احتفالا باليوم العالمي للشعر
1/1: احتفالا باليوم العالمي للشعر
همسات لشعراء مغاربة وعرب في جولة عبر العالم
:تقديم
وما الدهر إلا من رواد قصائدي
اذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا
(المتنبي)
والعالم يحتفل باليوم العالمي للشعر في 21 مارس من كل عام ، ارتأينا أن نحط الرحال بقراء جريدة الوان عند هذه المناسبة العالمية
فقديما قال العلامة ” ابن خلدون ” معرفا الشعر بأنه : كلام مفصَّل قطعا قطعا متساوية في وزنها متحدة في الحرف الاخير من كل قطعة ، وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتا ، ويسمى الحرف الاخير الذي تتفق فيه قافية ، ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة ، وينفرد كل بيت منه بافادته في تراكيبه، حتى أنه كلام وحده مستقل عن ماقبله ومابعده ، واذا افرد كان تاما في بابه في مدح أو نسيب أو رثاء
بينما يرى ” ابن قتيبة ” في كتابه (الشعر والشعراء )، بأن: “الشعر في تصور العرب ، مصدر رئيسي من مصادر المعرفة الموثوقة ، ويقول أمير المومنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قولته المشهورة : كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه
وفي ( لسان العرب ) نجد أن ” ابن منظور ” يقول بأنه: منظوم القول غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية ، وان كان كل علم شعرا . وعُرف أيضا بأنه ” النظم الموزون ، وحده ماتركَّب تركيبا منعاضدا وكان مقفى موزونا مقصودا به ذلك ، فما خلا من تلك القيود أو بعضها فلا يسمى شعرا ولا يسمى قائله شاعرا
أما بالنسبة للاحتفال بالشعر ، فيعود الفضل في ذلك إلى اليونسكو ، حيث تم اعتماد يوم 21 مارس من كل عام يوما عالميا للشعر ، وقد تم ذلك خلال الدورة الثلاثين المنعقدة بباريس في عام 1999 والهدف من ذلك هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري والعودة إلى التقاليد الشفهية وتعزيز تدريس الشعر واحياء الحوار بينه وبين الفنون الأخرى كالمسرح والرقص والموسيقى والرسم ….وغيرها ، والحرص على أن لا ينظر للشعر على أنه شكلا قديما من أشكال الفن ، سيما وان الشاعر بات يضطلع بادوار التعبير عن الدواخل ويعزز البعد الاجتماعي للانسانية ، ومن خلاله تتم لحظات الوقوف والتوقف لمخاطبة الإنسانية. وهنا يستحضرنا الشاعر “بابلو نيرودا ” عندما قال : ان نظم الشعر سبيل من سبل السلام وبالتالي فالشعر هو المعين الذي لا ينضب للتعبير والحوار والتفاهم . وكما قالت سابقا السيدة ” ضياء خان ” سفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة 【أنه القدرة العجيبة على التعبير عن المقاومة والتمرد والاحتجاج والأمل 】
:ومنذ سنوات خلت نجد أن الشاعر ” سعيد ادريسي” قد قال قصيدة شعرية بمناسبة اليوم العالمي للشعر نأخد منها قوله
ايها الشعر المتعالي
في سماء الوجود
يا من تبدو بين الكواكب
والنجوم الساطعات
في كبرياء وغرور
أيها الناطق الرسمي باسم
الحياة
يانبع البهاء والسرور
أنزل من عليائك فالخليل
لن يعود
وانشر جناح القصيد
لتنساب الكلمات
…ولينشرح الفؤاد كما يريد
:وأخيرا يبقى الشعر بالف خير لأنه توأم الحب والجمال والفرح . وكما يقول الشاعر
عبد السلام مصباح ” في رسالته عن الشعر بمناسبة اليوم العالمي ، بأنه : بخير مادامت تسقيه قطرات الدم الجلنٌَارية ومادام الورد الأحمر كامن في حقول القلب ، وما دامت تحميه حروف اليد ، وتلاحقه القصائد المتشحة بنبل المحبة، الشعر بخير، مادامت هناك قلوب تتدفق بالمشاعر الرقيقة والأحاسيس النبيلة . الشعر بخير ، وزمن الانترنيت والعولمة والاسمنت لا يخيف الشعر الأصيل .
