محمود سعيد وعبد المجيد المجدوب
بين.. بين
بين التلقائية والصنعة
بقلم ذ: عبد المجيد شكير
عاصرا بعضهما البعض، ومن التلفزيون اللبناني كانت إطلالتهما الأولى إلى أن غطتهما هالة النجومية على مستوى العالم العربي، فأصبح لكل واحد منهما محبون ومعجبون، إنهما الممثلان محمود سعيد وعبد المجيد المجدوب، وانطلاقا من تأمل مشوارهما الفني يتبين لنا أنهما يشتركان في نقط عديدة، ويختلفان في نقط أخرى
ـ نقط الاختلاف
تباين الجذور
إذا كان عبد المجيد المجدوب قد ولد سنة 1940م من أسرة لبنانية ميسورة الحال، واشتغل في بداياته منقبا عن النفط في أعماق البحار، فإن محمود سعيد فلسطيني الجنسية، ولد سنة 1941م من أسرة فقيرة حيث عاش نزيلا في دار الأيتام الإسلامية، وظل محمود حاملا قضية بلده، يدافع عنها كلما أتيحت له الفرصة، ويشهد على هذا حضوره الفاعل في العديد من الاجتماعات واللقاءات، ومشاركاته في عدة أعمال فنية تطرقت للقضية مثل (مسلسل وتعود القدس ـ فيلم فداك يا فلسطين ـ موال الأرض)
دخول الميدان الفني
كانت طريقة دخولهما للميدان الفني مختلفة، فبينما دخل محمود سعيد مع سبق الإصرار حيث تقدم ـ بعد بروز موهبته في دار الأيتام ـ تقدم لمباراة لاختيار ممثلين إذاعيين أمام لجنة تكونت من أسماء رائدة مثل: إيلي ضاهر، وجيه ناصر، نزار ميقاتي، ومحمد شامل فنجح والتحق بالإذاعة اللبنانية سنة 1959م، وظل يتقلب ما بين الإذاعة والتلفزيون في عدة أدوار متنوعة (مسلسل دموع المهرج ـ صراع مع الحياة…) إلى أن أسندت له أول بطولة سنة 1967م (مسلسل سر الغريب) ومن ثم انطلق، وأما دخول عبد المجيد المجدوب فكان بالصدفة، حيث سمعه أحد أساتذة الأدب العربي العاملين بالإذاعة وشجعه على الانضمام إلى فريق التمثيل الإذاعي وكان ذلك في نهاية الستينيات، ولم يمر إلا شهران حتى أصبح بطلا للعديد من الأعمال الإذاعية، مما جعل التلفزيون يلتقطه في أدوار صغيرة وثانوية أول الأمر مثل مسلسل (كان يا ما كان) في جزئه الأول، إلى أن قام بأول بطولة له في سنة 1974م من خلال مسلسل (اليد الجريحة)
نستنتج إذن أن محمود سعيد سبق عبد المجيد المجدوب في الظهور أول مرة، وفي النجومية أيضا، لذلك فعندما نلاحظ الأعمال التي جمعتهما معا، سنكتشف أن اسم محمود يكتب قبل اسم عبد المجيد، كما هو الحال في مسلسلات (الخديعة ـ سر اللؤلؤة ـ تجارة عن تراض…)
الأسلوب التمثيلي وأنت تنصت لصوت محمود سعيد الرخيم والناعم، تلمس تلقائيته، تحس بأن الكلمات والعبارات تتدفق من فيه، وكأنها شلال ينسكب من عل، إنه أسلوب السهل الممتنع في أدائه، يحرق المسافات بينك وبينه ، حتى لتحسبه قريبا لك، أو أن معرفة قديمة تربطك به، وتتضافر هذه التلقائية أحيانا بنظرات عينيه الثاقبة، مما جعل المخرج حسيب يوسف يطلق عليه لقب )عيون الصقر) ومن شدة حفظه وقدرته على التركيز أطلق عليه البعض (الحوت)، وأما أداء عبد المجيد المجدوب فيتسم بالصنعة، تحس بأنه يتحكم في كلماته، ويضغط على الحروف، فيجذبك إليه وكأنه أستاذ يقدم درسا في الفصاحة معتمدا على صوته الفخم، ومن شدة استمتاعه بالشخصيات التي يؤديها، تخاله عاشقا لنفسه ومغرورا
النقط المشتركة
الإذاعة مركز التكوين: لم يتخرج محمود ولا عبد المجيد من أي معهد، ولم يتلقيا أية دراسة، كانت الإذاعة اللبنانية مدرستهما الأولى، فيها تعلما وفيها تكونا لغويا وفكريا وفنيا على يد الجيل المؤسس، ولا سيما العملاق رشيد علامة والذي شملهما باحتضانه وتشجيعه لهما، فشاركوا في عدة تمثيليات ومسلسلات وبرامج ثقافية ناطقة باللغة العربية مثل (محاكمات أدبية)، وعشقا القراءة وأقبلا على الشعر، كان لمجهوداتهما الذاتية هذه دور كبير في تنمية مستواهما اللغوي، فسعت إليهما الأعمال التاريخية المكتوبة باللغة العربية، وتألقا فيها تألقا ملحوظا، هكذا نجد محمود سعيد يبرع في أداء شخصية خالد بن الوليد في الفيلم العالمي) الرسالة) وفي شخصية احمد بن ماجد، وفي شخصية ابن عمار
