسكو أن2008 عاما دوليا للغات ، وقدمت مبادرة تأسيس المجلس الدولي للغة العربية ، وقد رحب معالي المدير العام لليونسكو السيد كوشير ومتسورا بتلك المبادرة المعززة لموقع اللغة العربية في هيئة الأمم بمختلف منظماتها وبعد استكمال الإجراءات النظامية والقانونية رأت اليونسكو أن ينشأ المجلس في دولة عربية تمنحه كافة المزايا والحصانات أسوة بالمنظمات الدولية التي تعمل في إطار الأمم المتحدة وقد تم اختيار لبنان لوجود عدد من هيئات الأمم به ، فصدر مرسوم جمهوري بتأسيس المجلس ومنحه كافة المزايا والحصانات .
المؤتمر الدولي الأول للغة العربية
لقد قرر المجلس الدولي أن يعقد مؤتمرا دوليا يكون نقطة انطلاق لأعماله وذلك في بيروت خلال الفترة المتراوحة مابين
19 و 23 مارس 2012 ، تحت عنوان:
[العربية لغة عالمية، مسؤولية الفرد والمجتمع والدولة]. وقد حضرته العديد من المنظمات والهيئات العربية والدولية، وركز المؤتمر في أبحاثه ودراساته وندواته وجلساته، على مختلف القضايا التي تواجه اللغة العربية.
4 وثيقة بيروت
لقد أسفر المؤتمر على بيان ختامي يلخص أهم ما جاء في وثيقة بيروت من مبادرات، وقد طبعت تلك الوثيقة في مقدمة جدول الأعمال ليطلع عليها الجميع بهدف المناقشة وإبداء الملاحظات واعتمادها لتكون مرجعا لصناع القرار وقد نشرت في كتيب من 35 صفحة مشكلة نداء عالميا بعنوان [اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها. 】
5 اليوم العالمي ووثيقة بيروت
يتضمن البند 18 المعنون باليوم العالمي للغة العربية ، تأكيد أهمية هذا اليوم والحرص على أن تنظم خلاله الاحتفالات والمشاريع والمبادرات المختلفة ، وأقترح أن يكون هناك إجماع على أن يكون اليوم العالمي منسجما مع مكانة اللغة العربية وتاريخها ومرجعياتها وثوابتها ومستقبلها ، وتم تنظيم ندوة اللغة العربية ومكانتها الدولية بهدف مناقشة واقع اللغة على المستوى الدولي ، كان قد ترأسها الدكتور زياد الدريس رئيس البعثة السعودية في منظمة اليونسكو شارك فيها العديد من الشخصيات ف [ اللغة العربية هي أهم مراحل الغزو الثقافي ، ان هي طغت على اللغة الوطنية وأصبحت تحل محلها في جميع شؤون الحياة ، وبهذا يصبح الأمن الثقافي الوطني والعربي عرضة للاختراقات التي تهدد الهوية وتعتدي على الثوابت وتضعف الانتماء مما يؤدي إلى وجود مواطن سلبي] . وذلك حسب ما جاء في الصفحة 26 من وثيقة بيروت. التي تعد [المرجع الأساس للمعنيين من المسؤولين وصناع القرار والمتخصصين والمهتمين وللفرد والمجتمع والدولة، لتبصيرهم بما الت اليه اللغة العربية من تراجع كبير في الكثير من المواقع … وتعلن حالة الطوارئ لمواجهة الخطر الدائم الذي يلم باللغة العربية قبل أن يتحول إلى كارثة أمة ] وهو ما أشار اليه وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ، المهندس زياد المكاري، تبعا لما جاء في صحيفة النهار اللبنانية ليوم 24 ماي 2023 .