الشعر أقوى من أن تهزمه مناورات العولمة ، وأعرق من أن تحمييه ازرار الانترنيت ، جنونه الان يرقص فوق شاشاتها بكل كبرياء (….) وسيبقى متربعا في شموخ واباء على عرش اللغة التعبيرية (…..) ولاخوف عليه لأنه يتطور ويتعدد ، وهو أسمى من أن يقتل ، لأنه كائن حي في وجدان كل إنسان، وكل القيم الجميلة تنصهر فيه وسيظل متحركا وفاعلا ومتطورا ومتجددا ، ويفاجئنا دائمآ بألقه العسجري وبشغبه الساحر ، المفتون بالانطلاق إلى حيث الماء يتوهج تحت قباب الروح وتفيض بينابيع لا ولن تنضب
ألوان
الشعر نافذة مشرعة على الروح الإنسانية
الشعر، كما قال أدونيس بجملته الرائعة “وردة الرياح، لا الريح بل المهب، لا الدورة بل المدار”، ينسج تمازجًا مثيرًا للتأمل بين هشاشة الأفكار وقوة الإلهام. هو ليس مجرد كلمات تتساقط عشوائيًا، بل هو مدار يستدعيه الشاعر ليرتب ويرتبط بأسلوب يتغلغل في عمق التجربة الإنسانية
إن هذا الفن الرفيع ليس فقط وسيلة تعبير عن الأحاسيس، بل هو أيضًا رحلة لاكتشاف الروح وتأملاتها. فالشعر لم يكن يوما ترفا، بل هو التقاطٌ مميزٌ للحظات العابرة، إنه سفر في الممكن والمستحيل يأخذنا عبر مدارات غير مألوفة
في كل قصيدة، ينسج الشاعر كيمياء خاصة به، يحول بها الكلمات إلى أدوات لاستكشاف أعماق الإنسان وكونه. وكما تمثل الوردة للرياح، يمثل الشعر للروح، يحفز الإلهام وينتج جوهر الإبداع
إن هذه السمفونية من المشاعر المختلطة، التي تترك خدوشها كأثر لا يمحى على جسد الكلمات، تجعل الشعر ليس مجرد تواصل، بل هو ترتيب دقيق لنغمات الإنسانية. وعندما يتحول العادي إلى استثنائي بكيمياء عجيبة، يصبح الشعر كمدار يتخذنا في رحلة فريدة، نحو الجمال والتفكير العميق، حيث يلتقط اللحظات العصيّة على الإدراك بأناقة فائقة
الشعر نافذة مشرعة على الروح الإنسانية، يضيء الزوايا المظلمة ويحث اللاوعي البشري على فكّ الرموز في رحلة البحث في ما وراء الكلمات، يرنّ كنوتة في مقطوعة خالدة
لطالما تميز الشعر باستخدامه الذكي للغة، فانبثقت أشعار غنية بالعاطفة والإيقاع والصور، تجاوزت قواعد النحو التقليدية، فيجوز للشعراء ما لا يجوز لغيرهم في نقل مشاعرهم بوسائل إبداعية وفنية
لقد تجاوز الشعر مجرد التواصل ليلمس جوانب حميمية للحياة، مع كل بيت رقصة للمشاعر ومع كل قصيدة انتفاضة للروح، إنه رحلة نحو المجهول تقودها جرأة شاعر يمنح صوتا للأرواح الصامتة
احتفاؤنا باليوم العالمي للشعر هو تخليد لهذا الفن الأدبي الممتد منذ عصور والذي أثبت أنه نقطة تلاقٍ للحضارات وامتداد للثقافات المتنوعة، وما أحوجنا في عصر تبلد الحواس وتلبد سمائنا لجماليات الشعر ليظل نافذة نطل منها على العالم الذي كلما زادت قسوته زاد احتياجنا للشعر وقد أحسن جبران خليل جبران حين قال: ليس الشعر رأياً تعبر الألفاظ عنه، بل أنشودة تتصاعد من جرح دام أو فم باسم
في ظل احتفالنا باليوم العالمي للشعر، تبرز هذه المناسبة كدعوة قوية لاستكشاف الأبعاد الأعمق للحياة والفهم. إنها دعوة لاستكشاف دروب ملتوية وأزقة متعرجة، حيث يقف الشعر كمرشد يقودنا في رحلة فهم أكثر عمقًا للعالم من حولنا
السفر في ذات الإنسان يعني تخطي حواجز المسافات الظاهرية، لنكتشف ما يجمعنا، ولنتأمل في الأحاسيس المشتركة التي تربطنا كبشر. إنه وسيلة تنقلنا إلى تجارب جديدة، حيث نتخذ من الكلمات خيوطًا تربط بين ثقافات مختلفة وتجارب فردي
