في ذكرى رحيل الملك محمد الخامس

في ذكرى رحيل الملك محمد الخامس

الاستراتيجيات التنموية : تخطيط وتسديد محمد الخامس طيب الله ثراه نموذجا

              الدكتورة سعيدة أملاح

بمناسبة ذكرى رحيل ملك المغرب، محمد الخامس بن يوسف، بطل التحرير، الذي وافته المنية يوم 26 فبراير سنة 1961، والذي يخلدالذكرى االثالثة والستون لرحيله، نظم الجلس العلمي بمدينة مراكش ندوة تحت عنوان: الاستراتيجيات التنموية : تخطيط وتسديد محمد الخامس طيب الله ثراه نموذجا”، ألقتها الدكتورة سعيدة أملاح مشكورة، وافتنا بنسخة  للنشر على صفحات ألوان تعميما للفائدة

نستهل هذه المداخلة بأن ننحي إجلالا لعظمة فقيدنا، والذي وشم بالحق ذاكرة التاريخ بمفاخر وأمجاد وعبقرية وبطولات، فالمغرب مدين له ولشعبه بما هو عليه الآن، وما يحققه من إنجازات على مستويات عدة ، وما ذكرى وفاته ونحن نحس ألم الفراق والفقد رغم  مرور السنوات، إلا وقفة للتذكر ، تذكر الملحمة الخالدة والتي لن تتكرر في عمقها الافقي والعمودي ، على مستوى الوطن، وعلى مستوى العلاقات مع المنتظم الدولي
وما محمد الخامس رحمه الله إلا رمز من الرموز لا يمحى فخرا ونضالا وتضحية وإباء ،فهو قدوة للصالحين ومثال للمربين في ذاكرة الاجيال ، كما هي في كتب التاريخ، وسجلات الواقع حافلة بملاحم بطولاته التي دونتها أقلام وازنة،  بلغات مختلفة،  تروي الأبعاد الدولية لمساره السياسي ما بين أمريكا،  افريقيا ، وبلاد المغرب العربي، وغيرها من الدول
لقد استطاع جلالته من خلال اجتماعات عدة أبرزها لقاؤه في آنفا بالدار البيضاء مع روزفلت وتشرتشل وديغول في 14 يناير 1943م أن يحقق وجوده ، وتعتبر أولى الخطوات لاستعادة الحقوق المشروعة ، وأعيدت الكرة في لقاء آخر في 1945م مع ديغول في باريس. أول الشرارات الواعية التي حددت الرؤية الملكية الرافضة للسيطرة الاستعمارية. فكان الاختراق بعدها للحدود الدولية المصطنعة في الريف وطنجة أي رافعا كلمته كالسيف في وجه الحواجز الدولية ، مؤكدا عروبة المغرب وعقيدته الاسلامية، كما أكد على سيادة المغرب ووحدته الترابية
وكانت تلك أولى الاستراتيجيات التي انطلقت من تحليل الوضع الآني والمحيط الخارجي التي اعتمدت تحديد الخطوات والقدرات المطلوبة لتحقيق الأهداف او تحديد المؤشرات الرئيسية لتحقيق أهداف فورية ، والتي كانت صرخة معلنة عن واقع غير مرغوب فيه ، والذي هو التجزيئ والهيمنة غير المشروعة وضرب القيم اللامتراجع منها وهي العروبة والإسلام

