…في انتظار هدنة مع الذات

ذ . ثريا الطاهري الورطاسي 

خاطرة           


قبيل معرض الكتاب الأخير، زارنا في البيت أحد الأصدقاء ليحكي لنا عن ظروف هذه التظاهرة الفكرية ، وفي مجرى الحديث أخبرنا متأسفا عن سوء فهم أدى إلى القطيعة بينه وبين أحد أصدقائه القدامى . ومن ذاك الحين وانا أفكر في الأمر ولم انتبه الا وانا اخط هذه الخاطرة التي أفرغت فيها كل أحاسيس المحبة والصفاء الذي ينبغي أن يكون متبادلا بين الجميع

لكل مرحلة من مراحلنا العمرية تصورات وقرارات خاصة تميزها عن غيرها ، ولايمكن أن نجد لها أثرا في غيرها ، وقد نجد أنفسنا ملزمين بتصيد فرص التأمل والتذكر لاسترجاع الخيط الناظم للحظات الشريط الذي نسجته الظروف والأقدار فتمر محطاتها تباعا منتظما أمام أعيننا ، تمر أحيانا وكأنها لا تنتمي إلينا ولا تخصنا، أو على الأصح أن لا صلة لها بنا ، وتطوح بنا في زمن الاغتراب أو الغرائبية وكأنها أكبر منا زمنيا . علما أنا في الواقع لا نكبر عندما يمر بنا الزمن وتأكلنا أيامه ولياليه ، ولكننا نكبر عندما تموت بدواخلنا الأشياء أو نتناساها بفقدان بريقها ولمعانها ويخفت صوتها ويتلاشى بريقها ، وقد تتراجع أنانيتنا – بحق – من أجل السعي إلى اكتساب محبة من هم أو هن حولنا باقون ، وعندئذ نحتاج إلى لحظات مثقلة بالهدوء غنية بالصفاء ، مشبعة بالتأمل في ومع تلاوين الحياة التي نعيشها ، فيجتو علينا الصمت المطبق ، الكاتم لضجيج الروح القامع لتطلعاتها ، بعيدا عن كل رياء اجتماعي أو تطاحن حربائي ، ومشاحنة مجانية ، فنتحسسه صدى همس دواخلنا قائلا : يكفيك ما مر من سنوات العمر ، فلم تعد لديك متسع من لتقبل الأشخاص الخطأ أو العلاقات المصلحية التي تكون قد سرقت منا – أو على الأقل أنستنا – أجمل اللحظات وأمتع المحطات وأحلى الذكريات ، وحتى دون أن ننتبه إلى ذلك. فما أجمله هو شعور التَخَطي والتجاوز والتغافل ، وحتى اللامبالاة عن كل ما يمكن أن يقض المضاجع ، لكي نعيش ونحن نتلمس الخيوط الراحة النفسية ، متخطين كل الانكسارات والمشاعر الزائفة والمستهلكة ، ونتغافل عن كل ما يستحق منا التجاهل ، ونمضي قدما وبخطى حتيتة في اتجاه غد وضاء مشرقة أيامه ، تأخذ معه الحياة مجراها وتتدفق شلالاتها بالتسامح والصفاء، فنسير في اتجاهه حتى لا نقضي على رصيد المحبة الذي رعيناه جميعا بشكل طوعي متخطين كل الحساسيات والمواقف الضاغطة وفيضانات الغضب الساطع المنبعث من كثير الجهات ، ناسين بذلك أو متناسين أن هناك دوما لحظات ومحطات هي لبنات أساس في استمرارية التوهج والحرص عليه ، غير أنا بقينا عن رؤيتها والقبض بالنواجذ عليها عاجزين

لقد علمتني الحياة بمختلف محطاتها المتباينة أن الأصدقاء بصفة عامة هم وهن عملة مهربة تحت رداءات الرياء بمختلف ألوانه ، الاجتماعي منها والفكري والثقافي . واستفدت من توالي الضربات ، وتعلمت كيف أحمي مشاعري ، كي لا أعيش سجينة أي كان أو كانت ، أو أستمر خانعة في جلباب المجاملات المجانية ، وأن استمتع بكل اللحظات التي يجود بها علي القدر ، فأعيش حريتي بلا نفاق ، بعيدة عن كل وصاية أو أي تسلط كان ، ومتطلعة دوما إلى ما هو أصفى وأروع ، وأمد يدي لكل من هم في حاجة إليها، لنبني صرح المحبة الصافي أديمها ، خطوة خطوة وبكل طمأنينة ، رافعينها ألوية الإخاء الصادق .وفي مقابل ذلك أبقى بعيدة عن كل إساءة للآخر، لأننا نشكل نواة الرقي والحلم بكل ما هو مشع ، في عزة وسلام نفسي دائم الحضور
.نعم نحن نكبر ونشيخ ومعنا أحلامنا تكبر و تتنامى ولكنها لا ولن تشيخ أبدا وهو ما يجعلنا دائمي التشبث بالأمل والحلم الذي لا يتوقف ولا يخبو لهيبه
ولعل أصعب ما يمكن أن يحمله الواحد منا هو القلب الأجوف أو المفتقر إلى التسامح واستحضار الأعذار لتصرف الأخر ، والذي تزداد مآسيه عندما يغلق على جرح مفتوح . أفلم يكن من باب أولى أن نملأه بمحبة الآخرين ومسامحتهم ، لأن الحب هو حلم أكبر من مساحة أحلامنا، وينبغي أن يبقى طاهرا بعيدا عن كل ما يمكن أن يلوث صفائه أو ينال من قدسيته وطهارته ويجرده من وسامته ويتركه عاريا إلا من ملابسه الداخلي
وخلاصة القول ينبغي أن يراجع الواحد منا حساباته قبل أن تشيخ روحه / ها ، لأنا مجرد ذوات عابرة في ملكوت الحياة ، ومجرد بذور زرعت في أرض الزمان وتحتاج إلى مطر الإخاء وسماد التفاهم وتفهم الأخرين – بغض النظر عن أماكن تواجدهم ومواقعهم في منظومة الحياة – فالقلوب والعلاقات تُهْدى ولا تغتصب ومن باب السمو أن لا نجبر أي كان على منحها أو الدوس عليها تحت أي مبرر كان
فشكرا لمن يلتمس للأصدقاء العذر قبل أن يعتذروا ، ولمن يقدر ظروف الآخرين قبل شرحها ، ولمن يحب الآخرين رغم العيوب . فنحن في الحياة لا نخسر الأصدقاء، بل نتعلم من هو الصديق الحقيقي أو الصديقة الحقيقية

ذ . ثريا الطاهري الورطاسي
ماي: 28/2024

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com