إن الرحلة التي تقودنا إلى أبعد من المألوف تسلط الضوء على جمال الاختلاف وتعزز الفهم المتبادل. الشعر يكون مرشدًا في هذه الرحلة، ينقلنا من الضفاف إلى أعماق الفهم والتفكير
يمكن أن يكون اليوم العالمي للشعر مناسبة للتأمل والتواصل، حيث يشجعنا على فهم الآخرين والتعبير عن ذواتنا بطرق تفاعلية وملهمة
سيبقى الشعر ذلك العناق الأدبي الذي يؤلف بين القلوب المتعبة ويسمح للضوء أن يتسرب من شقوق اللغة ليحملنا باهتزازاته الرقيقة نحو ضفة آمنة
الشعر : ذاك الفضاء المنفتح على التجريب اللغوي
“لعل أجمل ما يحضرني وأنا أحاول تحديد ماهية الشعر ما قاله أدونيس في كتابه زمن الشعر:”إن كنت تقصد تحديد ماهية الشعر فسؤالك لا يجاب عنه، ذلك أن كل جواب يستند إلى قواعد ومقاييس، والشعر خرق مستمر للقواعد والمقاييس
هكذا نرى أن الشعر يتجاوز كل تقعيد وكل قوانين من شأنها أن تشل من انطلاقه وتحول دون تطلعه إلى المستقبل في سفر أبدي، وفي حركة مستمرة
فالشعر يلامس كل ما هو كوني وكل ما هو إنساني فينا،لا يؤمن بالحدود ولا بجغرافيا الأمكنة
” كل قلوب الناس جنسيتي” كما قال درويش ذات قصيدة صارخة بإسقاط كل الحدود
الشعر هو ذاك الفضاء المنفتح على التجريب اللغوي، الذي يتناول إيقاع الحياة متحديا كل الحدود التقليدية للغة، يتجاوز العادي ويراود الاستثنائي
وفي هذا السياق يأتي اليوم العالمي للشعر كمنصة عالمية تحتفي بالشعر والشعراء في كافة أنحاء العالم، منذ أن اعتمد المؤتمر العام لليونيسكو خلال دورته الثلاثين المنعقدة في باريس سنة 1999 لأول مرة، يوم 21مارس كيوم عالمي للشعر بهدف دعم التنوع اللغوي، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرصا أكثر لاستخدامها في التعبير
وقد وضحت منظمة اليونيسكو أن الهدف وراء ذلك هو” تجديد الاعتراف وإعطاء زخم للحركات الشعرية الوطنية والإقليمية والدولية
من هذا المنطلق يتم تنظيم فعاليات وأنشطة متنوعة في جميع أنحاء العالم لتكريم الشعر من خلال مجموعة من العروض والمناقشات التي تسلط الضوء على أهمية الشعر في تعزيز الإبداع وتبادل الثقافات وتنظيم أمسيات للقراءات الشعرية
مأزق القراءة والشعر والنقد
الشعر خفقة الروح في محبرة الكون. والشعر قانون القلب قبل التفسير وبدونه
الشعر بخير، الشعر ليس بخير. الشعر طلاسم، قصيدة النثر بدعة…يقال الكثير عن الشعر، ولكنني سأكتب الشعر كما أكتب اسمي وهويتي قبل عيد الشعر وبعده. وهذا لا يعني أنني لن أكتب سرداً ونقداً ومقالات أعبر فيها عن رأيي بالشعر والعالم
أكتب لأن الشعر شغفي الأول ولا أكتب تحديداً للناقد، بل للقارئ/شريكي المجهول
رغم تخاذل النقد الأدبي عن مواكبة الهدير الهائل من الكتب الشعرية، لا يتوقف الشعراء عن طرح ما لديهم من غث وسمين. لقد صار النشر سهلاً سواء من خلال الكتاب الورقي أو الالكتروني
يحضر النقد على قلته وعثراته. يحدث أحياناً في معرض النقد العاجل والذي يكثر في الصحف العربية، أن يستفيض الناقد في الشرح النظري واستحضار مقولات مكررة يستعرض ما لا علاقة له بالكتاب موضوع الدراسة ومن ثم يعرج على الكتاب الذي سيقدمه فيجعل من الديوان الشعري هامشاً لاستعراض خبراته القرائية والمقتبسات المنقاة من أمهات الكتب النقدية المعروفة للخبراء المهتمين بهذا الجنس الأدبي أو ذاك
