حول الصناعات الثقافية والإبداعية … الثقافة مدخلا للتنمية 

 حول الصناعات الثقافية والإبداعية

                   الثقافة مدخلا للتنمية 

قد يتأخر التغيير السياسي او الاصلاح الدستوري وقد لا تجد التنمية الاقتصادية المناخ الملائم… لان الاول لا يسلم من المناورات والكباش بين الفاعلين وقد تتعرض مشاريع التنمية للفشل لأسباب لا حصر لها. غير ان الاصلاح الثقافي قد يكون أكثر يسرا وقبولا وجاذبية.. لأنه يستند في أصله الى مبادئ الحق والخير والجمال التي يتعذر إنكارها ومصادمتها!! ولم لا أن تكون الثقافة أحد المداخل المأمونة للإصلاح الناجز المأمول. وموضوعيا، لأنها تشمل مبادئ التنظيم الاجتماعي والسياسي، إلى جانب الفلسفة، والعلم، والأدب، والأساطير.. وهلم جرا…!

ديناميكية عجيبة..

تميز الدخول الثقافي هذه السنة بديناميكية غريبة. إذ اهتز المجال بحادث اثار غبارا كثيفا بعد ان اعتلى المنصة فنان شاب متحمس __ خرج عن السيطرة __ وقدم وصلة جريئة جرت عليه الويلات، وعلى وزير الثقافة، وليس الوزارة والحكومة، الكثير من النقد الحاد واللوم المحرج.

وفي مكان آخر ومجال مختلف ورد فعل غريب يجرد مخرجا شابا من أدواته المهنية وتقزم هويته الإبداعية ويحبط ايما احباط… بسبب شريطه الأول الذي حاز جوائز دولية وتنويها وطنيا بشبه اجماع لجنة تحكيم معتبرة.. شريط شانته رغم كل جمالياته ثوان من موسيقى حسانية…!

أسفر الحدثان معا عن اكتشاف طريف مؤداه أن الترفيه هو الثقافة ذاتها وأن الموسيقى هي الراب وان الفن السابع هو الفضيلة ومكارم الأخلاق وليس الثقافة البصرية وصناعة الإبداع… وفي هذه الهوجة تراجع النشر والكتاب وتوارى التشكيل والمعمار وباقي مكونات الثقافة التي من بينها طبعا ” المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون ” في اختزال مخل بنشاط إنساني عميق تراكم عبر الدهور والعصور كغنيمة ثمينة متوارثة أبا عن جد وخلفا عن سلف: الثقافة؟!

الثقافة بين العام والخاص

في مستهل هذا العام تم توقيع اتفاقية إطار بين وزارة الثقافة والاتحاد العام لمقاولات المغرب ترمي لتعزيز التعاون بين الوزارة واتحاد رجال الأعمال ” لخدمة الإقلاع الثقافي والإبداعي في البلاد وتطوير النظام الصناعي للثقافة والعمل على ان تكون المهن في المجال الثقافي احترافية “… مع تركيز خاص على مجالات النشر، الموسيقى المعاصرة، فنون الفرجة والسمعي البصري. على اعتبار أن هذه المجالات يمكن أن تجتذب الاستثمار الآمن كما يمكن ان يسوق المنتوج عبر قنوات عدة في سوق نشيطة تتسع بمتوالية هندسية..

أضف أن الصناعات الثقافية النشيطة على المستوى العالمي حققت قبل اليوم نتائج مهمة بملايير الدولارات (انظر تقرير الأمم المتحدة الانمائي حول أوضاع الصناعات الثقافية على الصعيد العالمي 2010) الذي يتضح من خلاله أن المجال يعتبر اليوم وغدا من أفضل مجالات الاستثمار.

