تكريم الإعلامي والصحفي المغربي الكبير ” محمد الصديق معنينو “
الكتابة .. أكبر تحد للشيخوخة
بقلم : المختار عنقا الإدريسي
سبق لنا في جريدة “ألوان” الإلكترونية أن توقفنا عند الكثير من الإعلاميين المغاربة، وسيرا على هذا النهج ارتأينا أن نخصص هذه الوقفة للإعلامي الكبير ، الأستاذ محمد الصديق معنينو، رجل دولة و إعلام قدم الكثير لبلاده، إذ اختيرت مناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء – والتي كان له فيها حضور وازن على جميع المستويات إبان تك الفترة-
ومن ممن عايشوا الحدث لا يذكره و يذكر حماسه وتعليقاته واحساساته الصادقة بمتابعة البث المباشر بوطنية حقيقية وحب عميق…!!!!
لقد تم تكريمه قبل أيام قليلة من قبل ” جمعية فاس سايس “ برحاب قصر المؤتمرات بمدينة فاس ، و بحضور شخصيات مرموقة من الوسط الثقافي و الإعلامي و السياسي، كيف لا و هو صديق الجميع و المحبوب من جل من عرفه…!!!
ارتأينا أن نشير بداية و بعجالة إلى والد الأستاذ معنينو، لما له من مكانة في تاريخ العمل الصحفي والنضال الوطني، ومن جهة لدوره وتأثيره على ابنه : “محمد الصديق “فالوالد هو : الحاج أحمد بن محمد معنينو الأندلسي السلاوي، من مواليد مدينة سلا في سنة 1906، كان قد حصل على أول الإجازات العلمية في سن مبكرة، الأمر الذي مكنه وهو ابن العشرين من زيارة العديد من الدول العربية والاسلامية، لحضور دروس كبار علماء المشرق…
يعتبر الحاج أحمد بن محمد معنينو أول صحفي مغربي يسجن لمشاركته في مظاهرة داعية إلى حرية الصحافة. و في سنة 1946 رفع عنه المنع، فعاد إلى مدينة سلا ، و كان من أحد أبرز الركائز التي قام عليها حزب “الشورى والاستقلال “، بحيث كان عضوا بارزا في مكتبه السياسي، ولا تفوتنا الإشارة إلى أنه ساهم في المفاوضات المعروفة تاريخيا باسم ” ايكس ليبان “، إذ بعدها عين في ” المجلس الوطني الاستشاري” الذي كان يترأسه المهدي بنبركة.
لقد حرص على توثيق تاريخ الحزب والنضال الوطني، وكتب العديد من الكتب والمذكرات التي تعتبر مرجعا هاما لدراسة تلك المرحلة من تاريخ المملكة المغربية، وقد انتقل الى عفو الله ورحمته في يوم 11ماي 2003 بمدينة سلا، تاركا العديد من المؤلفات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: (ذكريات ومذكرات) مكونة من 11 جزءا. وفي رسالة تعزية كان قد بعثها جلالة الملك محمد السادس لأسرة الفقيد جاء فيها أن المغرب افتقد [… شخصية كان لها دور كبير في تاريخ الحركة الوطنية والنضال من أجل العمل والقلم لظهور الحرية والاستقلال]
محمد الصديق معنينو
1 النشأة والمسيرة المهنية
هو أيقونة إعلامية مغربية، ولد بمدينة طنجة في 1944، واشتهر بعمله الطويل والمميز في مجال الإعلام، وسنحاول أن نلخص مسيرته المهنية في المحطات التالية:
1- 1 التغطيات الإعلامية
بدأ مسيرته المهنية في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وتقلب بين العديد من المناصب الإعلامية، و اسندت له مهمة القيام بتغطيات إعلامية لعدد كبير من مؤتمرات القمم العربية والإسلامية و الافريقية داخل المملكة وخارجها، و قد حضر عددا من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة واللجنة الرابعة، ومثل المغرب في مجموعة من اللقاءات العربية والدولية، وترأس وفودا اعلامية مغربية في منتديات عالمية، وقدم برامج تهم الأوضاع السياسية والاستراتيجية الدولية.
