رمزية النعش التي تعبر عن موت داخلي أصاب الحب

رمزية النعش التي تعبر عن موت داخلي أصاب الحب

الناقد محمد الدمشقي : يكتب عن ديوان “تراتيل للمدن التي…” للشاعرة السورية إيمان شربا

            ذ. محمد الدمشقي

القصيدة النثرية في كتابة الشاعرة وثيقة بين الواقع والحلم              

الشعر… بكل ألوانه واشكاله… حالة شعورية تربط الواقع بالحلم، والحقيقة بالخيال، تتماوج فيها أفكار الشاعر ومشاعره وتأملاته وهواجسه، فتتشكل في ذهنه لوحة يرسمها بكلمات
هكذا تنهمر القصيدة وترسم ملامحها بنفسها… لكن في قصيدة النثر لا بد من نثر الملامح… لتتوسع وتمتد، تتشظى التفاصيل لتجمع تفاصيل أخرى ونشعر بعد القراءة أن تلك المكونات تجمعت وتلاقت في قلوبنا وأذهاننا
هكذا شعرت وأنا أطالع ديوان الشاعرة السورية ابنة مدينة سلمية العاشقة للشعر والنثر “تراتيل للمدن التي”. الصادر عن الدار المصرية المغربية للنشر والتوزيع بالقاهرة المبدعة إيمان شربا… التي تكتب قصيدة نثر ناعمة وعميقة بنفس الوقت معتمدة على فكرة التشظي والتلاقي الشعوري الذي يمد رقعة المعنى ويوسع نطاق الهدف
فالقصيدة عندها لا تتقيد بفكرة معينة… بل نشعر بأنها تبوح بكل شيء وبأقصر طريقة ممكنة وهنا تتجلى روعة التكثيف النثري… أي اختزال النص والعبارة بحيث تحمل طاقة شعورية هائلة وانفجارية إذا صح التعبير… لأنها مستمدة من صلة عجيبة وثيقة بين الواقع والحلم في رؤية أكثر اتساعاً وشمولية
في حرفها قلق وأمنيات وأشواق وظنون… ليس مجرد هذيان عصي على الوصف، ولا نزف عابر لبلاد في طور التعب… إنما هو تمرد على التلاشي والواقع المصاب بالخذلان، هو رسالة حب وإنسان ووطن، دمعة على وجنة امرأة وحبيبة… وصرخة بلسان الحرب
موضوعاتها متنوعة ولكن المميز في حرفها أن النص غالبا متحرر من حدود الموضوع قادر على الامتداد… فنشعر بوجع الوطن والإنسان في كل نص… حتى في القصائد المنهمرة من الذات والوجدان
تكتب للحب… للمرأة… للوطن… للحياة… للأم
لاحظوا معي امتداد الهدف من خلال مقطع من قصيدة “لقاء من زمن قديم”
في الأرض الباردة
يغفو الحب
مصابا بنقص السكر
ويصحو محمولا
على الأكتاف
بنعش بلا عيدان
وأنا وأنت
خارج الموت
تفرد الموج كسماء
فالموضوع هنا امتد من الحب إلى الأرض والوطن والحياة والموت… لأن الحب مرتبط بمواجع الوطن وهمومه الثقيلة… متأثر به… متوحد مع وجعه
ونلاحظ أيضا دقة التوصيف الشعوري والحسي من خلال الاعتناء بتفاصيل المشهد في نفس المقطع المختار، حيث تمكنت من نقل الحالة السيكولوجية من الداخل إلى الخارج عبر رمزية النعش التي تعبر عن موت داخلي أصاب الحب في بلاد كل ما فيها يقف في وجه طموحاته وأحلامه… لكن ظهرت لهجة التحدي التي تتطلبها قصيدة النثر كفكرة ثورية متمردة ليس فقط على قوالب الشعر الموزون وبحوره وقوافيه، بل حتى على الواقع ومعطياته وقيوده
كذلك نرى في حرفها خيالا متوازنا في حالة ضبابية نوعا ما لكنها ليست غامضة كما في قولها في قصيدة بعنوان “آخر القصيدة”
في آخر القصيدة
كانت تحرك القافية بقدمين صغيرتين
ترتب الصور على مقاس دهشتها
وأرتب الحروف على مقاس لهفتي
لم يكن الوله بكامل دقته
إذ مامعنى أن تورق الضحكات وتثمر
ويموت العاشق بطعنة وردة؟
حيث لم نفهم ما المقصود بشكل مباشر لكننا شعرنا بالحالة وأحسسنا بها وكأنها أعادت تشكيل وبلورة نفسها في قلب القارئ ولا وعيه

أعجبني حديثها الصادق عن الوطن وأحزانه… عن الحرب وآلامها… عن الحب وهمومه… لكن لفت نظري تناولها المدهش لموضوع الأم عبر تقنية ذكية تتمثل في عكس الصورة لنشعر أكثر بالصورة الأصلية
كيف نحتفل بعيد الأم؟
نتوسل لها
أن تأكل خبزنا وتجوع؟
تلبس لحافنا وشاحاً ونبرد؟

أسلوب مبتكر وتقنية نثرية رائعة
كما نلاحظ أن النص عندها قصير مكثف بلا كثير من التعقيد… حتى صورها ناعمة تميل إلى البساطة والسهل الممتنع
كما نلاحظ الغايات السامية في حرفها والبعد عن الأنا والنرجسية
ألا ليتها المشانق تغدو
مناطيد فرح وكرنفال
وهذا الشقاء المنثور في الأزقة والطرقات
يغدو أغنيات
لا ألحان في المدينة
العازف العجوز مات بنوبة قهر
والناي احترق
والموسيقا تغرق مع الحقائب والحكايات
عندما نقرأ ذلك الديوان سنشعر فعلا بقدرة قصيدة النثر على التحليق والإقناع والتأثير… يكفي أن نقرأ ونكتشف
كان علي
أن أتعلم الرقص
بالكعب العالي
على سلمك الموسيقي
كيلا أتعثر بمفرداتك الصعبة
وأسقط قطرة ضعيفة الفنون في مائك

Zahra

زهرة منون ناصر: صحفية مغربية كندية المديرة المشرفة على موقع صحيفة ألوان، باعتباره منبرا إعلاميا شاملا يهتم بهموم مغاربة العالم في الميادين الابداعية والثقافية، الاجتماعية والاقتصادية و التواصل والإعلام Zahra Mennoune: Journalist Morocco-Canadian Responsible of publishing the Website : (Alwane "Colors" ) in Arabic language. (French) هام جدا: يرجى إرسال المقالات في حدود ألف ومائتين كلمة كل المقالات و المواد التي تصل ألوان تراجع من قبل لجنة االقراءة قبل النشر، ولا تعاد إلى أصحابها سواء نشرت أم لم تنشر رابط الموقع: Alwanne.com