قراءة أولية لثلاث مسرحيات للطفل
هَيـّا بنا إلى المسرح
ثلاث مسرحيات للطفل” للقاص والمسرحي عبد الحق السلموتي“
بقلم : عبد الرحيم مشيمش
بعد مجموعتيه القصصيتين “الدملج العتيق” سنة 2016 و “كابوتشينو” سنة 2019، أصدر القاص والكاتب المسرحي عبد الحق السلموتي منجزه المسرحي الأول، المتمثل في ثلاث مسرحيات للطفل (الحق في الاختلاف – لا لتشغيل الأطفال – المدرسة أُمُّ الجميع)، عن منشورات ورشة كتابات/ الطبعة الأولى يناير 2021
من عادتي، كلما كتبت ورقة عن إحدى الكتابات الإبداعية، أشير إلى أن منطلق هذه الكتابة يكون من وجهة نظر قراءة انطباعية، ليس إلا. وهذا حق تخوله لي هويتي القرائية الحرة، دون أن أتخندق ضمن أي قارئ مصنف، على غرار ما جاء في الصفحة 173، من كتاب (التخييل القصصي – الشعرية المعاصرة) لـِ “شلوميت ريمون كنعان”، ترجمة لحسن احمامة، دار الثقافة/ الطبعة الأولى 1995. الشيء الذي يحررني نوعاً ما من التقيد الصارم لبعض ” التوصيات” النقدية، مما يمنحني هامشا مهما من حرية الانتشاء بلذة القراءة/ الكتابة عن هذه الإبداعات الأدبية. فمن خلال هذه النافذة ستكون إطلالتي على المساهمة القيمة، التي أضافها القاص والكاتب المسرحي عبد الحق السلموتي، إلى ريبيرتوار التأليف المسرحي الوطني، عموماً ومسرح الطفل خاصة
عبر إهداءٍ مفعم بِنُبْلِ المشاعر، وبتقديم رصين لأحد المسرحيين الوازنين الدكتور محمد فراح، ثم بدعوة نابعة من الحب الكبير والدائم للمسرح، يرفع كاتبنا ستار الحكي المسرحي، مقدما لنا أولى مسرحياته الثلاث “الحق في الاختلاف”، كعتبة عنوانية تمنح للاختلاف كامل الحق، أن يكون مطلباً ضرورياً وأساسياً في الحياة، بواقع حال الإنسان كوجود على هذه الأرض
من المشهد الأول والثاني، يتمظهر لنا أن الكاتب ملم بآليات التأليف المسرحي، عندما استعمل بشكل جيد هذين المشهدين، للدفع بنا مباشرة في قلب الصراع، صراع حاصل بين فريقين من تلامذة إحدى المدارس. في المشهد الأول بواسطة التعبير الميمي، نستوعب وجود صراع، وفي المشهد الثاني كانت الكلمة سلطانة الحكي لتأكيد وجود هذا الصراع، والمكان المناسب حتماً هو ساحة المدرسة لعرض هذا الصراع. وهذا التوظيف الجيد لعنصر التشويق من لدن الكاتب، يحفز فضول القارئ/ المتفرج، لمعرفة موضوع الاختلاف، الذي أجج نيران الصراع المعلن بين هؤلاء التلاميذ
وهكذا من الوهلة الأولى، نلج لعبة التمسرح في عالم الأطفال الرائع، لعبة يلعبها/ يشخصها الطفل للطفل. هذه الثنائية تبدو معتمدة من الكاتب عن وعي مسبق، لاكتسابه مرجعية ثقافية مسرحية جيدة ومهمة، فهو خريج قسم المسرح العربي، بالمعهد البلدي بالدار البيضاء، بعد سبع سنوات من الدراسة النظرية والتطبيقية لأب الفنون، كما قدم أدوارا متنوعة فوق الركح، ضمن فرقة أصدقاء المسرح بالمغرب، وضمن جمعيات وفرق أخرى، قبل أن يتفرغ، في العقدين الأخيرين، للمسرح المدرسي ومسرح الطفل، تأليفا وإخراجا
على متن ثلاثة مشاهد (3- 4- 5)، نعرف أنه قد حصل خلاف بين تلميذ جديد ومجموعة من التلاميذ القدامى، حول اختلاف عميق في الاختيارات والقناعات كأسلوب في الحياة. وعلى إثر هذا الاختلاف ستتدخل أيادي بيضاء (من التلاميذ أنفسهم)، لتقريب الرؤى المختلفة ووجهات النظر المتباينة، سعياً لإصلاح ذات البين. وكل هذا كان من خلال نقاش هادئ ومقنع جدا، حتى مالت كفة الحكم لصالح حق الاختلاف، وتجلى ذلك في المشهد السادس والأخير، بالتأكيد على عدم التساهل في هذا الحق، والرفع من القيمة التوعوية له، لدرجة الإيمان به وممارسته، كأحد الحلول الناجعة لكل تنشئة اجتماعية سليمة، وجاء هذا جليا بلسان التلاميذ/ الأطفال، وهم يغنون أغنية انتهاء المسرحية، وبمنتهى الانسجام والتراضي بين كل من التلميذين “سفيان” و “خالد” (يحملان كرة للقدم) من جهة، والتلميذ “مصطفى” (يرتدي قميصا رياضيا خاصا برياضة كرة السلة) من جهة ثانية. حيث ظهر الاختلاف واضحا بين الطرفين، إنما التعايش ممكن وحاصل، من خلال هذه الإشارة الركحية البليغة، التي وظفها الكاتب توظيفاً مضبوطًا في هذا المشهد، كما فعل مع جميع الإشارات الرحكية، في سائر مشاهد المسرحيات الثلاث
