أصدقاء المغرب بقلم: أحمد قابيل
جـان لوى مييج : سلسلة باسم «ذاكـرة المغرب»
ذ. أحمد قابيل
أبو القمح المغربي وابنه المؤرخ: إميل مییج Emile Miége و ابنه جـان – لوي مـيـيـج -Jean-Louis Miège
مهندس زراعي وأحد الذين طوروا الزراعة المغربية أيام فترة الحماية ولد سنة 1880 من عائلة متوسطة، نشأ يتيمـا فـاضـطـر للـعـمل ، وفي نفس الوقت واصل دراسـتـه حـتـى تـخـرج مـهندسـا زراعيا، ثم اشتغل بالمدرسة العليا للفلاحة بمدينة رينس Rennes معيدا ثم رئيسا للأشغال سنة 1903، وأثناء ذلك حـضـر إجازة ثم دكتوراة في العلوم الطبيعية في جامعة السوربون سنة 1910 .
إضافة إلى عمله في التدريس بدأ أبحاثا متعلقة بتـعـقـيم الأرض وتطهيرها من الجراثيم وأخـذ ينشر نتائج هذه الأبحـاث في المجلات المتخصصة، وفي مختبر البيولوجيا الزراعية بمعهد باستور. بدأ إمـيـل مـيـيج أبحـاثه العلمـيـة عن القـمح المغربي، وهي الأبحاث التي اشتهر بها ونال بها عدة جوائز وتنويهات بعد مشاركته في الحرب العالمية الأولى ونيله عدة أوسمة، يستدعيه الجنرال ليوطي إلى الـمـغـرب ويكلـفـه بإنشـاء مـصـلـحـة الأبحاث الزراعية، التي نظمها وظل مسؤولا عنها أكثر من عشرين سنة. وقد وجـد لدى مجيئه للمـغـرب أن الفلاحين يتجهون إلى زراعة صنف واحد من الحـبـوب ذي مـردودية ضعيفة، وإلى زراعة منتوجات ليست لها قيمة كبيرة في الأسواق العالمية، وهو ما دفع مييج إلى القيام بأبحاث لتحسين جودة الحـبـوب وإلى إدخال أنواع جديدة من المزروعات، فقام بدراسـة جـينيـة (وراثية) للعديد من أنواع القـمـح، واسـتطاع ابتكار قـمـح «الفـورص» Blé de force الذي تطلبـه السوق الفرنسية، وعن طريق هذه الأبحاث استطاع تدريجيا تعويض الحبوب المحلية ذات المردودية الضعيفة بأخرى ذات جودة عالية، مما يرفع من مردوديتها وقيمتها وبـالـتـالـي تـســاهـم في ارتفـاع دخل المزارعين . استطاع ایمیل میيج أيضا أثناء توليـه الإشراف على الأبحاث الزراعيـة إدخال أكثر من 1500 صنف نباتي صالح لأكل البهائم وعلفها، كذلك إدخال أنواع أخرى تسـتـخـدم في المـجـال الطبي وفي استخلاص العطور، وكذا إدخال زراعات صناعية مثل الشمندر السكري، كما أعاد إحياء زراعات كانت مـوجـودة في المغرب سـابقـا ولكنها اندثرت مثل زراعـة قـصـب السكر، والقطن والأرز، وهـي مـزروعـات استعادت مكانتها وأصبحت من الموارد الأساسية للمغرب وهكذا كـان لأبحـاثه هذه في المـجـال الزراعي ولمـدة 35 سنة أثرها الإيجـابي وعادت بالنفع على اقتصاد المغرب وعلى سكانه، وكان الفـلاحـون يـعـتـرفـون بفضله على الزراعـة، وحـيـن كـانـوا يرونه أثناء تنقلاته بين مـراكـز التـجـريب الزراعي، يطلقون عليه اسم «أبو القمح المغربي» وقد ظل يواصل عمله في المغرب حتى بعـد تقـاعـده، ويسـاهم في المـؤتـمـرات والندوات وفي الصحافة الزراعية والنشاط داخل جمعيات الغرف الفـلاحـيـة إلى أن توفي سنة 1969.
