التطريزة 15″ مليكة الفاسي: الجزء الثاني”
سيدة وثيقة الاستقلال 2/2
نتابع تتمة الجزء الثاني للتطريزة 15 عن امرأة مغربية مميزة. إنها مليكة الفاسي / المرأة الوحيدة التي وقعت مع عدد من المقاومين والمجاهدين على وثيقة الاستقلال وخلدت عنوانا للمقاومة والحرية للوطن الأم
اعتبارا لمكانة زوجها وابن عمها السيد محمد غالي الفاسي ، الذي كان يعمل مدرسا للامير مولاي الحسن وهو ولي العهد انذاك ، فقد كانت قادرة على دخول القصر الملكي بدون إثارة انتباه المستعمر الفرنسي ، الشي الذي مكنها من مد جسور التواصل والتنسيق – في مرحلة حالكة – بين السلطان محمد الخامس واعضاء الحركة الوطنية ، خصوصا لما اشتد الخناق على هذه الأخيرة قبل نفي السلطان من طرف الحماية الفرنسية إلى مدغشقر ، وفي هذا الصدد نورد شهادة في نازلة النفي وردت في كتاب ” التحدي ” للمغفور له الملك الحسن الثاني : 【 ففي 20 غشت 1953 وهو ليلة عيد الأضحى اكبر الأعياد الإسلامية ، كانت الرباط تحت حالة الحصار ، وكانت الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر ، عندما أخبر الملك وهو تفرغ للتو من تناول وجبة غذائه ، ان الجنرال كَيوم يرغب أن يستقبله رسميا بعد نصف ساعة ( …. ) يدخل المقيم العام إلى صالون الإستقبال يتوجه إلى الملك قائلا له باختصار : ان الحكومة الفرنسية ولدواعي الأمن ، تطلب منكم التنازل على العرش ، فإذا قبلتم ذلك عن طيب خاطر ، استطعتم أنتم وأسرتكم أن تقيموا في فرنسا أحرارا معززين مكرمين ، فأجاب والدي بهدوء زائد بالرفض وقال : مامن شيء في أعمالي وأقوالي يبرر أن أتخلى عن أمانة أضطلع بأعبائها بصفة مشروعة ، واذا كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن الدفاع عن الحرية والشعب بمثابة جريمة يعاقب عليها ، فإني اعتبرها فضيلة يفاخر بها وتورث صاحبها المجد (….) إني ملك الشرعي ، ولن أخون ابدا الأمانة التي ائتمني عليها شعبي الوفي المخلص . إن فرنسا قوية فلتفعل ما تشاء
وطلب والدي أن يشرب ، ولكنهم أصدروا الأوامر إلينا أن نأخد مقاعدنا في طائرة دى – سي 3 التي كانت محركاتها تدور ، فتدخلت عندها قائلا : أبي مريض ، ولايتحمل الا بصعوبة زائدة السفر بالطائرة (….) ودفعوا بنا نحو الطائرة التي أقلعت باتجاه مجهول، وكانت الساعة عندئد تشير إلى الثالثة إلا ربعا بعد الظهر
وهنا تجذر الإشارة إلى أمرين اولهما ان السيدة مليكة الفاسي كانت آخر من رأى الملك في ليلة 19 غشت 1953 ، بعد أن تنكرت من أجل رؤية الملك واللقاء به واعطائه العهد على مواصلة الكفاح . وثانيهما انه في يوم نفي الملك ، ” اجتمعت الحكومة برئاسة الصدر الأعظم وعينت محمد بن عرفة خلفا للسلطان المطاح به إرضاء لرغبة بارونات البرابرة ، وفي اليوم الموالي اي 21 غشت صادق مجلس العلماء على هذا الإختيار…. وفي المساء تمت مبايعة السطان الجديد في القصر بالرباط ، فوقعت بعض الاضطرابات في الأيام الموالية …. ومن جهة أخرى لقد اقلقت الإطاحة بسيدي محمد بن يوسف إسبانيا التي لم يتم اخبارها قطعا بنوايانا .” – حسب ما اورده محمد المؤيد مرجع سابق . صص 167.168 وعند حصول المغرب على الإستقبال ، كانت السيدة مليكة الفاسي من بين مؤسسي الرابطة المغربية للتعليم الأساسي ومكافحة الأمية ، وشغلت منصب نائبة الرئيس بهذه المؤسسة ، كما كانت من بين المشاركين في تأسيس مؤسسة المعرفة الوطنية التي الت رئاستها للأميرة للالة عائشة ، وأسست مع مجموعة من مجموعة من النساء بمدينة الرباط ، منظمة غير حكومية تحت اسم جمعية مواساة ، التي اهتمت بالفقراء وضحايا مرض السرطان وعائلاتهم ، وتعتبر هذه الجمعية واحدة من أولى الجمعيات التي تم اختيارها للحصول على منحة من هيئة المؤسسات الوطنية التي أنشأها المغفور له محمد الخامس ، وكانت قد قدمت – كذلك – اقتراحا للملك محمد الخامس ، بحصول النساء على حقهن في التصويت ، والذي تبناه على الفور وفي خضم تلك الأحداث ظلت هذه السيدة ضمن المسؤولين الذين ينفذون بعض النشاطات الوطنية كاسعاف المعتقلين وأسر الشهداء . ولمكانتها وقدراتها اقترح عليها الملك تولي منصب وزيرة مكلفة بالقضايا الإجتماعية ، غير أنها رفضت معللة ذلك بأنها تفضل الاستثمار في محاربة الأمية والاهتمام بالمحتاجين من الأطفال ومن ثمرات تحركها النضالي ، احرازها على وسام من منظمة اليونسكو ، ثم وسام العرش من درجة ضابط كبير الذي أنعم عليها به في سنة 2005
