3 احتفالا باليوم العالمي للشعر
3/3: احتفالا باليوم العالمي للشعر
همسات لشعراء في جولة عبر العالم
نواصل الاحتفاء باليوم العالمي للشعر مع نخبة من الشعراء الذين لم يتوانوا في مد ألوان بمشاركاتهم في هذا الملف الاحتفالي الجميل بالشعر والقصيدة. نترك القراء الأعزاء مع الجزء الثالث، والبقية تأتي: (ألوان)
…الشعر والشعراء في يومهم العالمي
!الشعر تجلي الموجودات في الوجود
اليدُ التي تركها مشاءٌ من زمن غابر، الجدارية التي حفرها بأظافره على حائط كهف قصيدة، الرسم إذا نص اللون والظل. رقصة الجسد حال تجل سعيد أو شقي تحت المطر أو فوق ركح قصيدة. اللحن الذي عبأه في الأذن كمان أو ناي قصيدة تحكي الريح والأزمنة. العالِم الذي يضع عينا على عين مسبار ويغلق الأخرى ليتأمل الكواكب والأجرام يقرأ ذلك النص الشعري الأبدي الذي خطته العناصر في تناغمِ وامتدادِ وجودٍ لا محدود
…الشاعر يرى إذا ما لا يراه الآخر
الشعر تجميل جملة، تقعير فكرة، تطويق صورة حتى يدرك الشاعر من ذلك قبول واستحسان الآخر، ذاك الآخر الذي به كان الشعور ومن أجله كان الشعر، إذ بدون الآخر لا معنى للشعر ولا ضرورة له
الشعر مآدب اللغة وأفراح الكلام، منه تقتات الأرواح وتتلاقح المرئيات في الأخيلة
!!لا أحدَ يُقيمُ مأدبة ليكون فيها وحده
أنت شاعر… والشعر أيضا قيْدٌ يطوق ظلكَ وكلكَ وبعضكَ. أنت شاعر… إذا أنت رهينَ محابسِ أرواحِهم الهائمة في الشعاب، تحت غصن أو فوق لون، بين طيات قلب مثخن أو على لسانٍ يلهج بمباهجِهم وأحزانِهم جميعا
…“الشاعر يتحدث على عتبة الوجود”1 والوجود عتبات للحياة، حياة الشعراء تحديدا. أنت شاعر… إذا أنت سارقُ النار، أنت جمرُها وهشيمُها
يتوق الشاعر للحرية، فيلحق بركب الثوار، يغني ملاحمهم، ويربي المواقف على الثبات… ويحن الشاعر للحب فيلعق خيبات المحبين في محطات الانتظار ولا ينتظر الحب… بل يخلقه. الشاعر عامل نظافة متطوع، يجفف الدمع، يلملم الأمنيات المهملة على كراسي الحدائق متى أذن اللقاء بافتراق العشاق… الشاعر اسفنجة تمتص الحزن السائل من صدوع القلوب وشروخ الذاكرة والشعر هو تلك الأحزان العميقة والأصوات المتألمة التي يقولها الشاعر وهذا كله كي لا يموت وحيدا
“آه يا لها من أحزان عميقةٍ لا يمكن تجنبها. تلك الأصوات المتوجعة التي يغنيها الشعراء”2
—————————
1 غاستون باشلار
2 فيدريكو غارسيا لوركا
الشعر نشيد السّلام
الشاعر والباحث محمد زين
ماذا يعني -اليوم- الانتساب إلى شجرة الشعر؟ هل الشعر بخير في عالم لا يبشّر بالخير؟ أسئلة استنكارية تفكّر في القارئ/الناقد وتجعل العالم منتصرًا للحرية وناثرا للجمال ومحبّا للحياة ومُنافحا عن إنسانية الإِنسان المُشتركة وحريصا أشدّ الحرص على التنوع الثقافي
الشعر فَعْمٌ بالحياة، ولذلك يرى أ. الأكاديمي د. سعيد العوادي أنّ ” الشعر طاقة جبّارة تطوي الوجود في كلمة حرون.. لكنها كلمة قابلة للقراءات اللامتناهية والتأويل الهرمسي المضاعف. ولو استطاع كل شاعر أن يقبض على هذه الكلمة لكفته عن عشرات القصائد والدواوين.. ولعل تحوّل القصيدة اليوم من الطّول إلى القصر، باعتماد مبضع أوكام، هو نوع من البحث الشّاقّ الدؤوب عن تلك الكلمة المعجزة”[1]، إنّه رصيدٌ مذخورٌ لخامات ومقدُرات الشعر التي نفذت إلى كمائن النفوس فأَرِبَتْ مقاصدها
إنّ اليوم العالمي للشعر استجابة لمبادرة اليونسكو، وفي ذات السياق نورد كلمة بيت الشعر في المغرب لهذه السنة، والتي وقّعها الشاعر الإيطالي الكبير جوسيبي كونتي، ترجمتها دة. سناء درغموني، وبيانها أنّ ” الشّعر هو جوهرُ الإنساني: جوهر الأخوة بين جميع البشر، وجوهر الأخوة بين جميع البشر والعالم الطبيعي والكوكب. الشّعر هو طاقة اللغة، والروح، والحلم، واليوتوبيا، هو كلّ شيءٍ مقدّس وحُرّ ظل بيننا. لنحبَّه، ولنحتفيَ به مع وصول الاعتدال الربيعي الذي لا يزال وعْدا دائما بمزيدٍ من الضوء والازدهارات الجديدة”[2]
