أقصوصة جديدة للمبدع مهدي عامري

أقصوصة جديدة للمبدع مهدي عامري

علي يحرق كتبه

           د. مهدي عامري

منذ أكثر من عشرين عامًا، كرس علي حياته للكتابة والتأليف في مجال تخصصه، علم الاجتماع. و كان يغرق قراءة و فحصا و تاليفا في بحر من الكتب والمقالات الأكاديمية، يسطر كلمات تحمل حبًا وشغفًا لا ينضب، ويحولها إلى طقوس يومية تكاد تكون مقدسة. و لم يكن علي يرى في حياته شيئًا أهم من نشر المعرفة والتفكير النقدي العميق. لكنه، في بداية الاربعين من عمره، بدأ يشعر بأن كل ما صرفه في القراءة و السباحة الحرة في محيطات امهات الكتب لا يعدو ان يكون عبثا في عبث.. و جال علي بنظره في مكتبه المكدس بالكتب والمخطوطات النادرة، و كان كل ما رآه انعكاسًا لسنوات من الجهد المضني والعمل الشاق، مقابل لا شيء

و تمتم لنفسه بقلب يعصره الاسى : “ما ورثنا من الكتب إلا الفقر” و كان علي يسمع في ذهنه صدى هذه الجملة يتردد مرارًا وتكرارًا، وكأنها أصبحت نشيدًا يوميًا يسخر منه ومن جهوده

و بدأ علي يتأمل محيطه. و نظر إلى الجيران والأصدقاء الذين لم يتعمقوا في العلم ولم يكترثوا بالكتب، فوجدهم قد حالفهم الحظ و أصبحوا أثرياء، يملكون سيارات فارهة و منازل فاخرة بل ان بعضهم بات يملك اسطولا من المحلات التجارية

“انظر إلى هؤلاء السماسرة وأشباه المتخصصين”، قال لنفسه بمرارة، “كلهم كونوا ثروات طائلة لأنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف”

وعلى الجانب الآخر، ظل علي في مكانه، مكرسًا شبابه وعمره للعلم، ولم يجن منه سوى البؤس والفقر. “حياة العلم الكلبة”، قال في نفسه، “التي يظل بسببها المثقف يجري خلف لقمة العيش اليومية، وبالكاد يصل إليها، و ربما اليها لا يصل

شعر علي بالغضب والحزن في آن واحد. “نحن في مجتمع متخلف تحكمه التناقضات”، و قال بصوت عالٍ، “كلما درست ضاعفت فرص فقرك وعوزك. صحيح… الشهادات لا قيمة لها إلا الحبر الذي كتبت به

و ختاما، استسلم علي لموجة من الأفكار السوداوية، وبدأ يتذكر بعض أقوال فيلسوف العبث ألبير كامو التي كانت تتراءى له كأشباح تعذبه

الحياة ليست إلا عبثًا، . كيف لنا أن نتخيل سيزيف سعيدًا ؟ و سواء صدق او كذب البير كامو..كيف يمكن لعلي أن يتخيل نفسه سعيدًا وسط هذا العبث ؟ انه بؤس العالم.. دوامة اللامعنى.. و وضع علي رأسه بين يديه، مسترجعًا عددا اخر من أقوال البير كامو التي كانت تزيد من شعوره بالضياع

“الحرية ليست سوى فرصة ليكون المرء أفضل” –

“كل إنسان يسعى لأن يكون سعيدًا؛ غير أن الشرط الأول للسعادة هو الرغبة في الموت” –

“لا شيء يهم، وكل شيء عبثي –

“العالم دون معنى، ويجب علينا أن نحيا كما لو كان هناك معنى” –

وفي هذا المجتمع المليء بالتناقضات، كانت حكم الحياة تبدو وكأنها تزيد من بؤس علي. و كان يتذكر أيضًا بعضًا من أقوال روبرت كيوزاكي في كتابه “الغني والفقير” و التي توضح الفرق الشاسع بين من يمتلك المال ومن يفتقده: “الغني يعيش كما يحلو له، والفقير يعيش كما يمكنه –

. “الثروة تجعل الحياة أسهل، والفقر يجعلها مستحيلة” –

“المال لا يشتري السعادة، لكنه يشتري الراحة” –

“الفقر ليس عيبًا، لكنه بالتأكيد ليس ميزة” –

“الغني يحلم بالمستقبل، والفقير يكافح في الحاضر”-

“الفقير هو الذي يعرف قيمة كل شيء، لكنه لا يستطيع شراء أي شيء”

و ظل علي عالقًا في دوامة من الحزن والكآبة. و لم يعد يرى في الكتابة ملاذًا كما كان في الماضي، بل أصبحت عبئًا يزيد من شعوره بالفشل

و قرر أخيرًا أن يترك قلمه ويبتعد عن مكتبه، محاولًا البحث عن معنى جديد لحياته في عالم لا يعترف بالعلم ولا يحترم المثقفين. وفي النهاية المأساوية لهذه القصة التي ربما اصابتك بالحزن [ لكن ذلك غير مهم، و لا قيمة له]، اضرم علي النار في كل كتبه و ترك وراءه بعيدا عن النيران التي التهمت سنوات من القراءة و الكتابة رسالة وحيدة يتيمة حجمها بضعة سطور ليشرح بوضوح مدى إحباطه ويأسه

# ان حياة المثقف في دولنا المتخلفة انعكاس لعبثية الوجود الذي تحدث عنه كامو، ومحاولاته الفاشلة في إيجاد معنى في مجتمع لا يكترث إلا بالثروة و المظاهر #

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com