2-1 المناصب القيادية
شغل مناصب مهنية قيادية في وزارة الاتصال، الأمر الذي أهله للاطلاع على الكثير من الملفات وجوانب العمل الإعلامي الحكومي، واستجوب عددا كبيرا من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية.
2 الكتابة والتأليف
إلى جانب مهامه الإعلامية يعتبر الأستاذ “محمد الصديق معنينو ” كاتبا صحفيا، نشر العديد من المقالات والتحليلات في الصحف والمجلات المغربية والعربية وترأس – لعدة سنوات – اللجنة الوطنية التي تمنح البطاقة المهنية للصحافيين المغاربة في الجرائد و وسائل الإعلام السمعية والبصرية وغيرها من المهام المتعلقة بالإعلام، وحصل على العديد من الأوسمة من المغرب وغيره من الدول الأوروبية. وكتب الكثير من المقالات وألف العديد من الكتب، نورد بعضا منها فيما يلي – على سبيل المثال لا الحصر –
سلسلة أيام زمان: وهي من أشهر أعماله وتتكون من ستة أجزاء، استحضر فيها حكايات وشهادات و وقائع و أحداث عاشها المغرب، وكان شاهدا على مختلف فصولها انطلاقا من المناصب التي تولاها بالإذاعة والتلفزة والوزارة على حد سواء، ومن هذه السلسلة نذكر :
موكب السلطان – الفتح المبين – الخصم والصديق …. وغيرها كثير:
كتاب الحاج أحمد معنينو المجاهد
كتاب سلا في القرن السابع عشر...
جمهورية القراصنة.
كتاب “بصمات” وهو كتاب توثيقي مصور لرحلة المؤلف المهنية في مجال الإعلام، ويعتبر جزءا غير رسمي من سلسلة : أيام زمان، وفي إحدى حواراته صرح معنينو بأن هذا الكتاب لم يخصص للبيع، بل هو مخصص للإهداء لكل من سبق أن اقتنى أجزاء من سلسلة “أيام زمان”.
كتاب “السلطان و الأسير”: يقع في 226 صفحة من القطع المتوسط، ويتناول خمسين سنة من حكم السلطان المولى إسماعيل، ولاسيما العلاقات الفرنسية المغربية في تلك الفترة. ويضيف الكاتب قائلا في إحدى حواراته: أن هذا الأسير هو الشاب المغربي ” عبد الحق معنينو ” الذي تعرض للاختطاف من على سفينة اسبانية حين كان متوجها للديار المقدسة، قبل أن يبعث المولى إسماعيل بسفارة أخرى إلى الملك لويس الرابع عشر كان ضمن وفدها والد الأسير نفسه وهو السيد علي معنينو.
3 المساهمات الثقافية
لقد ساهم في اثراء المشهد الثقافي المغربي من خلال مشاركاته في العديد من الفعاليات الثقافية، واسهاماته في الحفاظ على الذاكرة الوطنية باعتبارها مخزونا وطنيا ينبغي المحافظة عليه من التأكل بحكم عامل السنين ومعها فان توالي العقود – يقول معنينو – [ يحوٍِل شعوبا بكاملها إلى مرضى زهايمر لا تتذكر ما عاشته ولا هي قادرة على رؤية ماهي قادمة عليه ] . وإذا كانت مؤلفاته – من جهة – قد ساهمت في نشر الوعي التاريخي لدى القراء وساعدتهم على فهم حاضرهم من خلال دراستهم للماضي المجيد لبلادهم، فإنها من جهة ثانية جعلته يتميز بشعبية كبيرة، أسهم فيها أسلوبه التحاوري المطبوع بعمق التحليل ووضوح الرؤى…
4 تأملات عابرة في كتاب “بصمات ” باعتباره تجميع تراثي.
هو كتاب صادر عن دار “ابي رقراق للطباعة والنشر” وعن فكرته- يقول المؤلف – أنها جاءت أثناء تنظيمه لأرشيفه الشخصي وتحضيره لتقديمه ل: “أرشيف المغرب “، وفي مقدمة هذا الكتاب يقول معنينو: [بين يديك ( أيهاالقارىء) ما يمكن اعتباره الجزء السابع من سلسلة : أيام زمان وهو ملخص عن عملي في ميدان الإعلام على مدى أربعين سنة (…) لقد تبلورت هذه الفكرة بسرعة حيث يمكن اعتبار هذا الجزء توثيقا “ايكونوكرافيا” لما سبق أن دونته من وقائع وأحداث ] .
