ما هي حقوق الصحفيين في عالم الذكاء الاصطناعي؟
تساؤلات عن الذكاء الاصطناعي وحقوق الصحفيين: الجزء االثاني
في بعض العواصم العالمية الكبرى، مثل لندن، منذ 2019-2020، تم تثبيت قرابة 12 مليون في شارع العاصمة البريطانية من كاميرات المراقبة على مدار السنوات الخمس الاخيرة، و من المؤكد ان هذا الرقم الضخم مرشح للارتفاع في افق السنوات القليلة القادمة
هنا، السؤال الحقيقي الذي ينبغي ان يطرح هو التالي : ما عساها ان تكون الحدود الاخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات المراقبة و التجسس ؟ و الى اي حد تؤدي البولسة المفرطة المستندة على الذكاء الاصطناعي الى تراجع الحريات المجتمعية و اغتصاب الحق في الصورة و الخصوصية ؟
تصور أنك تتجول في الشارع، تخيل أنك تخرج وتذهب لقضاء فسحة من الوقت مع اصدقائك، ولكنك مراقب في كل حركاتك و سكناتك، بل في كل مكان…إن كانت هذه من مفرزات الذكاء الاصطناعي، فيجب هنا اعادة طرح السؤال حول الخصوصية، و حول الحق في الحياة الشخصية وايضا الحق في وجود فضاء خاص داخل الفضاء العام
ان هذه المراقبة – التي اصبحت موجودة و متنامية في جميع مدن و دول العالم عن طريق الكاميرات التي أصبح عددها هائلا يقاس بالملايين- تنسف خصوصية الانسان وتجعله سجينا لهذا الذكاء الاصطناعي الذي كان يعتقد الكثير من الأشخاص غير المتخصصين انه بمثابة “فردوس وردي” كله ايجابيات و أنه حاضر هنا لتحقيق الرفاهية، و لكن الحقيقة المرة و القاسية أن التكنولوجيا تسهم في استعباد هذا الانسان و في تكريس العبودية ( العبودية في العمل، في العلاقات داخل الشركات، في المصانع…)، و هذا طبعا ان لم يتم استخدامها بالشكل المعقلن و السليم
والان .. عزيزي الصحفي… حاول أن تتخيل معي عالما لا عمل فيه
تخيل معي عالما ليس فيه أي تنقل و سفر لأجل العمل
تخيل معي هذا العالم
تخيل أنك لا تحتاج إلى أن تستيقظ في الصباح الباكر و تغادر بيتك إلى المؤسسة الاعلامية التي تشتغل فيها لأجل ان تعمل 8 أو 9 أو 10 ساعات أو أقل من ذلك او أكثر
تخيل معي وجود هذا العالم الذي لن تضطر فيه كإنسان كادح إلى الركض وراء خبزك اليومي تلبية لأساسيات الحياة
هذا العالم سوف تتولى فيه روبوتات الذكاء الاصطناعي مسؤولية كل الأعمال : كتابة و تحرير المقالات، انجاز التحقيقات، انجاز التغطيات الاعلامية في مناطق النزاعات و التوترات… الذكاء الاصطناعي سوف ينجز كل هذا و اكثر بشكل أوتوماتيكي
تخيل
مرحباً بك إذا في نادي الاتمتة الشاملة و الكاملة و العابرة للقارات و الدول
من ثمار الأتمتة و نتائجها الطيبة أن الناس.. أنت و أنا والآخرين سوف نتفرغ للحياة، و سنعيشها بطولها و عرضها.. سنستمتع بالحياة، و أعنى بذلك ساعات عمل أقل، مع فائض من الوقت يتم استثماره في شتى أنشطة الترفيه : الاستجمام، اللعب، الخروج في عطلة طويلة مع الاصدقاء او العائلة.. وبذلك سوف نوفر في بنكنا الشخصي رصيدا هائلا من الوقت
ثمة من يعتقد أن الأمر محض خيال، و أن ما أبشر به مجرد ادعاء
أنا جزء صغير من آلاف الخبراء و الباحثين الذين يتحدثون، حول العالم، في هذا الموضوع، بكثير من الحماسة و الشغف المعرفي
