2 احتفالا باليوم العالمي للشعر
2/2: احتفالا باليوم العالمي للشعر
همسات لشعراء في جولة عبر العالم
نواصل الاحتفاء باليوم العالمي للشعر مع نخبة من الشعراء الذين لم يتوانوا في مد ألوان بمشاركاتهم في هذا الملف الاحتفالي الجميل بالشعر والقصيدة. نترك القراء الأعزاء مع الجزء الثاني، والبقية تأتي: (ألوان)
!الشعر تعال عن الزمن واغتراب عن العالم
ككل عام، مع حلول الربيع ولا سيما اليوم العالمي المخصص للاحتفال بالشعر، يُجَنَّح الحديث عن الشعر ويَتَوَطَّدُ السؤال عن جدواه خاصة في مثل زمن القحط والقبح والبؤس والتفاهة الذي يعيشه العالم اليوم
لا شك أن اختيار يوم الاعتدال الربيعي، 21 مارس، المتزامن مع عيد الأمومة ويوم القضاء على التمييز العنصري، له رمزيته العميقة للدلالة على كون الشعر لقاحا للروح، وبعثا متجددا لكينونة الإنسان وزرعا لقيم الحب والحق والأمل والجمال في قلوب البشر، وأداة فنية تربوية قوية شاملة تعيد للحياة اخضرارها وجمالها وبهجتها وتعيد الإنسان إلى حِلمه وتوقظ الوعي لديه بوضعه الوجودي وقضاياه وآلامه وآماله ومعاناته وأحلامه
الشعر ليس ترفا لغويا على هامش الحياة
الشعر تعال عن الزمن واغتراب عن العالم وجلوس على ضفاف الذات، بالإنصات لمدها وجزرها وسبر أغوارها بعد أن يلغبك السير في دروب العيش وترهاته، كي تنتشل ماهية الإنسان من النسيان والضياع. وتستثمر في عائدات التجربة والتحصيل والوعي بعزلة في الشعور لتفكيك الواقع وإعادة تركيبه لبناء عالم منشود، بهوى المتيم بالحرية والكرامة والحق والجمال
الشعر هو أن تنسج الكلمات من شرايينك أشرعةً بخيط من الذات إلى كمال مفقود.الشعر أن تدخل في عشق جامح مع اللغة بإمكاناتها النظمية والتركيبية ومخزونها الموسيقي في تناسب رفيع لنبض الشاعر فيك مع إيقاع الوجود، وأنت تقفز بذات شاردة وروح واجدة في هوة من بياض مستمسكا بحبل المعنى والمجاز
والشعر أن تعمل كل ملكات الإنسان من ذاكرة ووعي وخيال وعقل وحواس ووجدان ومنطق وإيقاع وبيان في رحلة عودة أبدية إلى رحم الأمومة وتكوين الفطرة وبراءة الطفولة على بساط لغة من حركة وسكون تهدهد الشاعر في تناسب رفيع مع رغبته الإبداعية وإيقاعه النفسي الراقص على أوتار من فرح أو موجدة أو حلم أو ذكرى. وهو يتصيد صورا فنية متفردة معادلة للموضوع بأبعاد وأمداء وإيحاءات حمالة ومثيرة للتأويل
ولا يبلغ الشعر أشده ويستوي إلا إذا صدر عن فلسفة ذاتية، ينهل الشاعر فيها من أغوار الذاكرة، متلونا بأحوال القلب، متمثلا لوعائه وفي تفاعل وتلاقح مع ملكات الشاعر وقدراته العالمة العابرة للأزمنة وثقافات العالم
بذلك، يثبت الشعر أنه حجرٌ أساسٌ لبيت الوجود والهوية والذاكرة منذ طفولة الإنسانية الأولى إلى اليوم. ولا ينفك يعلمنا وهو يعبر عن وحدة مشاعرنا وأسئلتنا وتطلعاتنا أن الإنسان، واحد أصلا ،ومسعى ومصيرا. وتماما كما يؤكد ذلك الإسلام، أن اللون والعرق واللسان مجازات لحقيقة الإنسانية. وأن ما ذواتنا المختلفة إلا روافدُ تصب في نهرها العظي