غير أن تسليع الثقافة يحمل محاذير جمة لأن الثقافة منتوج نوعي يتطلب الى جانب المهارات المهنية والتمويل السخي والتسويق الواسع.. يتطلب حكامة من نوع خاص. وعلى وزارة الثقافة باعتبارها الساهر على تنفيذ سياسة الدولة في المجال الثقافي.. “ ان تكون اكثر حذرا فلا تترك للرأسمال الحبل على الغارب أو أن يقتصر دورها على التدابير الضريبية والشروط المحفزة ونظام التعاقد مع الفاعل الثقافي… وباقي التفاصيل التقنية. وعليه ينبغي أن نتساءل: هل يمكن أن تسلم الدولة الشأن الثقافي في جوانبه الحاسمة للقطاع الخاص الذي يسعى الى الربح بطبيعته؟ هل يمكن أن ينهض رجال الأعمال بمهام المحافظة على التراث والانفتاح على الآخر بالحذر الكافي أو أن يواجه في ذات الوقت، الاختراق الثقافي المتربص في ظل الراهن المعولم اقتصاديا وسياسيا..؟؟

بالتأكيد، لن يغفل المتعاقدون __ الرسميون واسياد اللعبة __ كل هذه التعقيدات المربكة خصوصا فيما يرتبط ب ” تحفيز السياسات العمومية ووضع خارطة طريق واضحة وشفافة لفائدة الشركاء الدوليين”!

وبالمناسبة فإن مصالح الوزارة كانت قد وقعت شيئا مماثلا مع نفس الاتحاد في 10 يوليوز 2019..

الثقافة والجهة

نص دستور 2011 على أن التنظيم الترابي للمغرب لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. كما تتوفر على قانون تنظيمي منذ 2015، إلا أن تنزيل هذه المقتضيات لا زال متعثرا، يقف على رأس عوامله تعطيل مبدأ التدبير الحر (الذي أفرغته الإدارة الترابية من كل فحوى ومضمون) وهو معطى جوهري يتجاوز بأشواط مسألة التمويل والحاجة الى الكفاءات وغير ذلك مما يمكن التعامل معه متى تمتعت المجالس الجهوية بحريتها كاملة في اتخاذ قراراتها وتنفيذها.

رغم هذا فمن باب هدر زمنها السياسي، ألا تفرد الجهة للشأن الثقافي مكانا أكثر اتساعا. أولا لأن هذا الشأن يعكس أكثر من غيره اتساع مروحته، من التنوع والاتصال العضوي بأنسان الجهة وبأرضها واشتراطات هذه الفعالية “الثقافة” موضوعيا بالحرية العالية السقف.

تضرر الشأن الثقافي طويلا _ ولا يزال _ من ارتهانه بالمركز. ومن شأن تحريره من الوصاية أن يحرر الإبداع والابتكار والمواهب كي تعبر بنفسها عن نفسها بشتى التعابير.

.. فيما لو تمسكت المجالس الجهوية بحقها الدستوري في التدبير الحر والتقاطع مع القطاع الخاص _ المواطن في خططه لتنمية المكونات الثقافية دون تمييز وبالندية اللازمة، فإن الشأن الثقافي سيشكل لهذه المجالس حقل تجارب ملائم للحكامة الثقافية ومجالا للكفاءات كي تنشط في ميدان غير مثقل بالإكراهات كما هو مجال السياسة بمناكفاته او المجال الاقتصادي بشراسته و تعطشه للنجاح..

الثقافة الشعبية.. الصبور

هذا اللون من الثقافة الأوسع انتشارا والآلصق بالأرض ومن عليها، عرف ويعرف اكتفاء ذاتيا أزليا، يتحمل الشعب تكاليفه ويحدد مواعيده وفعالياته ويرتب برامجها وفقراتها بخبرات متوارثة … لا تكلف الوزارة ولا ترهق المال العام..

انها تراث لامادي بالفعل قولا وفعلا واسما على مسمى يبدعه الشعب للشعب ويعيد إنتاجه بلا هوادة! بل انها، الثقافة الشعبية، توفر للبلد مادة ثمينة كعامل جذب لا يقاوم ويكسب الوطن ” علامة تجارية ” تتجاوز في نجاعتها التسويقية ” صنع في المغرب “!

الاحرى بالوزارة والحالة تلك أن تشتغل على هذه الثروة الوطنية توثيقا ورقمنة وحماية له، وهو المهدد بطبيعته بالانقراض وفي أفضل الاحوال التشويه والفلكرة، دأب الشعوب التي تتجدد شكلا باستمرار دون أن تفقد جوهرها الأزلي.

فأل حسن …

في التفاتة طيبة من google الى الثقافة الشعبية عندنا، خصت الفقيدة الحاجة الحمداوية ايقونة العيطة بيوم تكريمي (28 اكتوبر). شكرا جزيلا..

                          ابو حسين

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com