فاطمة ذهيبي وماما أفريكا.. قصة حب إفريقية
ماما أفريكا” : جمعية ذات إشعاع محلي وقاري وعالمي”
ألوان(مكتب الدار البيضاء)
أجرى اللقاء: ل. وريغ
تمثل فاطمة ذهيبي واحدة من الفعاليات الجمعوية التي جعلت من القارة السمراء موطنا لمهامها الإنسانية؛ كيف لا وهي مواطنة ما زالت متشبثة بانتمائها إلى وطنها المغرب الذي ولدت فيه قبل أن تأخذها رياح الهجرة نحو باريس في ستينيات القرن الماضي
انخرطت فاطمة ذهيبي في العمل الجمعوي وهي صغيرة، حيث كانت دائما تطمح إلى أن تكون لها مكانة ضمن قائمة أسماء النساء اللواتي برزن في خدمة الإنسانية ونشر قيم التضامن والسلم والسلام… كان الإيمان بالانتصار على الألم هو المحرك الأساس لكل المبادرات التي قامت بها هذه المرأة منذ أن أدركت أن فعل الخير يتطلب مواجهة التحديات وركوب المغامرات
وبداية من الألفية الثانية، أطلقت”عاشقة إفريقيا” جمعية مدنية تحت اسم”ماما أفريكا” (2014) من أجل ترجمة كل أفكارها التي كانت تروج في داخلها
وخلال سنوات قليلة، تحولت “ماما أفريكا” إلى جمعية ذات إشعاع محلي وقاري وعالمي… وفي هذا اللقاء الصحفي، تتحدث فاطمة ذهيبي عن أهم اللحظات من سيرة مهمتها الإنسانية في انتظار اليوم الذي تقرر فيه هذه المواطنة المغربية- الفرنسية إصدار “مذكرات لعاشقة إفريقيا..”
لنترك هذه الفاعلة الجمعوية تحكي لنا عن هذه اللحظات بضمير المتكلم حتى يشاركها القارئ بعضا من حماسها وانفعالها ودفاعها عن القضية الإنسانية…لنتابع
ماما أفريكا بالبنين
في سنة 2009 ، اتصلت بي السلطات البنينية من أجل التعاون والاشتغال معهم ولاسيما على المستوى الثقافي والفني
في البداية عبرت عن ترددي وتخويفي من هذه التجربة لاعتبارات عديدة من بينها، أني مقيمة ببلد أوروبي هو فرنسا، ثم عدم معرفتي الدقيقة بالحياة داخل هذا البلد الإفريقي
ورغم ذلك، ظلت قناة التواصل مفتوحة بيني وبين الكثير من الأصدقاء داخل البنين مما ساهم في تقريب المسافة بيننا وإطفاء لهيب الخوف تجاه بلدهم
في سنة 2011، تجدد التواصل بيننا، حيث قدم لي المسؤولون هناك كل الضمانات التي ستجعل إقامتي بينهم كأني في بلدي الذي نشأت أو ترعرعت بين أحضانه، و أخبروني بضرورة الحكم على الحياة الإفريقية بالمشاهدة والاحتكاك بالناس لا عن طريق السماع
وبعد تفكير عميق، استجبت لطلب السلطات البنينية للمشاركة في مهرجان موضوعه الاندماج الثقافي داخل إفريقيا
واصطحبت معي في هذه الرحلة بعض الفنانين المغاربة إضافة إلى فنانة لبنانية والذين شاركوا إلى جانب كوكبة من الأسماء الفنية التي تنتمي إلى دول قريبة وبعيدة من البنين
وفِي السنة الموالية، اقترحت على اللجنة المنظمة لهذا المهرجان التفكير في طريقة اشتغال ثانية حتى يكتسب مهرجان الاندماج الثقافي بافريقيا بعدا آخر ويساهم في تقريب المسافات بين الثقافات الإنسانية، ويكون في مستوى طموح القارة السمراء
وخلال الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة، حظيت باستقبال كبير، وكنت ضيفة المنصة، وقيلت في حقي كلمات جعلتني أشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي وعلى جمعيتي”ماما أفريكا”، كما أن أفكاري وبرامجي حول خدمة إفريقيا بدأت تزهر
و أثناء لقاءاتي بالمسؤولين البنينيين، أكدت لهم على أني مستعدة للانخراط في العمل معهم، وذلك بتكريس تجربتي الجمعوية وخبرتي المهنية حتى نحقق ما نسعى إليه جميعا
وعبرت عن قناعاتي الراسخة بأن الثقافة الإفريقية غنية ومتنوعة ولا تحتاج سوى إلى استثمار الطاقات المحلية من خلال منحها كل وسائل الدعم اللازمة