ثانيا: أهمية اللغة العربية
اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتعبير ، بل هي جزء من الهوية والتراث الثقافي للشعوب العربية وتعكس غنى وثراء الفكر وتنوعه وتساهم في تعزيز الحوار بين مختلف الثقافات . وتعد من أقدم اللغات السامية وأكثرها تحدثا وانتشارا في العالم ، متفوقة بذلك على الفرنسية والروسية ، كما أنها تتمتع بصفة الرسمية في 25 دولة ، إضافة إلى أنها من بين اللغات الأربع الأكثر استخداما في الانترنت . وتحظى كذلك بأهمية كبرى لدى المسلمين ، لانها لغة القرآن ، ناهيك على انها لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي ، وقد كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في القرون الوسطى ، فكان لها بالغ الأثر في اللغة والدين والادب اليهودي .
ثالثا : لماذا اليوم العالمي للغة العربية ؟
في البدء ينبغي أن نشير إلى أن المجلس الدولي للغة العربية قد نشأ بمبادرة قدمت لليونسكو بمناسبة إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2018 عاما دوليا للغات وتم عرضها على المؤتمرالعام لاتحاد الجامعات العربية ، الذي انعقد بمشاركة أكثر من 150 رئيس جامعة عربية ، وقد أيد المؤتمر نشأة المجلس الدولي للغة العربية كهيئة دولية مستقلة مركزها بيروت وبعد ذلك جاءت مبادرة اليوم العالمي للغة العربية ضمن الموضوعات التي نوقشت في الندوات والجلسات التي تناولت وثيقة بيروت وبنودها العشرين التي تم عرضها في جدول أعمال المؤتمر الدولي المنعقد ببيروت في الفترة الفاصلة مابين 19 و 23 مارس 2012 ، وإعلانها في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر … وقد خلصت هذه الوثيقة إلى أهم القضايا والموضوعات والحلول والمبادرات التي تهتم بمعالجة وضع اللغة العربية وطنيا وعربيا ودوليا . كما أن هذه الوثيقة قد أعدت للمحافظة على المصداقية والمرجعية العلمية لمبادرة اليوم العالمي للغة العربية ، وتمسكا بحقوق الملكية الفكرية وتقديرا لجهود العلماء والباحثين والمسؤولين والمشاركين في المؤتمر …. ونأمل في الأمانة العلمية ومراعاة حقوق الملكية الفكرية عند الكتابة أو الحديث عن تاريخ اليوم العالمي للغة العربية الاستفادة من هذه الوثيقة بوصفها مرجعا علميا ورسميا للتعريف بإنشاء اليوم العالمي للغة العربية وتأسيسه في اليونسكو
الأمانة العامة – المجلس الدولي للغة العربية
رابعا : كرنولوجية الإعتراف باللغة العربية ، لغة رسمية بالجمعية العامة للأمم المتحدة
يعود تاريخ الإحتفال باليوم العالمي للغة العربية من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى القرار الصادر عنها تحت رقم 3190 في ديسمبر 1973 ، وبموجبه تم إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المعتمدة في الأمم المتحدة وذلك باقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية ، خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو . ومنذ خمسينيات القرن الماضي أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 878 بالدورة التاسعة المؤرخة في 4 . 12 . 1954 ، الذي يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية .
وفي 1960 ستتخد اليونسكو قرارا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تنظم في البلدان الناطقة بالعربية وبترجمة المنشورات الأساسية إلى العربية . أما في 1966 فقد تم اعتماد القرار القاضي بتعزيز استخدام العربية في اليونسكو وتأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية ومنها إلى اللغات الأخرى ، في إطار الجلسات العامة . أما في سنة 1968 فستعتمد العربية تدريجيا لغة عمل في المنظمة ، مع البدء بترجمة وثائق العمل والمحاضر وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى اللغة العربية . وأمام استمرار الضغط الديبلوماسي العربي الذي برز فيه المغرب بالتعاون مع بعض الدول العربية الأخرى ، استعملت العربية لغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في ديسمبر 1973 وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارا يقضي بجعلها ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة وباقي هيئاتها ، سيترتب عن ذلك صدور قرار الجمعية العامة رقم 3190 . د . 28 خلال الدورة 28 في ديسمبر 73 ، يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة بمختلف هيئاتها . أما مسألة استخدام العربية كلغة عمل في دورات المجلس التنفيذي ، فقد أدرجت في جدول الأعمال عام 1974 ، بناء على طلب من مكونات الدول العربية .