لا ابالغ.. إن الروبوتات التي تأخذ على عاتقها انجاز معظم اعمال البشر تاركة اياهم في راحة شديدة، و ربما دافعة اياهم الى تجرع مرارة الخمول و البطالة.. ان هذا المعطى الجديد ممكن جدا مع الثورة الصناعية الرابعة
و لكن، قبل الوصول إلى هذه “الجنة الموعودة”، هناك طريق طويلة من المعاناة و المكابدة و من الأسئلة الحارقة التي طرحها أسلافنا من البشر منذ مئات، بل آلاف السنين حول جدوى عملهم، و حول المجهود الذي يبذلونه كل يوم في الحقول و المزارع و المصانع
هل هناك جدوى من انجاز كل هذه الأعمال الشاقة ؟
هل هناك بدائل تكنولوجية يمكن ان تساعدنا على توفير كل هذه المجهودات الكبيرة ؟؟
ان المهن والوظائف الجديدة التي تخلقها الثورة الصناعية الرابعة عديدة جدا بحيث لا يمكن أن نحصيها، ومع الذكاء الاصطناعي هناك احتمالية كبيرة لأن يتم تعويض نسبة 60 بالمائة إلى أكثر من هذه الأعمال البشرية، في افق الاعوام القليلة القادمة، بروبوتات قادرة على إنجاز نفس المهام الروتينية للبشر ، بل أكثر من ذلك، و هذا منذ لحظة قراءتك لهذه الكلمات، و الى حلول عام 2050
دعونا الآن نرجع الى الوراء سبع سنوات على الأقل
في عام 2017، أصدر مجموعة من الباحثين في جامعة أوكسفورد دراسة حول التعلم الآلي و الذكاء الاصطناعي، و ما يهمنا في هذه الدراسة هو النتائج التي خرجت بها والتي مؤداها أنه من المحتمل أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري بنسبة تفوق 50 بالمائة في كافة المجالات، و ذلك خلال الست و الأربعين سنة القادمة
وتوصلت الدراسة نفسها إلى أن الروبوتات سوف تقضي على نحو 85 مليون وظيفة في الشركات المتوسطة و كبيرة الحجم خلال السنوات السبع القادمة
توقف معي لحظة
هناك عدة أسئلة أخلاقية حول جدوى الاستغناء عن البشر تماما في العمل.لنأخذ مثال الصحفيين
هل من الممكن أن تعوض الروبوتات الاعلاميين في إنجاز المهام التقنية ؟
هذا ممكن جدا، بل إننا أصبحنا نشاهد حدوثه بأم أعيننا في الايام الاخيرة.. لكن الروبوتات كما يقول الباحثون في العلوم الإنسانية، غير قادرة على امتلاك عاطفة و روح و وعي مثل الوعي الذي يمتلكه الإنسان
إنها قادرة على إنجاز المهام التقنية، ولكن هناك شكوك حول إرادتها المستقلة و حول وعيها و دوافعها الأخلاقية
هل نجد لدى الروبوتات أخلاقيات مثل تلك التي نتحدث عنها مرارا و تكرارا تحت مسمى اخلاقيات مهنة الصحافة… ؟
هناك عدة أسئلة إيثيقية و فلسفية تطرح على هذا المستوى..
هل يمكن الاستغناء عن الصحفيين تماما في العمل، و هل يمكن تعويض جزء من العمل الذي يقوم به الاعلاميون بالروبوتات ؟
هناك الكثير من التطورات التكنولوجية حول الأتمتة، الذكاء الاصطناعي، التعلم و الكتابة الآليين، التوليد الالي الربوتي للنصوص و المواد الصحفية…. و التي تفيد الكثير من الشركات الاعلامية على نطاق واسع في العالم، و مفادها ان الروبوتات يمكن أن تعوض إلى حد كبير الاعلاميين في الكثير من المهام التقنية و التحريرية، بل و حتى على مستوى السرعة في اتخاذ القرارات…
لماذا ؟ لأنها بكل بساطة سوف ترتكب أخطاء أقل و لن تحتاج لا إلى فترات راحة و لا إلى فترات إجازة.. و يمكنها، علاوة على هذا، تلبية معايير الجودة المطلوبة أو أعلى من تلك التي ينتجها البشر