وبالطبع كان الراحل رضي الله عنه مدركاً كل الإدراك – مستعينا بالله تعالى- أن الوضع يقتضي التريث والتحليل الدقيق،  وإعلان الرغبة في الانعتاق ، رغما عن نقاط الضعف والتهديدات، كانت هذه أولى خطواته عبر خطة مدروسة وناجحة تقول بأننا هنا حاضرون حضورا فعليا ، ورافضون لواقع مفروض يفتقد للمشروعية ، فما الثالوث المتحدث عنه من قبل القوى الاستعمارية والذي اعتبر مفتاحاً لقهر الشعوب ، ولاغتصاب حريتهم ، إلا وهم لا أساس له من الصحة، وإن كان الوضع الدولي في اضطراب عام.  لقد ساهم بشكل أو بآخر في بحثهم عن تطعيم القوى الداخلية للدول المتضررة من الحربين الأولى والثانية. إلا أن الملك المجاهد وضع استراتيجية تهدف أولا إلى التحرر وتفضي بعد تحقيق عهد الاستقلال إلى رؤيا تنموية تشمل كافة القطاعات كما يجسد ذلك الواقع
من تغييرات إيجابية ، وتحولات،  كزيادة معدلات النمو الاقتصادي او تحسين مستوى المعيشة ، وتعزيز البنية التحية ، وتطويرالمهارات والتعليم،  وتعزيز الحوكمة والمشاركة المجتمعية
علما بأن الوعي المغربي قد ارتفع في السنوات الفارطة إلى أبعد مستوى ولا أدل على ذلك من معانقة الشعب لنضال ملك ، واختيار البدائل العظيمة حين الأزمة ، وعيا متفتق في أبهى تجلياته من عموم الشعب المغربي ، فكان بذلك يصدق عليه ما يصدق في الثورات الحقيقية التي تصقل الوجدان ولا تصادر على المطلوب ، والتي لا يأكل ما بداخلها إلا بتكسير البيضه كما يقول المثل الفرنسي الشهير،  ثورة بينت أصالة النفس المغربية ، وتوقها للخلاص والحرية وتضحيتها بكل غال ونفيس من أجل إرجاع حرية وطن ، إنها ملحمة عانقت النفس العالية الذي تمتع به عاهلنا والذي رسم من خلال خطة وطنية بتخطيط محكم، وتسديد مفعم بالإيمان بالحق سبحانه وتعالى ، وتوجيه منسجم مع الخطى القيادية للشباب المغربي الذي عاش ثورته بوعي عميق ،وإدراك خطير لسير الجهاد اقتداء برسول البشرية سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
وهكذا في أولى الاستراتيجيات السياسية نحو المنتظم الدولي قال جلالته: ” من البديهي ان المغرب، وهو المرتبط بعرى وثيقة بالاقطار العربية في المشرق يود أن يقوي هذه الروابط بعزم أكبر من ذي قبل خاصة وأن الجامعة العربية أصبحت الآن عاملا هاما في الشؤون العالمية،  وقد ورد كذلك قوله بأن المغرب بصفته دولة عربية ، يرغب في الانخراط في جامعة الدول العربية
وتأسيس المغرب مكتبا في نيويورك لشرح مطالب المغرب التي ترتكز على المطالبة بالاستقلال في أوساط هيئة الأمم المتحدة ، وكان بذالك محمد الخامس  الذي اختار المنفى وأسرته الشريفة مؤسسا وداعما لهذا المكتب وراعيا له ماديا ومعنويا