مثلا: كأن يتحدث سين باستفاضة عن تاريخ قصيدة النثر ومعاركها والمشاهير في العربية والعالم، قبل ودون أن يتكلم عن قصيدة النثر في مجموعة للشاعر المعني بالقراءة والتحليل الأدبي
والمتنكب للنقد أحياناً يقتنص الفرصة ليجزي المديح المجاني أو النقد السلبي على موضوع الكتاب دون شواهد نابعة من صلب العمل. وأحياناً يرطن بمصطلحات غائمة لا يفهمها هو نفسه
عزيزي كاتب النقد: إذا كنت تريد أن تذهب للحديث عن نصوص جاكلين أو حسين أو محمد ، خذ النص برفقتك. ادخل الى قلب النص، ادرس الشعر كما جاء في الديوان. اكتب نقداً عنه وليس عنك وذخيرتك المعرفية التي قد تكون باهرة ومهمة في سياق آخر مختلف
وإذا قارنتُ هذه الحالة مع المقالات المكتوبة بالإنكليزية أجد أن المقالة أو الكتاب برمته يبدأ بسرد حكاية عادية من قبل الصحفي أو الناقد. حادثة لها مغزى وتساعد على جذب انتباه القارئ
وإذا كنت لا تحب الشعر، فالعيب ليس في الشعر. أنت حر في مذاقك كما أنا حرة في اختيار طعامي. وحاول أن تفهم الشعر الذي تقرأه قبل أن تتحدث عن كونفوشيوس وافلاطون وإدوارد سعيد وغيرهم من كبار الأعلام في الثقافة والفلسفة والأدب
الشعر يريد الوصول إليك وليس إلى رفوف المكتبات فقط
ولن أدخل في الكتابة عن جدوى الشعر، ولماذا الشعر لأنني سبق وكتبت الكثير عن هذا وتجدونه في كتابي الذي بعنوان: حوارات على مرايا الهجرة الذي صدر عام 2023
جاكلين سلام
شاعرة ومترجمة سورية كندية. صدر لها خمسة دواوين وكتاب حوارات على مرايا الهجرة. تقيم وتعمل في كندا منذ عام 1997
:الشاعرة السعودية روجينا محمد الفركالي
الشعر هو مشاعري
الشعر من وجهة نظري هو استقطاب الفكرة من العدم وإدخالها في الخلود .. هو ترجمة المشاعر إلى لغة ملموسة ، تحكي موضوعات عدة بطريقة لايستطيعها إلا شخص موهوب ، يحمل مَلكَة الشعر ، يقول المثل القديم : الشعر ما قالته العرب، والقصد هنا الشعر الجاهلي الذي كان يسمى بالسليقة حتى جاء الخليل الفراهيدي وابتكر علم العروض الذي يقع تحت إمرته 16 بحرا 15 منهم للفراهيدي، وواحد لتلميذه الأخفش والحديث في هذا المجال يطول إذ لكل بحر إسم ولكل إسم سبب وهكذ
:وتاريخ الشعر يمتد حتى سيدنا آدم عليه السلام الذي رثى ابنه هابيل بأبيات تقول
تغيرت البلاد ومن عليها
فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم
وقل بشاشة الوجه الصبيح
قتل قابيل هابيل أخاه
فواحرباً مضى الوجه المليح
.عودة للشعر ما قالته العرب ، الشعر باللغة العربية هو أرقى الأنواع من بين لغات العالم
إذ أن جمالية الشاعرية فيه تلمس الروح ، وهو الشعر المعقود عند ابن سرين، وديوان العرب عند الجاحظ ، وهو البيان الذي تتقبله الغريزة عند المعري، وهو بحور عند الفراهيدي ، وفضيلة عند الجاحظ
أما عند نزار قباني فهو كما قال : “الشعر انقلاب بالكلمات يحاول تغيير وجه العالم ..انقلاب يقوم به عاشق ليحوّل الأرض كلها إلى بستان للعشق”
الشعر خطاب إنساني يتوجه إلى (الآخر)، ولا قيمة لشعر يخاطب الفراغ ..أو الملائكة ..أو يخاطب نفسه
أما عندي أنا كروجينا محمد الفركالي
الشعر هو مشاعري. ومن لا يستطع لمس ترجمتها عبر الضاد، فإنه حتما يظلمني