أقصوصة بقلم الأستاذ محمد الحراق

أقصوصة بقلم الأستاذ محمد الحراق

                                                             !…المقهى التي                                                           

الأستاذ محمد الحراق

                                                

في هذا السفر المكوكي، بين بروكسيل، طنجة، القصر الكبير ، الرباط، ثم العودة إلى القصر الكبير ، ثم سفر آخر إلى مولاي بوسلهام فالقصر الكبير، ثم العودة إلى طنجة ومنها سأعود إلى بروكسيل…وما صاحب كل ذلك من زيارات عائلية لا بد منها رغم تقصيري الكبير جدا ، غفر الله لي وأطلب منه العفو عن زللي وعظيم خطيئتي
انتبهت من غفوتي وتعبي أخيرا، لابد أن أتصل ببعض الأصدقاء الذين أخطأت في حقهم أيضا ( وهم كثير، كثير. أقبل رؤوسهم جميعا ملتمسا منهم العفو والسماح ، خاصة أنا في عطلة مؤقتة وهم في عمل). رتبت اللقاء سريعا بأخي الغالي وصديق العمر والدراسة الأديب الأنيق جمال عتو. فما كان منه وهو الذي يعرف عوالج الوجدان وما يدور في خلدي، إلا واقترح عن غير قصد هذه المرة (هناك سر خاص بي) ، مقهى عزيزة على قلبي في صباح البارحة الثلاثاء 14 ماي 2024
بعد العناق الحار والعتاب الجميل، وحديث عن ذكريات أجمل، وجولة سريعة في (ذاكرة دروب ) زقاقات المدينة التي كلما اشتقت إليها فتحت كتاب صديقي العزيز جمال لمعالجة شوقي واشتياقي الجارف لها وذكرياتي الرائعة بها

 :قلت له
– لهذه المقهى معي سر كبير، وذكرى أجمل، سأحكي لك عنها… وعدته بتدوينها… وها هي كاملة
مقهى الواحة، من معالم المدينة القديمة، بناها الإسبان عندما حلوا بهذه المدينة ، كما بنوا كل معالم هذه الساحة الجميلة (الخرديل)، بنوا هذه المقهى وفتحوها أمام الزبناء الإسبان(علية القوم آنذاك ) سنة 1924
أما أنا فقد ازددت ببيت عتيق بهذا الحي المسمى “السويقة”. فلما بدأت أخطو خطواتي الأولى، لا أنتظر سوى أن يفتح الباب الخشبي العتيق لأخرج إلى(الدرب) الزقاق ، في استعراض جامح للبطولة ربما، ولما تنقضي بعد سنتين من عمري
ذات يوم ربما كانت هناك مناسبة عائلية ما، أوصى الوالد (لحسن) رحمه الله تعالى وجدد عليه الرحمات، الوالدة متعها الله بالصحة والعافية، أن تستعد لنزور العائلة الكريمة ببيت جدي.. ( اسألوها ان شئتم ههههه فهي لا زالت تتذكرها وتذكرني بها كلما جلسنا نسترجع الذكريات)
أما الوالد فقد ذهب إلى محله لبيع اللحم (الجزارة) القريب منا بسوق (سيدي بو احمد) ، لقضاء بعض الأغراض وترتيب الأمور مع المستخدمين والعودة على وجه السرعة لنخرج جميعا لزيارة بيت جدي
ألبستني الوالدة حفظها الله ، جديد الملابس (التي اشتروها لي في العيد كالعادة ، من العيد إلى العيد ههه)، ودخلت غرفتها لتلبس هي أيضا جديدها، وتلف

( الحايك، كعادة أهل المدينة أيامها الجميلة )
دخل الوالد رحمه الله مناديا عليها للخروج، فسأل عني ليحملني أو يأخذ بيدي مشيا على الأقدام إلى بيت جدي، الذي كان يبعد يومها نصف ساعة على أبعد تقدير وبالمشي البطيء المناسب لصغر سني
 أين محمد ؟! أين الولد؟ –
صرخت الوالدة وكاد يغمى عليها، كأنه صفعها بقوة بهذا الصوت. لأنها غفت وانغمست في ترتيب نفسها ونسيت الولد الجامح، ما أن تسنح له الفرصة ويجد الباب مشرعا، حتى يكون خارج البيت ، كعصفور في قفص تفتح له الباب ليطير في الهواء الطلق. إنها الحرية، والصراع من أجلها مسألة فطرية غريزية لا تحتاج إلى تدريب
لم تتوقف الوالدة عن الصراخ والبكاء، ولوم نفسها بقسوة زائدة كأنها هي السبب، في ضياع الولد، أو مخافة إصابته بمكروه
ارتقى (الوالد رحمه الله)، بخفة الشباب كرسي دراجته الهوائية، يحوم حول الأزقة القريبة، يسأل هذا وذاك وكل من يمر أمامه عن طفل هكذا شكله ولونه وعمره وشغبه…. لف أيضا في اتجاه السوق ، لأنه كان يصحبني إلى هناك… تابع الطريق وصولا إلى بيت جدي حيث كانت العائلة مجتمعة. ما أن سمعوا الخبر حتى طار الجميع يجري بخفة في كل اتجاه، منهم من له دراجة ، ومنهم من أطلق سيقانه للهواء ، جريا هنا وهناك

رجع الوالد بخفي حنين إلى الوالدة، وجدها ما زالت تلطم وتلوم نفسها في بكاء حاد يقطع الأنفاس، كيف لا والولد المشاغب هو الولد البكر، وسمي محمدا… كعادة أهل هذه البلاد الطيبة

:اطمأن على الوالدة وصبرها ، بل اقترح عليها قرارا حاسما هذه المرة
 سأذهب إلى مخفر الشرطة، وكلهم أصدقاء وزبناء لي، لن يقصروا في مهمة البحث الأمني عن ولدي، لا تخافي ، سنجده، سنجده… مهما كلف الأمر
وصل الوالد إلى باب المخفر، سأله الشرطي المداوم عند الباب عن غرض صديقه، فما أن فتح الوالد فمه لينطق بالكلمات الأولى لسرد واقعته ، حتى شرع فاه عن آخره وهو يتأتيء بكلمات غير مفهومة، أشار إلى المقهى المقابل للمخفر بكلتا يديه وبكل طاقته وهو يصيح

 ها ها ها هووو الولد .. هناك ، هناك ، في المقهى ، واضعا رجلا على رجل، ونحن سنموت من الخوف والأسى عليه…. هههه
:ترك حارس الأمن واقفا متجمدا في مكانه، لم يفهم أي شيء بعد، نط الوالد بسرعة وأخذني بكلتا يديه الكريمتين، مقبلا ومعاتبا في نفس الوقت ، وهو يقول
الذنب ذنبي، أنا من أصحبك معي إلى هذه المقهى في المساء، كيف نسيتها الآن، من الآن لا تصلح إلا للجلوس بالبيت مع أمك ولو مقيدا
هذه هي المقهى التي… وهو يشرح لحارس الأمن قصة الولد المشاغب مع هذه المقهى
(انتقل مخفر الشرطة إلى بناية أخرى أكبر، وبقيت المقهى في مكانها)
:كلما مررت أمامها في شبابي ، وعند زياراتي بعد بعدي ، أقول
:هذه هي
المقهى التي…! #الطفل_الذي_كنته

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com