كما أني شددت على أن سبل نجاح أي مبادرة ثقافية أو فنية، لابد أن تكتسي طابعا رسميا، أي الاشتغال مع حكومة أي بلد إفريقي وليس مع جمعياته المدنية، الشيء الذي كان يجعل الضيوف يستجيبون لدعوات هذا المهرجان أو ذاك
ويمكن القول أني ساهمت إلى جانب السلطات البنينية في نجاح مهرجان الاندماج الثقافي، والذي تميزت إحدى دوراته بحضور فنانين من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والسودان ومصر وليبيا واليمن ولبنان… ومن ميزات مهرجان الاندماج الثقافي بإفريقيا، أن ضيوفه وزواره اكتشفوا لأول مرة سحر القفطان المغربي، حتى أن بعض الشخصيات النجيرية اقترحت علي تنظيم معرض للأزياء التقليدية المغربية مع عرض خاص للقفطان بكل تلاوينه وأشكاله التي أصبحت تجمع بين الأصالة والمعاصرة
إذن، يمكن التأكيد على أن رحلتي إلى البنين كانت ناجحة بكل المقاييس، حيث أنها مكنتني من الانفتاح على ثقافتي الإفريقية، وأن “ماما أفريكا ” قادرة على ركوب المغامرات ومواجهة التحديات، بل إن بعض الفنانين الأفارقة اقترحوا علي رغبتهم في زيارة المغرب والمشاركة في مهرجان فني من أجل الغاية ذاتها
ماما أفريكا بالنيجر
شكلت مرحلة الاشتغال بدولة البنين جسرا للعبور نحو دول إِفريقية مجاورة، والتي كانت تترصد حجم الأنشطة الثقافية والفنية والإنسانية التي أشتغل عليها في أكثر من مكان
وفور توصلي باستدعاء رسمي من طرف السلطات بدولة النيجر، شددت الرحال إلى العاصمة “نيامي” ، حيث خصص لي استقبال يفوق الوصف
مما يؤشر على أن “ماما أفريكا ” لم تعد جمعية ذات حدود جغرافية ضيقة
ويمكن لي أن أتحدث هنا عن برنامج في غاية من الأهمية سواء على المستوى الاجتماعي أو الطبي، و أشيربالأساس إلى المبادرة الطبية التي قمت بها من أجل إنقاذ حياة رضع وأطفال كانوا يعانون من مشاكل صحية نتيجة تشوهات خلقية على مستوى القلب أو ما يسمى باللغة الفرنسية وعند الأطباء ب Cardiopathie congénitale( وبعد الاتفاق على كل حيتياث المهمة لوجيستيكيا وطبيا، انتقل فريق طبي مغربي يتكون من17 فردا (أطباء وممرضين ومخدرين …الخ) إلى العاصمة “نيامي” من أجل الإشراف على هذه العمليات الجراحية التي تستوجب خبرة عالية و وسائل طبية متطورة
و أكد الفريق الطبي المغربي عن احترافيته في التعامل مع الحالات المرضية، حيث مرت كل العمليات في ظروف جيدة ودون تسجيل أي أعراض أو صعوبات صحية، الشيء الذي عزز الثقة التي وضعها المسؤولون النيجيريون في الكفاءات الطبية المغربية من جهة وفي جمعيتي”ماما أفريكا” من جهة ثانية
ولا تتصوروا حجم الفرح الذي بدا على عائلة أولائك المرضى الصغار وهم يرونهم يخرجون من قاعات العمليات الجراحية أحياء
كما أن السلطات العليا بهذا البلد الإفريقي خصصت لي استقبالا رسميا، وخاصة من رئيس الدولة كما يظهر ذلك في إحدى الصور التي ألتقطت لي بالمناسبة
هذا واحد من الدلائل التي ترمز إلى أن جمعيتي “ماما أفريكا” تواصل جني ثمرات عملها الإنساني ومدى ارتباطها بخدمة المصالح العليا للفئات المعوزة مهما كانت جنسياتها وعقائدها وألوان بشرتها… ومن المنتظر أن نشهد خلال قادم الأيام نسخة جديدة من التعامل مع دولة إِفريقية ثالثة هي غينيا الاستوائية، مع التذكير إلى أننا ما زلنا في مرحلة بناء التصور ومجال الاشتغال
الدعم الدبلوماسي
يعتبر الدعم الدبلوماسي لكل المبادرات الإنسانية بمثابة الطاقة التي تشحن المرء بمواصلة مهمته بكل ثقة وشجاعة
واعتقد بأن هذا الدعم أصبح ضروريا لنجاح كل مهمة مثيلة
إني، رغم كثرة المهام والانشغالات، وجدت نفسي مجبرة على تحرير تقرير شامل عن هذه المهمة الطبية ورفعه إلى السلطات العليا والمختصة بالنيجر
الدعم الإعلامي