وبالرجوع إلى جريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم 17 – 11- 2024 نجد أن ” أسامة الزكاري ” يقول عن الكتاب:
هو تجميع تراثي ثري يتكون من 235 صفحة من الحجم الكبير ، صدر في مطلع هذه السنة ، ويتميز بتغيير نمط التدوين الذي اعتمده في تأطير سرديات الأجزاء الستة من مذكراته المعنونة ب: ” أيام زمان ” ، ونشر به ركاما هائلا من الصور ، والوثائق والهوامش، والأوراق الصغيرة ، والملاحظات الحميمية في عمل مستقل وقائم بذاته ، وقد نجح معنينو في ترسيخ مسار الكتابة المخصوصة لديه ، اقترابا من اواليات اشتغال المؤرخ المتخصص الباحث عن الوثيقة والمهووس بالشواهد المادية ، واستثمارا لتكوينه الإعلامي القائم على منطلقات التقصي والتجميع والتدقيق في الروايات وفي الشهادات وفي الجزئيات ، لذلك تشكل مضامين كتاب “بصمات ” إضاءات منهجية على الأثر الباقي مُعززة لمحكيات ” أيام زمان ” ليس – فقط – من زاوية إقامة الحجة و الدليل على متون السرد ومنعرجاته وأسراره ، ولكن – أساسا – تأصيلا لتوابث الكتابة التوثيقية الراشدة غير المطمئنة لانزياحات الذاكرة ولا لمهاوي الذاتية ولا لإغراءات العاطفة…
5 ملاحظات ختامية
ضمن حوار آخر كان قد أجراه “محمد خكلي” في برنامجه (وجه لوجه) يقول” معنينو ” مبتسما: [ …وقع بيني وملك الموت اجتماع ، وطلبت منه أن يؤجل زيارته حتى أتمم مذكراتي ، و أنا الآن أتممت مذكراتي ، فأنا الآن مستعد للرحيل].
نورد هنا نص المداخلة التي ألقاها الأستاذ عبد السلام الزروالي بمناسبة تكريم الإعلامي القدير الصديق معنينو:
بعد سنوات موفقة في الإعلام السمعي البصري، يطل علينا الاعلامي المتألق “محمد الصديق معنينو ” من خلال نافذة جديدة، جذبت اهتمامه ولفتت نظره وأغوته بدليل ذكرياتها و ماتع مذكراتها، وبقلمه أشبع رغبة ألحت عليه في التنفس عن مخزون دفين في أعماقه، سنوات تجاوزت الأربعين، من ذكريات وخبرات وتجارب، فانتقل من اعلامي مشهود له بالتفوق إلى كاتب مذكرات.
كانت تجربته الأولى متميزة فيما كان يصدره في حلقات بجريدة ” المساء ” في صيف 2012 عن مراحل مهمة من حياة والده الوطني ” الحاج أحمد معنينو ” رحمه الله، وما عاناه من ظروف صعبة وهو يناضل من أجل حرية الوطن واستقلاله مستلهما ما قاله ومستحضرا شهاداته في مؤلفه ذي الأجزاء المتعددة والمعنون ب
” ذكريات ومذكرات “. ثم تابع حديثه عن عمله الاعلامي ومسيرته الموفقة في دار الاذاعة والتلفزة و وزارة الإعلام، بإصدار سلسلة ” أيام زمان ” – التي سيشرف بتوقيعها في أعقاب هذا الحفل المتميز
ويضيف ذ. الزروالي قائلا: لعل ما لفت نظري هو ما صرح به الكاتب ” محمد الصديق معنينو ” وهو يقبل على الكتابة بنشاط واجتهاد في لملمة خيوط هذا المنجز تكسيرا لما يعيشه المتقاعد من خمول وانزواء.