سيظل الشعر هواء الإنسانية جمعاء وفانوس دُجنتها في الليالي المدلهمّات، وستظل رسائل الشعراء ووصاياهم تراثا عظيما، فَــــ”لولا الشعر لأُصبنا جميعا بالسكتة القلبية”، بحسبِ الشاعر الفرنسي لويس أراغون
[1] مقتطف من مقدمة ديوان يقظة الظل للشاعر محمد زين، ص 6
الشعر بلا حرية، عبث
…للجميع الحق في الكلمة
كل واحد ينسج الجمل على هواه و حسب قناعته. و في زمن تتسارع فيه الكلمات قبل الجمل، نحتاج الى من ينظمها ويعيد إليها الهدوء المنشود. و الشعراء، على اختلاف رؤاهم الابداعية، يتكفلون بهذه المهمة، و بكل حرية
فلا داعي، إذن، إلى فرض حصار على بعضهم البعض. لكل واحد الحق في التعبير عن أفكاره بالشكل الذي يرضيه
لغة
من يتكلمُ
لغةَ الأصنامِ
لا فصاحةَ عندَهُ
مهما طرَّزَ
في الصَّمتِ
الحسَّ يَفقدُهُ
قد تُوحي لمحةٌ
مِنهُ وغمزةٌ
بغير ما يقصدُهُ
راحةُ الشفاهِ
في حركاتِها
عندَ الحاجةِ
تُنقذُهُ
هكذا هي الحواسُّ
وُجدت لغايةٍ
من أنكرَ فضلَها
تُجلدُهُ
*****************
!الشعر فلسفة وجود لوجود
هل كان الشعر ينتظر أن يحظى باليوم العالمي للشعر حتى يُعرَّفَ به، أو يُحتفَى. ومن باب النكر أن نعتقد أن الشعر رهين مناسبة، وهو فلسفة وجود لوجود. فمنذ أن يطأ المرء باب الحياة نجده يناظرها بمختلف حواسه التي تؤكد قدرة التجاذب بين الأجسام والأرواح، وتلك خصيصة الوضع الذي جبل عليه الإنسان ليقيم حدوده. والشعر رؤيا غير مدركة الملامح خارج لعبة الفناء في الكون، إنه الشعور بميلاد يتجدد في غيبة الزمن والمكان، ولغة تترنح خارج اللغات كأنْ به مسّ من كبرياء، يعلو فوق ذاته ليعلن أن اليقين قوة لا تُؤتى بغير مجاهدة النفس. الشعر باب التجلي في الجمال، يصنع فرحه كما حزنه، حسب موازين القوى التي تحركه. لقد كانت الحرب وكان الغناء، وكانت الموت علة الرثاء… فمن يوقف تعريف الشعر غير الشعر نفسه. لا شيء يعدل تعريفه خارج احتوائه لمزامير وصحف هذا الكون. كلما سألتَ عنك تبدّى لك ليُقرضك أنغام الحياة على بساط بألوان الزهور… هكذا تغلب الإحساس به ليصبح موضوع ذكرى تعاود العبور، وهو في كل وقت عالم لا يتوقف بالثبات وانتظار مرور الحول. إنه وجه للتحولات التي تلاحق الإنسان. وهو في كل أحواله صيغة للجذب نحو تخومه القصوى، توقيعا على شعرية المنافي البعيدة حيث السؤال عن المصير الذي يراقص بالصراع إيقاع السلطة التي تلتهم جغرافيا الإنسان. هكذا يقع الشعر في مسافات الكشف عن أحوال النفس الملتاعة بأحزمة الحرب والدمار في العالم، فلم يعد نشيدا للكرامة والحرية إلا اقتسارا في اللغة وباللغة. كانت القصيدة ميثاق الجماعة وكانت الجماعة أقرب إلى الانتصار على كل قيمة تَعاورها المفسدةُ. كان الشعر صلاحا في جماله، ورسالة مقدسة في عرف الإنسان
هو الشعر في كل الأقطار منذ أن دخل الإنسان في ملامسة القوى الخفية التي تسكنه، وكان لآدم أن ينزل ليعلن أنه استسلم لشعور راوده فتخلف عن وعده، فسار في الأرض برهانا على أن الشعر حركة جوانية تخاطب معنى الوجود الإنساني. هكذا صار الشعر توليفا للمتناقضات، لما انحاز عن معناه في عسر تغيير معنى الإنسان، ومن قتلى غَزَّةَ الدليلُ على أن جمال الشعر صار فهما جديدا لتعريف الانكسار الوجداني لإنسان هذا الكون
فهل يكفي أن نحتفي بأحسن قطعة موسيقية أو شعرية لنعاود السؤال كل سنة عن العنف والحرب في اليوم العالمي للشعر