في المسرحية الثانية والثالثة، أخذ الكاتب بيد المتلقي ووضعها على جرح غائر، لم يبرأ منه الوجدان الإنساني إلى غاية اللحظة، ألا وهو استغلال الطفل في سوق الشغل
لقد سار على المنوال نفسه، بملامسة قضايا الطفولة، بنفحة شغب جميل، لا تخلو منه هذه المرحلة الرائعة. المسرحيتان تطرحان تيمة واحدة، تناقش استغلال الطفل في سوق العمل، قبل السن القانونية للشغل، ويكون الهدر المدرسي تحصيل حاصل لِغَصْب سنوات الطفولة لدى الطفل/ التلميذ
في المسرحية الثانية ” لا لتشغيل الأطفال “، الطرح كان بصيغة المذكر، حيث نجد الطفل “سامي” قد ترك المدرسة مرغماً، بعد أن قرر والده إلحاقه بمحل للنجارة. هناك سيعامل معاملة سيئة إلى درجة الضرب، من لدن صاحب المحل، بالإضافة إلى إحساسه الفظيع نتيجة حرمانه من التمدرس. ويصبح مصيره الشغل الشاغل لأصدقائه/ التلاميذ، وهمهم المشترك، فيصنعون (عادل – نزار – خولة)، كل واحد من الموقع المتاح له، طوق نجاة لإنقاذ صديقهم من هذه الوضعية اللا طبيعية على الإطلاق. وبالفعل يتأتى لهم ذلك ويعود “سامي” إلى حجرة الدرس ومتابعة دراسته. ومع أغنية اختتام المسرحية، أَنشد الأطفال/التلاميذ/ الممثلون كل أمانيهم المشروعة، الرامية إلى احترام حق الطفل في التمدرس، بدل تدمير طفولته بالزج به في عالم الشغل الشاق، مقارنة بطراوة عوده الذي لم يستو بعد في فترة التفتح هذه، سواء العقلي أو الجسماني، وأيضا النفسي
والموضوع ذاته، نجده في النص المسرحي الثالث “المدرسة أُمُّ الجميع”، إنما بصيغة المؤنث هذه المرة. إنها الطفلة/ التلميذة “سمية”، التي غُرر بها حتى أصبحت خادمة لدى إحدى قريباتها، بعدما كانت من التلميذات النجيبات والمجتهدات. هي الأخرى لا تفلت من سوء معاملة مشغلتها وبمنتهى السادية، تحت مظلة ظلم ذوي القربى يكون – غالبا – أشد فظاعة، وتعاني معاناة شديدة عندما توقف مسارها الدراسي. ومن خلال استرجاع دراماتورجي موضوع في مكانه المناسب (المشهد الرابع)، وبحوارات ارتوت من دراية جيدة بالكتابة للمسرح، يطلعنا الكاتب على ما عاشته “سمية” في مقر عملها/ بيت قريبتها، مقابل مبلغ مالي اقترضه والدها من هذه القريبة، وعجز عن الوفاء بإرجاعه لها. مما سيدفع بأصدقائها (فاطمة – فائزة – خالد) أن يتجمعوا في شكل جبهة نضالية طفولية، تطالب بتنفيذ كل التوصيات الحقوقية، المتعلقة بالطفولة، لأجل إعادة صديقتهم إلى المكان الطبيعي، الذي يجب أن تكون فيه، ألا وهو المدرسة ولا شيء غير المدرسة، وبمساندة فعلية من أولي أمرهم، وبعض الأطر التربوية سيتحقق مبتغاهم. وقبيل إسدال ستار نهاية المسرحية، يناشدون الجمهور والعالم معه، برفقة صديقتهم التلميذة الطفلة ” سمية “، وهي تحمل على كتفيها محفظتها وبيدها كتاب تقرأه، كإشارة لعودتها إلى حُضن المدرسة، لمحاربة عار الجهل بنور العلم
جميل، وصعب في الوقت ذاته، أن تكتب للطفل. لكن الأجمل والأصعب هو أن تكتب مسرحاً لهذا الطفل/ رجل المستقبل. وها هو القاص والكاتب المسرحي عبد الحق السلموتي، يضيف إلى المكتبة المسرحية المغربية والعربية، إبداعاً متميزاً، معتمداً في ذلك، على لغة عربية فصيحة بليغة، وسهلة الإلقاء والتلقي، خصوصاً بالنسبة لهذه الفئة العمرية من القراء. وهذا هو المطلوب، لأن الكتابة للطفل تتوخى ما هو تعليمي، بالدرجة الأولى على مستوى اكتساب اللغة، وأيضاً تناشد ما هو تربوي، على مستوى كَسْب القيم الإيجابية. ولا يسعنا إلا أن ننوه بالكاتب على وضع لوحة جميلة للغلاف، من إبداع طفولي واعد للطفلة “نادين بطاطا”، ودعوته المفتوحة لكل من أراد التعامل مع نصوصه المسرحية، ونخص بالذكر جمعيات المجتمع المدني، التي تشتغل في حقل الطفولة، في إطار مشروع نهضوي يسعى إلى خدمة نشر الوعي الثقافي، كرافد من روافد تنمية الإنسان/ الطفل المغربي