وبعد أن الم بها المرض الذي لم يمهلها طويلا ، انتقلت الى عفو ورحمة ربها في 11مارس 2007 ودفن جثمانها بضريح الحسن الأول بالرباط حيث يرقد زوجها العلامة محمد الفاسي . ويروي ابو بكر القادري – احد زعماء حزب الاستقلال – في كتابه مذكراتي في الحركة الوطنية أن هذه السيدة كانت【 تتقد غيرة وحمامات ووطنية ، وكانت العنصر الأيمن والمساعد الأوثق لزوجها ، وكانت تتتبع النشاطات الوطنية ، تتبع المخلصين. الملتزمين ، وزاد نشاطها عندما انضمت وكانت المرأة الوحيدة إلى الطائفة ، وهي الجناح السري في الحزب الوطني 】. ويضيف قائلا انها كانت【 موضع ثقة من الحزب ولذلك خُصت وحدها دون غيرها من النساء الوطنيات من الالتحاق بالجناح السري ، بعدما أقسمت اليمين على المصحف الشريف بكتمان الأسرار الوطنية والسياسية ، ومنها الإتصال السري والمنظم مع محمد الخامس رحمه الله 】وتحكي ابنتها ، فاطمة الزهراء ، عن لقائها مع المغفور له محمد الخامس ، قائلة أنها : 【 صافحته وأعطته العهد على المقاومة إلى آخر رمق ، فبارك اختيارات الحركة ، ثم ودعته . وبعد عودته ونزوله ونزوله من الطائرة ، كانت هي. اول من التقى به وصافحته مرة أخرى ليذكرها ويشكرها على حفظ العهد 】
:وثيقة اضافية
لقد خصصت جريدة العلم وهي لسان حزب الإستقلال ، ابتداء من سنة 1947 صفحة أسبوعية لقضايا النساء ، وكانت مليكة الفاسي مدعمة لهذه الصفحة ، وقد نشرت بها الكثير من المقالات ، ارتأينا أن نختار منها مانشرته بالعدد 151 الصادر في 16مارس 1947 ، تحت عنوان ” المرأة تحارب العوائد ” ووقعته بإسم باحثة الحاضرة
【 … ان المرأة ببلادنا وهي شديدة التشبت بالعوائد العتيقة ، كانت إلى حد الآن لا تفكر في التخلي ولا في الانسلاخ عن قيد من القيود التي التي سنته
لها عصور الانحطاط . رغم كون بعض الرجال الذين فتح الله بصيرتهم ، وهداهم إلى طريق الصواب نظروا في بعض العوائد المتهجنة في بلادنا ، ولمسوا موضع النقص فيها فعمدوا إلى الإنسلاخ منها والتمرد عليها ( …. ) والنساء هن النقطة المقصودة بالذات ، أقول : قابلت النساء ذلك المنع بموجة من الحنق والقلق وامطرت وابلا من اللعنة على مثيري هذه الأفكار وقررت في قرارة نفسهن مقاومة هذا الفضول من الرجال ، وهكذا كانت أتعاب الرجال تضيع سدى . وقد يتأثر الرجل من امرأته فينكث عهده ويحقق لها ما تريد
والان بعدما أصبحت المرأة تفكر ، وتنظر في مصالحها الخاصة وفي مسائل أمتها العامة ، وأول ماتنبهت اليه هو النظر في العوائد المتفشية الآن بيننا ، ودرسها درسا دقيقا من كل جوانبها حتى يعرف موضوع النقص فيها ، فاجتمعت عدة نساء من كريم أسر فاس ليتداولن في هذا الموضوع ، ورحبن بهذه الفكرة السديدة ، وقررن أن يعمدن إلى كل عادة من العوائد فيفحصنها فحصا جيدا ، يتفقن على ما ينبدنه وما يبقينه منها ( …. ) وبعدما تحققن من أضرار هذه العادة ماديا ومعنويا قررن فيما بينهن أن يقلعن عن هذه المسألة ، وأن يتفقن على ما يأتي : وهو أن يقتصرن على تعزية أهل الفقيد وهن بجلبابهن ، ولا يمكثن أكثر من ساعة عندهم ، وأن لا يتناولن مطلقا ولاشيء من الأكل ولا يبتن أي ليلة من تلك الليالي ، وأن لا يبعثن بطعام ولا مايسمى في العرف بالصواب وأن ينفذن ذلك بدورهن فيما لا قدر الله حلت بهن مصيبة . بأن لا يحضرن طعاما ولايستبتن واحدة إلا من كانت قريبة الهالك . أما العشاء التي يرسلها أقارب الميت في الليلة الأولى فقد أقرتها نظرا لاشتغال أهل الهالك في ذلك اليوم وعدم تفكيرهم في ما يخصهم