فالكتابة كما يقول معنينو هي “أكبر تحد للشيخوخة، لأنها تُذكر بالطفولة والشباب وبالعمل والراحة، بالمتعة والاسترخاء، والرجولة والاستقواء. والكتابة هي مناسبة للعودة إلى الذات وإنعاش الفكر ومواجهة الخمول والرتابة، هذا التحدي استنجدت به واستضفته وتوكلت على الله” وردت بالصفحة 14. الجزء الثاني. “سلسلة أيام زمان”.
أما أسلوب السلسلة، فهو سلس وميسر يتدفق بصوره ومشاهده كشلالات، لكنها مسترسلة في تناغم يُغري بالمتابعة، ولا أعتقد أنها متقطعة الأوصال، تقوى ثم تضعف، أمام ما كانت تفرضه الرواية من تجنب للوقائع و الأحداث، فينساق السارد لحظتها مع الإشارات والمعلومات التي تلح تقديما وتأخيرا، وتبقى تلك هي طبيعة الحكي والسرد.
وعلى الرغم من أن المؤلف يعتمد على الذاكرة المُستَفَزٌَة لإحياء ما ترسب فيها، فإن محمد الصديق معنينو كان يستعين من حين لآخر بمؤلفات أسعفته للاستشهاد بآراء مؤلفه من خلال المرويات، وهي مختلف نذكر منها:
موريتانيا ضد العواصف للمختار ولد دادة
حرب سرية في الصحراء العربية لحسن العلوي
سيرة وطن، مسيرة حزب لمحمد كَازلي
السجينة لفاطمة أوفقير
تاريخ الحركة الوطنية لعبد الكريم غلاب
ثلاثون سنة مسيرة لمحمد العربي المساري
محمد الصديق معنينو في كل المهام التي تولاها ، سواء حين عمل صحافيا ثم مديرا للتلفزة ، أو خلال عمله في وزارة الإعلام مديرا للاتصال ، نجح في أن يكون متميزا ومبدعا ونال احترام مكونات الصحافة والإعلام و السياسة ، اتسم بحسه ومسؤوليته العالية وتميز بالدقة المتناهية في العمل والهدوء حتى في اللحظات التي كان يحتد فيها النقاش ، و ببحثه الدائم عن التوافق نجده قد واجه واقعا محفوفا بالمخاطر بكل شجاعة ، لأنه كان مؤمنا بقضايا الوطن وهمومه ، وظل لعقود طويلة في قلب الحدث الإعلامي والسياسي بالمغرب مقربا من مراكز القرار ، مقترحا ومنفذا وشاهدا على الحدث الذي تجري تفاصيله أمام مرأى عينيه .
وتبقى مذكرات معنينو استثناء جميلا وفريدا في حد ذاته، لأنها تقارب وقائع و أحداث ملتهبة، كانت تدور في كواليس صناعة السياسة الكبرى بالمغرب وكان يصعب الاقتراب منها او الكتابة حولها. وتحدث عن شخصيات وازنة، ظل أصحابها مسورين في هالة من القداسة وهي تمارس السلطة. ومن هنا فقوة مذكرات ” أيام زمان ” تأتي قادمة من حجم المعلومات التي أوردها الكاتب، و الوقائع التي تمتد حتى الآن على مساحة أربعة عقود. لذلك فإن شهادته تكتسي أهمية قصوى في لملمة الوقائع و الأحداث من زوايا متعددة للاقتراب من حقيقة ما حدث وتفهم وقائع الماضي ولتفسير العديد مما يحدث بيننا اليوم.
فالفائدة الأساسية للتاريخ ليست الغوص في الماضي فقط، بل لفهم الحاضر أيضا.
وأخيرا كل عبارات الشكر لا تفي بالتعبير عن العرفان بالخدمات التي قدمها الصديق الصادق محمد الصديق معنينو ، للثقافة والإعلام، فمزيدا من السمو والتألق ومتعك الله بموفور الصحة والعافية.
و في جريدة “ ألوان الإلكترونية “، و باسم طاقمها الإداري والفكري، و نيابة عن كل القراء و الأصدقاء ، نتمنى للإعلامي الكبير ” محمد الصديق معنينو ” العمر الطويل والحياة المليئة بالعطاء والتميز خدمة للفكر و الثقافة و التاريخ حتى تستفيد منه كل الطاقات الشابة و الاعلامية على المستوى الوطني ، و العربي والعالمي .