أمـا ابنه جـان – لوي مـيـيـج -Jean-Louis Miège
فهو المؤرخ المشهور، المتخصص في التاريخ المغربي الحديث، وبالأخص تاريخ المغرب في القرن التاسع عشر، وصـاحب الأطروحـة الجـامـعـيـة «المـغـرب وأوربا (1830-1894) التي نشرها سنة 1961 ولد بالرباط في 20 غـشـت 1923، وعرف جيدا العديد من مناطق المغرب مــــدنـه وبواديه، حـيـن كـان يرافق أباه المهندس الزراعي وهو يقـوم بجـولات في مختلف مراكز التجريب الزراعي الموزعة في العديد من الأقاليم.
عند تخرجه، يتم تعيينه للتدريس بليسي غورو Gouraud بالرباط من 1945 حـتى 1947، كـمـا سـيـدرس بـالمـدرسـة الإدارية من 1955 حتى 1961، ثم بكلية الآداب بالرباط، وبعد ذلك ينتقل إلى جامعة ايـكـس آن بـروفـــــــــــانـس- Aix-en-Provence
يعتبر الأستاذ جان لوي مييج أن معرفة أسباب فقدان الـمـغـرب اسـتـقـلاله سنة 1912 لا يعـود فـقط إلى مـا حـصـل من تحولات سياسية في بداية القرن 20، بل يجب العودة إلى ما قبل ذلك، ولهذا سيهتم بدراسة الفترة الحاصلة بين سنة 1830 ، وهي السنة التي احـتـلـت فـيـهـا الـجـزائر وأصبح للمغرب جـار قـوى هو الاستعمار الفـرنسي، وبين سنة 1894، سنة وفـاة السلطان مـولاي الـحـسن. فبين هاتين السنتين ازداد التغلغل الأوربي في شؤون المـغـرب وبأشكاله الـمـخـتـلفـة (القناصل، الإرساليات الدينية، الخـدمـات البريدية، الوكالات التجارية، الحماية القنصلية…) وأثر كل ذلك في مـخـتلف مظاهر الحـيـاة المغربية، بل لقد تغيرت جغرافية المغرب حـيـن تـطـورت مـدن وازدهرت وتـوسـعت زراعـات مـعـيـنة تلبي حـاجـيـات السـوق الأوربي.
درس مييج أيضا مختلف المواقف التي اتخذها المخزن إزاء الإصلاحات المقترحة عليه من مختلف القوى الأوربية المتنافسة على المغرب.
نشر کتاب «المغرب وأوربا» في خمسة أجـزاء، الـجـزء الأول منـهـا خـاص فـقط بالمصادر والمراجع، ويعتبر بحق مرجعا أساسيا لا غنى عنه لكل باحث في مغرب القرن 19، والذي يسـاعـد على فـهـم مـا سيحصل في مغرب القرن العشرين.
وإضافة إلى كتبه المتعددة ومقالاته في مختلف الدوريات والمجلات المتخصصة، التي يدور أغلبـهـا عن المغرب وتاريخـه تولى جـان لوي مييج سنة 1957 رئاسة تحرير «النشرة الاقتصادية والاجتماعية BESM التي تصدر بالرباط، كـمـا تولى الإشراف العلمي على مجلة «المـغـرب- أوربا MAROC-EUROPE الـتـي صدر العدد الأول منها سنة 1991، والتي تعنى بمختلف العلاقات التاريخية بين أوربا والمـغـرب، وهي مجلة تخصص كل عـدد منهـا لمـوضـوع معين، منها مثلا: طنجة، المغرب والبحر، الرباط، الجهاد البحري، الجيش المغربي عبر التاريخ، الذكرى المئوية للسلطان الحسن الأول، وجـدة، مكناس…
وابتـداء من سنة 1995 بدأ جـان لوى مييج في إصـدار سلسلة باسم «ذاكـرة المغرب» تهتم بنشر المذكرات الخاصة، أو الأرشيف الخاص أو الرسائل التي وضعها بعض من عاشوا في المغرب، وبالتالي فهم يلـقـون أضـواء جـديدة على هذا التـاريخ : سفراء، قناصل، رحالة، ضباط كانوا في البعثات العسكرية.. وهي نصوص بعضها كتب باللغة الفرنسية والبعض الآخر بلغات أخرى فتمت ترجمتها إلى الفرنسية، منها مثلا : كتاب لضابط في البحرية الألمانية خدم في الأسطول المـغـربي لمـدة تسع سنوات على عهد السلطان مولاي عبد العزيز، أو كـتـاب القنصل الدانمركي Höst في عهد السلطان مـحـمـد بن عبد الله الذي يروي فـيـه سـيـرة هذا السلطان الخ…
نصـوص طريفـة حـقـا وتكشف لنا مـلامح جديدة من تاريخنا.