باختصار، ما أحوج العالم اليوم إلى أم حانية حاضنة، ما أحوجنا إلى لقاح للروح الإنسانية، ما أحوجنا إلى عالم رحب بهيج مخضر، ما أحوجنا إلى اعتدال ربيعي دائم
!ما أحوجنا إلى الشعر
!ماذا قال الشعراء عن الشعر؟
جمع وإعداد : د. عبد القادر فارس
-أمير الشعراء أحمد شوقي : لا يزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة، ولا تزال الحكمة شاردة، حتى يؤويها بيت من الشعر
-الشاعر الأميركي روبرت فروست : الشعر هو الإحساس الذي عثر على فكرته ، والفكرة التي عثرت على الكلمات
-الشاعر اللبناني أدونيس : الشعر وردة الرياح، ليس الريح بل المهب، لا الدورة بل المدار
-الشاعر الفلسطيني سميح القاسم : الشعر نبض القلب ، والشاعر يجب أن يكون متورطا فيما يكتب ، سواء في شعر الحب والغزل ، أو الشعر الوطن
-الشاعر اللبناني جبران خليل جبران : ليس الشعر رأياً تعبر الألفاظ عنه، بل أنشودة تتصاعد من جرحٍ دامٍ أو فمٍ باسم
-الشاعر السوري نزار قباني : لا أملك نظرية لشرح الشعر ، ولو كان عندي مثل هذه النظرية لما كنتُ شاعراً ، لأن فن الشعر هو فن التوعية لا فن التعمية
-الشاعرة الجزائرية سليمى رحال : الشعر مجمرة الشاعر التي يحترق فيها ليخرج بالقصيدة
-الشاعر والأديب الفلسطيني خليل حسونة : النص الشعري الحقيقي قديما أو في شعر الحداثة ، لا يكتبه الشاعر ، وإنما هو الذي يكتب الشاعر
-الشاعر والروائي الإنجليزي سومسرت موم : الشعر هو تاج الأدب، إنه الغاية والهدف، وهو أرقى أشكال النشاط العقلي، إنه بلوغ الجمال والدقة ، وليس بوسع كاتب النثر إلا أن يتنحى حين يمر الشاعر
!!رباعيات يوم الشعر
للشعرِ يومٌ وللأشعارِ أيامي
هزني قلمي فنسجتُ أحلامي
تغنى به الحادي بنغمٍ وألحانِ
!!يا ليتَ شِعري كيفَ أدماني
***
كتبتُ قصيدي بسحرِ الجُنون
فما أدري غداةَ غدٍ كيفَ أكون
وبِتُّ بليلي أرجو منهُ السُكون
!!شَقيتَ بِشعري فكانَ المَنون
***
المتنبي أعلنَ به فصلَ المقال
ودرويشُ بموطنهِ صالَ وجال
وقباني تَغزَّلَ عِشقاً حينَ قال
!!وبينَ شعرٍ ونثرٍ ثارَ الجِدال
***
بسوق “عكاظٍ ” التنافسُ شعرا
فكان السباقُ لِمنْ يُحسِنُ قولا
بمعلقاتٍ لا زالت الأجملَ دوما
!!ذكرى جميلُ بُثينة وقيسٌ وليلى
د. عبد القادر فارس
!الشعر أقدم وأعرق أشكال التعبير الإنساني
!!غالبية دور النشر تتأفف من طبع الدواوين
أرى أن الشعر في يومه العالمي قد تحول لمجرد حدث دعائي بشكل دوري كل عام، منذ أن سنته اليونيسكو المنبثقة عن هيئة الامم المتحدة قبل ربع قرن بالتحديد، لاستشعار العالم بمدى الحاجة لجنس أدبي تعبيري في طور الانقراض دون شك.. وعلى كل حال يبقى مناسبة لتجديد الدعوة للاحتفاء به وتنظيم احتفاليات بكل لغات العالم لتمديد عمره ما أمكن في زمن تغولت فيه نزوعات التشييء وتدني المقاييس وتبخيس القيم الروحية والجمالية