في مسلسل (المعتمد بن عباد) وفي شخصيات الرازي، ابن سينا، الفارابي، ابن خلدون وغيرهم في إطار برنامج (من تراثنا)، وبالنسبة لعبد المجيد المجدوب فقد أبدع أيما إبداع في تجسيد شخصيات: المتنبي، امرؤ القيس، هارون الرشيد، أبو زيد الهلالي وغير ذلك
التلفزيون منبع النجومية :نعم، كانت الإذاعة هي بوابتهما الأولى، ومنها التحقوا بالتلفزيون بعد أن لاحت موهبتهما للمهتمين، وظلا يتقلبان ما بين عدة أدوار صغيرة إلى أن أصبحا نجمين كبيرين يشار إليهما بالبنان من المحيط إلى الخليج، فكانت لهما مشاركات مميزة في عدة أعمال محلية وعربية (بالنسبة لمحمود سعيد نذكر: التائه ـ قادم من الضباب ـ السراب ـ غروب ـ على طريق الشمس ـ سوق الألغاز ـ بصمات على جدار الزمن – المفسدون في الأرض (..(بالنسبة لعبد المجيد المجدوب نشير إلى: بنت البواب ـ الصمت ـ ليلى والبراق ـ ندم ـ القناع الأبيض ـ الإخوة ـ الهيبة ـ أيام ضائعة ـ أستاذ ممنوع …)
الثنائيات :شكل محمود سعيد مع المطربة سميرة توفيق ثنائيا ناجحا، وكان مسلسل (فارس ونجود) سنة 1974م الشرارة الأولى، لتتوالى بعد ذلك أعمالهما المشتركة (مسلسل سمرا وأفلام: فاتنة الصحراء، عروس من دمشق، عنتر فارس الصحراء..) . وأعتقد شخصيا أن هذا الثنائي نجح في الأعمال الفنية الحاملة للطابع البدوي لأنهما معا مؤهلان لذلك بما يحملانه من مواصفات مناسبة، فمحمود سعيد بسمرته، وسحنته الحاملة للملامح العربية، وبنيته الجسدية الممتلئة، وسميرة توفيق بجمالها العربي الأصيل، وبأسلوبها الغنائي الشعبي الذي ترسخ في الأذهان، وكان نجاح محمود في هذا اللون البدوي عاملا أساسيا جلب له العديد من الأدوار على هذا الطراز (صقور الصحراء ـ عذاب ـ الغدير ـ شوق ـ وادي الغزلان ـ خيال العوجا…)، وأما عبد المجيد المجدوب فشكل ثنائيا ناجحا جدا مع الممثلة هند أبي اللمع ريمي، وكان مسلسل (حول غرفتي) أول لقاء بينهما، وتكررت السبحة بينهما في أعمال أخرى لاقت نجاحا كبيرا في العالم العربي بكامله، ونذكر على وجه الخصوص مسلسلي (عارف الليل ـ ألو حياتي)، ولازالت كلمة (حياتي) تعيش في الآذان وتذكر الناس بالزمن الجميل، زمن إبداع عبد المجيد المجدوب وهند أبي اللمع، والحقيقة أن كل واحد منهما تقمص الشخصية من الداخل، فكانت هناك هارمونية بينهما في الأخذ والعطاء، فطلع الحوار بينهما معجونا بأنفاسهما، مفعما بأحاسيسهما، ومزخرفا بصدقهما في التعبير فصدقهما الناس، وظلت مشاهدهما وأحاديثهما عالقة في البال، محفورة في الوجدان على مستوى العالم العربي كله، وهذا ما شجع المنتجين والمخرجين على إعادة جمعهما مرات أخرى، كما هو الحال في مسلسل(لا تقولي وداعا) وفيلم (الليل الطويل)
جمالية الصوت– :يتمتع كل من محمود سعيد وعبد المجيد المجدوب بجمالية الصوت، إنك يمكن أن تعرفهما وتراهما من صوتيهما، وهكذا أصبح الاثنان مطلوبين في التعليق الصوتي على البرامج إنهما في نظر العارفين من أساطين الصوت، ولكم أن تسمعوا محمود سعيد وهو يعلق بصوته الرخيم على الفيلم العالمي (بيتنا) (HOME) مبتدئا بجملة تفيض عذوبة في الأذن (اسمع أيها الإنسان) أو هو يؤدي الشخصية الكارتونية (تسو تسو) في مسلسل خاص بالأطفال تحت عنوان (صراع الجبابرة) أو هو يلعب دور الراوي في مسلسل (صقور الأرض)، وكذلك عبد المجيد المجدوب فكما ثمل وهو يتقمص شخصيات تاريخية قارئا أشعار المتنبي وامرئ القيس بأحاسيسه نجده أيضا يبدع في تجسيد شخصية (زعيم الصحراء) في المسلسل الكارتوني (وادي الأمان) وكذلك في دور الراوي في مسلسل الأطفال (مغامرات سندباد)
رغم أن محمود سعيد قد رحل عن دنيانا بتاريخ (30/12/2014) ورغم أن عبد المجيد المجدوب قد أصبحت ظهوراته قليلة جدا، فإن اسميهما لازالا حاضرين في البال، ولازالت أعمالهما الفنية حية في العيون، وأما صوتاهما فيرنان دائما ملء الأسماع