وما فتئ يسدد خططه الرصينة المزكاة بلقائه بالعديد من المفكرين والمثقفين وذوي الشأن العام والخاص في واشنطن ونيويورك، إلى أن نال مسدادا بتوفيق من الله تعالى العضوية الكاملة في الأمم المتحدة خريف 1956م وحضر المغرب المشارك في أول دورة للجمعية العالمية من نفس العام ، وكان من أعمق الرؤى الاستراتيجية لدى جلالته ما ذكره في خطاب العرش في الستين من القرن الماضي:  إن ما لنا من مطامح مشتركة مع شعوب افريقيا ليدعونا إلى تقوية روابطنا بها في الميادين الروحية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية
إنه فعلا سياسي محنك لا يقف عند محطة واحدة ، لقد رسم لبلاده رسم بيانيا سدت ثغراته بعلم عزير، وحكمة راسخة ، وسياسة فاعلة،  فأعطى للعقيدة واللغة وسماً وخوصصة ، وللتاريخ والجغرافية بعداً سياسيا عميقا على أنه مجمع البحرين بين أوروبا وافريقيا وهو دولة عربية وإسلامية ، وعليه لما قال جلالته أن يفكر في سياسته بالروعة هذا المفكر والذي سما به فكره إلى  استغلال الخيط الناظم استغلال إيجابيا لبناء دولة متميزة حديثة في إطار علاقة جدلية ليكتسب بالإضافة إلى سيادته الوطنية سيادة دولية باعتبار ( المغرب يمتاز بمجاورته لقارات أخر وذلك اختيار من الله سبحانه وتعالى ، فوضع بصمته في الجزائر عند أغتيال فرحات حشاد وفي تونس والكونغو ( المساهمة في حفظ الامن من ضمن القوات الدولية ) وبعد أن حقق جلالته النصر المرتقب على الاستعمار الفرنسي
تميز عهد جلالته بسمات تشمل كافة المحيطات، وكانت استراتيجية تنموية عابرة للقارات يكفي أن نذكر ترسيخه للسيادة القانونية
والقضائية مع تفعيل انطلاق دور المؤسسات وتطوير الجهاز القضائي، وتنظيم وزارة العدل، وإقامة المديريات التي تختص بالشؤون المدنية والجنائية والموظفين والسجون مع الحث على العدل لما هو منصوص عليه في الدين الإسلامي ومواكبة عمل الإصلاح وإلغاء نظام القادة والباشوات لما سجل من مآخذ على النظام القديم
مع المزاوجة بين التيار التشريعي الإسلامي ، والتيار التشريعي الوضعي، ومن ثم كان انطلاق المؤسسات بما لها وما عليها في إطار التجريب في مجالات مختلفة كقانون الجنسيات، وتأسيس النقابات، والسلم المتحرك للأجور إلى غير ذلك من الذي عدل بعضه ، وأكد بعضه يشد المغاربة الطموح الإقامة دولة ديمقراطية في إطار ملكية دستورية

انتقل الملك الشاب ، واصطفاه ربه مغفورا له مرحوما إلى جواره مخلفا خلفا صالحا سار على دربه وفعل استراتيجية التنموية المحكمة،  لقد سجل مواقف  إنسانية وفكرية عظيمة وسياسة وجيهة لم  يسعفني الحيز الزمني لإدراجها. وللاشارة إلى أعظمها وأبلغها فلتقبلوا عذري وقصور مداخلتي، وتكفي الاشارة أن تكون محفزا لذوي الاهتمام بالبحث في هذا الموضوع 

إن الحديث عن مواقف جلالته في هذا المجلس المهيب حديث ذو شجون، يستلزم النظر البعيد في الاستراتيجية التنموية والتي اعتبرت حجرا أساسا لما يتمتع به المغرب الآن مروراً بالعهد الزاهر عهد الحسن الثاني تغمده الله بوافر نعمته، وأسكنه فسيح جناته ، والذي أوصل الرحم بضم صحرائه إلى الوطن الأم ، وفي عهد محمد الباني محمد السادس أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين نصره الله وأيده ، هي جذور تنموية قضت على الجهل والأمية والفقر ورفعت الوعي في ثورتها المصيرية، وسارت بالمغرب بخطى واسعة ، وهذا يستلزم وقفات بحثية عميقة ودقيقة لعمليات التخطيط المسدد من الراحل جزاه الله عن هذا الوطن وشعبه خير الجزاء ، وتقديم مجلدات كبيرة تأريخا لهذا العصر الذهبي الماجد

ويكفينا شرفا أن نقول عن جلالته إنه من الثلاثة الذين لم ينقطع عملهم مصداقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث متفق عليهه

إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له

الدكتورة سعيدة أملاح
عضو المجلس العلمي المحلي لمراكش

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com