لا بد لي أن أعبر عن موقفي من الإعلام ومستوى متابعته لما حققته “ماما أفريكا” منذ نشأتها بالمغرب حتى تحولت إلى جمعية متحركة وحاضرة في كل ما هو إنساني
وأعتقد أن دور الإعلام مهم جدا في إبراز ما أشتغل عليه ثم إطلاع الرأي الخاص والعام بمشاريعي وبرامجه سواء كانت ذات طابع طبي أو اجتماعي أو ثقافي…إلخ
وعلى الرغم من أن الإعلام ذو حدين، فهو ضرورة ملحة لنا جميعا، وما أطلبه من الجسم الصحفي هو الالتزام بأخلاقية المهنية وأن يتحلى ممارس مهنة المتاعب بالموضوعية والمصداقية و أن يكون على بينة مما تقوم به “ماما أفريكا”، أما إذا زاغ الصحفي عن هذه الطريق، فسيكون قد أغلق الباب على نفسه وفقد ثقة الناس فيه
مهمتي إنسانية بالدرجة الأولى، ورغبتي هي أن تكون وسائل الإعلام بمختلف أنواعها قريبة من رسالتي، وأنا مستعدة لكي أقدم كل شيء عني وعن جمعيتي التي أتشرف برئاستها وليست لي خطوط حمراء.. مع التأكيد على أنني حساسة تجاه الكلمة ولا أريدها أن تحطمني
وأخيرا، لا بد لي أن أشيد ببعض وسائل الإعلام الوطنية(مرئيّة ومسموعة ومكتوبة) التي ساهمت بمجهود إعلامي للتعريف بفلسفة”ماما أفريكا” في العمل الإنساني
وسائل التواصل الاجتماعي
مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي(الفيسبوك، انستغرام، توتيرا، تيك توك…) تعتبر سلطة لإبراز الذات، والجميع(أفراد ومؤسسات) أصبح ينظر إلى هذه الوسائل التكنولوجية الحديث بعين الرضى ويعمل على توظيفها أحسن توظيف. وأنا بدوري لدي هذا الشعور والرغبة لأن ما حققته “ماما أفريكا ” منذ أكثر من عشرين سنة يستحق أن تكون له مكانة في هذا الإعلام الجديد. والأكيد أن ظروفي لا تسمح لي بالقيام بهذه المهمة لأن اليد الواحد لا تصفق
معنى هذا أني بأمس الحاجة إلى فريق عمل وإلى أشخاص يؤمنون أولا وقبل كل شيء بروح الجمعية وبأهدافها السامية ويحدوهم أمل في الانخراط في مشروعها الإنساني
الدعم المالي
أستغرب كثيرا من أسئلة البعض حول مصادري المالية التي جعلت جمعيتي تحقق شهرة وطنية و إِفريقية.. بل هناك من يبحث عن كيفية تدبير حاجياتي المالية، وهناك من يشكك في كوني أتقاضى مساعدات مالية من هذه الجهة أو تلك… لكل هؤلاء المشككين أصرح علانية أن جمعيتي”ماما أفريكا” لا تتوصل بأي دعم مالي سواء كان من الأفراد أو المؤسسات، ومصدري الوحيد هو التمويل الذي يأتي مني ومن عائلتي وأصدقائي
لست منشغلة بكسب الأموال الطائلة وتكديسها، وإنما رهاني الأول و الأخير هو العمل الإنساني وزرع البسمة في قلوب من يبحث عنها، كما أطمح في لعب دور ريادي في الدبلوماسية الموازية لبلدي المغرب الذي أحبه وأعتز بمغربيتي
سيرتي الذاتية
ليس هذا اللقاء الأول الذي طرح فيه موضوع كتابة سيرتي الذاتية، فكل الذين يعرفون فاطمة ذهيبي وقصتها مع ماما أفريكا يسألونها: متى ستكتبين سيرتك الذاتية…؟ أملي أن يتحقق هذا المشروع في يوم من الأيام وعندما تتوفر لي كل الظروف والوسائل لصياغة هذه التجربة الإنسانية التي تعكس روح الإيمان بالتضامن والتآزر بين البشر
نموذجي في العمل الإنساني
بكل صدق وصراحة، أعتبر الأم تيريزا نموذجي ومثالي في العمل الإنساني..هذه السيدة استطاعت أن تقوم بأشياء من أجل المرأة الإفريقية، بل إنها قدمت حياتها وكل ما تملك لخدمة القضايا الإنسانية، وأنا سعيدة بالوصف الذي عنونت به المجلة المغربية”ماروك إبدو” مقالا لها تعتبرني نموذجا ل: الأم تيريزا الإفريقية
اهتمامات أخرى
بالإضافة إلى اهتمامات أخرى، تقضي السيدة فاطمة وقتها في عالم التشكيل والفنون، إذ أنجزت العديد من اللوحات الفنية التي تعتزم عرضها مستقبلا في معرض فني يشاهده الجمهور مباشة في إحدى القاعات بالمغرب او فرنسا