خامسا : شعارات الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية
وفي ختام هذه الورقة ارتايت أن اتوقف عند الشعارات التي تم اختيارها من طرف اليونسكو للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية ويمكن للمتبع أن يلاحظ تنوع تلك الشعارات ، حيث تسعى المنظمة كل سنة إلى إبراز جوانب مختلفة من أهمية اللغة العربية ودورها في الحضارة الإنسانية بصفة عامة ، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك :
- في سنة 2020 كان الشعار مميزا وقد ركز على أهمية الحفاظ على اللغة العربية في عصر التكنولوجيا المتسارع وقد تحدد في : مجامع اللغة العربية ضرورة ام ترفا ؟ وهو الشعار الذي أثار نقاشا مهما حول دور المؤسسات والمجامع اللغوية في حماية العربية وتعزيزها في ظل التحديات التي تواجهها مثل انتشار اللغات الأجنبية وتأثير التكنولوجيا على اللغة .
- أما في سنة 2021 فسيتم اختيار شعار: اللغة العربية والتواصل الحضاري . وذلك بهدف إبراز الدور المحوري الذي تلعبه العربية في التواصل بين الحضارات وتبادل المعارف والثقافات ، كما سلط الضوء على التأثير العميق لها في اللغات الأخرى وفي الحوار بين الثقافات ، وقد جاء ذاك الشعار ليذكرنا بالدور التاريخي الذي لعبته العربية في نقل المعرفة واثراء الحضارة الإنسانية • وفي 2022 تم اختيار شعار : مساهمة اللغة العربية في الحضارة الإنسانية .
وهو ما يشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه اللغة العربية في بناء الحضارات وتطوير المعرفة الإنسانية ، مع التركيز على أهميتها في المحافظة على الهوية الثقافية للشعوب العربية وتعزيز الحوار بين مختلف الثقافات وتشجيع الابتكار والابداع في مختلف المجالات المرتبطة عموما باللغة العربية .
- أما في سنة 2023 فكان شعار الاحتفال هو : العربية لغة الشعر والفنون . وقد جاء للتاكيد على الدور الكبير الذي لعبته اللغة العربية في إثراء مختلف الحقول الإبداعية وكيف أنها كانت وسيلة للتعبير عن الجمال والأحاسيس على مر العصور .
وفي هذا الإطار ترى السيدة أودري ازولاي المديرة العامة لليونسكو ، أن اللغة العربية تعد [ … حلقة وصل بين القارات وتستمد عمقها وتنوعها من تاريخها الطويل الممتد لألف عام ونيف … وقد ازدادت من خلال ما استمدته من الثقافات الأخرى فأصبحت حاملة لفكر ذي أهمية تاريخية استثنائية] وفي نفس الوقت فإنها تشيد [ بالرجال والنساء الذين يعملون على المحافظة على الوهج الشعري والفني لهذه اللغة النابضة بالحياة ] .
- وخلال هذه السنة تم اختيار الشعار التالي ، اللغة العربية والذكاء الاصطناعي :
تعزيز الابتكار وصون التراث الثقافي . وذلك للربط بين الماضي والمستقبل ، وهو مايعكس التوجه نحو دمج اللغة العربية في التطورات التكنولوجية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي المرتبط بها ، والتأكيد على أنها ليست مجرد وسيلة للتواصل بل هي حاملة للحضارة والتاريخ والثقافة ، ويدعو إلى استفادتها من تطور مختلف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وخلق تطبيقات مبتكرة .
المختار عنقا الادريسي
الدار البيضاء في 18 .12. 2024