لعل وضعنا الشعري المتأزم في وقتنا الراهن إبداعا وتداولا يشكل في عمقه جزءا من وضعيتنا العامة المحكومة بهذا المد الكاسح الذي نعيشه في عالم اليوم تحت وطأة السياسات الممنهجة في تسفيه الحس الفني عامة بتبليد الذوق وتسييد نظام التفاهة الآخذ في التغول في مختلف مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية ومؤسساتها الإعلامية
والحالة هاته، صحيح أن غالبية دور النشر بدأت تتأفف من طبع وعرض الدواوين بتصنيفها خارج اولوياتها.. وبعضها الآخر قد يركب موجة المغامرة بالرهان على تسويق كمية محدودة من النسخ إلا ما كانت كلفة طبعها على ذمة المؤلف.. لكن يوما بعد يوم يتأكد أن انحسار المقروئية الشعرية في سوق الكتب وتقلص حيز التداول بتناقص قراء القصيد يكشف عن خلل عميق في الوجدان البشري الذي اقترن بالشعر منذ طفولة العالم، بدليل تسميته العربية الدالة على مدى تجذره في الإحساس والشعور، وذلك باعتباره من أقدم وأعرق أشكال التعبير الإنساني، بوصفه الأسبق زمنيا في النشأة والظهور عن بقية الأجناس الأدبية الأخرى قي تاريخ كل الأمم والحضارات بلا استثناء
والسؤال المطروح بحدة في هذا السياق غير الباعث على الارتياح لمستقبل الشعر وأحوال اهله هو: إلى أي حد يبقى اليوم العالمي للشعر مناسبة دورية كفيلة بتمديد عمره ولو بشكل محدود في حياة البشرية.. ومن أدرانا أن تتحول تظاهرات ومحافل هذا اليوم نفسه من عيد للاحتفال والاحتفاء بالشعر والشعراء إلى مأتم للتأسي والعزاء؟ دون التساؤل عن قيمة ما يقدم من المنجز الإبداعي ورقيا وإليكترونيا في ظل المفارقة الصارخة بكثرة الشعر وقلة الشعراء.. أو بالأحرى ندرة الشعراء في زحمة الأدعياء؟!؟
:الشاعر مراد وريد من المغرب، يعود وهو في فترة نقاهة إثر وعكة صحية، حمدا لله على السلامة، ونتمنى له الشفاء العاجل
اختار المشاركة في هذا الملف عن اليوم العالمي للشعر بقصيدة جديدة، نوردها كما يلي
“رسالة الى شاعر مبتدئ”
لكي تكون شاعرا
…لابد
وأن تلتهم القصائد نيئةً
أن تشرب حروف الأبجدية دفعة واحدة
أن تضع قبعة المجاز
…وترتدي نظارة المعنى
.لتمعن أكثر في الكتابة
وكأي غاوٕ
اقْتفِ رائحة القصائد
التي تطهى بأصابع العظماء
..ولا تقتد أبدا
بؤلائك الذين يخنقون القصيد
في فنجان قهوة سمراء
وعنجهية فارغة
..يدخنون أحلامهم
كما يدخنون سجائرهم
بركن ركين
وفي مكان يضلله الملل
يبنون آمالهم الواهية
.ويسرفون في الطوابق
مدن الشعر لا تبنى بالأحلام
ولا بالشوارب الكثة
التي يكسوها الصقيع
مدن الشعر تبنى
بالأقلام الواعدة
بسواعد الراسخين في الشعر
المتقرحة عقولهم
بفرط القراءة والكتابة
مراد وريد