أقصوصة للدكتور مهدي عامري
يوميات راعي العزلة
د. مهدي عامري *
انظر هناك.. لست انا، لكنه هو، ذلك الطيف العابر الموجود بين الحياة و الموت، بين الهنا و الهناك، بين الاصغر و الاكبر… في ظلال الصمت المهيب، حيث تتراقص النجوم على ألحان السكون، ينزوي راعي العزلة في مثواه الأبدي. هناك، بين تلافيف الخيال الجامح، تجري ينابيع الكلم، وتنسج الروح بخيوط من ذهب حكايات و روايات.. لا يرى راعي العزلة في صخب العالم سوى الضجيج الفارغ من المعنى.. يمشي و ياكل في الاسواق، لكنه يمضي بين الناس كشبح عابر، لا يترك أثراً ولا يملك و لو حجرا ملقى في الفلاة.. سعادة الراعي في خلوته، و ثمة يزهر فكره و تنثال منه الحروف و الكلمات. و حين يُسأل الراعي عن عزلته، يجيب بابتسامة غامضة: العزلة محرابي و معبدي، . العزلة هي لحظات أُناجي فيها نفسي وأتواصل خلالها مع روحي، . العزلة قلمي و محبرتي، سقمي و دوائي، شجوني و شفائي . هي جراحي و بلسمي و مرشدي في دروب حياتي… لا يفهم الناس صمت الراعي، فيظنونه غروراً أو انطواءً. لكن راعي العزلة لا يبالي بالأحكام و لا يعير لها انتباها، بل يمضي قدما.. انه يهرول في متاهات العشق و مقامات الروح. في وحدة راعي العزلة و الصمت ، يصير العالم لوحة بيضاء، يرسم عليها أحلامه و استيهاماته، و يرقص الحرفُ على الورق ناسجا قصصاً وحكايات تحلق به بعيدا هناك، في سدرة الحب و الخيال
* كاتب و استاذ باحث المعهد العالي للاعلام و الاتصال، المغرب *